Skip to main content
User Image

عبد الناصر بن عبد الرحمن الزهراني

Professor

عميد كلية السياحة والآثار (الأسبق)

كلية السياحة والآثار
كلية السياحة والآثار
publication
Book
2017

التراث الثقافي، ماهيته، مهدداته والحفاظ عليه

الزهراني, - محمد أبو الفتوح غنيم؛ عبد الناصر بن عبد الرحمن . 2017

التراث الثقافي

المقدمة

يشكّل التراث الثقافي، ما خلّفه الأنسان من إرث مادي، ومعرفي، تراكم عبر الزمان، وقادر على البقاء متى تم الحفاظ عليه وإدراك أهميته وقيمه المختلفة جيلاً بعد جيل. وبهذا فهو يختلف عن التراث الطبيعي الذي شكلته الطبيعة والجغرافيا واحتفظ بمكانه عبر الزمان. والتراث الثقافي بمفهومة الواسع يمثل الذاكرة الحية للفرد والمجتمع، وهو الذي يحفظ لهما الهوية والانتماء. وهو والركيزة التي ترتكز عليها الأمة في بناء نهضتها، والجذور التاريخية التي تشكل استمرار وجودها، وتفردها، وأصالتها، ويساعدها على مواجهة ما يصادفها من تحديات وتقلبات الزمن. والتراث الثقافي لمجتمع من المجتمعات هو المنبع الحيوي لإلهام مفكريها، ومثقفيها، ومبدعيها، يستقون منه ابداعاتهم التي تربطهم بماضيهم وتعزز حضورهم في الساحة الثقافية الدولية.

والتراث لا يعني أشياءً مادية ملموسة فقط، كالشواهد الأثرية التي لا زالت منتصبة القامة، أو ما تحتفظ به خزائن المتاحف من مخلفات الماضي المادية وتمثل جسد الأمة وبقاياها، بل هو أيضاً روحها المتنقلة في وجدان أفرادها، وذاكرتهم، وسلوكهم، وما اعتادوا عليه من فنون تعبيرية، وأدائية، وتشكيلية، مثل: الأشعار، والأساطير، والحكايات، والموسيقى الشعبية، والمعارف التقليدية، والحرف اليدوية، وغيرها مما توارثته الأمة عبر أجيال وعصور، تعبيراً عن حياتها، وروحها، وثقافتها. ويمكن القول إن التراث بمفهومه الواسع هو خلاصة ما ورّثته الأجيال السالفة للأجيال الحالية، وما زال باقياً في حياة الحاضر. والتراث يجسّد ثقافة الفرد، والجماعة، والمجتمع، والأمة، فهو المعبِّر الصادق عن الموروثات والانجازات الفكرية، والثقافية، والحضارية على مستوى المجتمع المحلي وعلى مستوى الأمة بأسرها.

وللتراث قيمته وأهميته المميزة التي لا تخطئها عين ولا يتفاداها وعي، فبالإضافة إلى كونه يتصل بشخصية الأمة أو المجتمع، ويعطيها الطابع المميز، كما يحدد مستواها في الذوق، والحس الإبداعي، ودرجة تقدمها، فإنه يخدم قضاياها الوطنية، فيعززها ويعمق الهوية والانتماء لدى شعبها. وقد يكون ذلك عن طريق الاهتمام به، والعمل على تسجيله وتوثيقه، والحفاظ عليه، وإحيائه، وهو ما يمكن أن ينعكس على حاضر الأمة، وسلوكيات أفرادها، كما أن محاولة هدمه، وتشويهه، واجتثاثه، يمثل طمساً لذاكرتها المجتمعية. كما يعدّ التراث الثقافي أيضاً مصدراً من مصادر الدخل الوطني بما له من علاقة بالجذب السياحي؛ إضافة إلى كونه مصدراً من مصادر إيجاد فرص العمل. وقد يمثل توجهاً سياسياً لخدمة أغراض السيطرة، والمسخ الثقافي، وبسط النفوذ السياسي. هذا بالإضافة إلى كونه يشكّل مادة للبحث العلمي بما يملكه من مستودع الخبرات، والتراكم المعرفي، وهو مجال للاتعاظ، والدراسة، ومادة تعليمية للنشء، وسجل معرفي عن التاريخ، والثقافة، وتطور الحضارة والفنون.

والتراث الثقافي بقسمية؛ المادي (الثابت منه والمنقول)، وغير المادي، يتعرضان للعديد من الأخطار والمهددات التي تهدد وجوده. فالتراث المادي تهدده العديد من الأخطار، التي قد تعرضه للتشوه، أو التلف، أو طمس معالمه الحضارية، والثقافية، وقد تهدد بقاءه فتؤدي إلى تدميره، والقضاء عليه واختفاءه. ومن أمثلة هذه الأخطار ما اصطلح على تعريفها بالأخطار الطبيعية ومنها الزلازل، والسيول، والأمطار الشديدة، والرطوبة والحرارة وتغير معدلاتهما بين الارتفاع والانخفاض، والمهددات البشرية الناتجة عن التدخلات أو السلوكيات البشرية الخاطئة تجاه موارد التراث الثقافي المادي، وطريقه التعامل معه. وقد تكون هذه التدخلات أو السلوكيات متعمدة لأغراض معينة، أو غير متعمدة ناتجة عن قلة الوعي، أو الإهمال، أو الجهل. وجميعها تتسبب في تعرّض مصادر التراث الثقافي للتلف، أو التشوه، أو الدمار، أو الضياع. ومن أمثلة التدخلات البشرية الخاطئة؛ انتشار كافة أنواع الإسكان المتطفل، والهامشي في العديد من المناطق الأثرية، والتراثية، وتلاصق المستوطنات البشرية التي تتصف بكثافة سكانية عالية بحدودها.

وقد يتسبب الإنسان، عن قصد أو غير قصد، في إحداث حرائق تسبب أضراراً بالغة بمواد التراث الثقافي المادي الثابت منه والمنقول. كما تعدّ الحروب، التي تنشب بين الدول، أو النزاعات المسلحة والحروب الأهلية بين أبناء الشعب الواحد، من أخطر ما يلحقه الإنسان بالتراث الثقافي، لما يصاحبها من عنف، وتدمير، وإلحاق أضرار بالممتلكات المختلفة، سواء أكانت عسكرية أو مدنية، ومنها بطبيعة الحال ممتلكات التراث الثقافي. وقد يشكل التطور العمراني والاقتصادي وقيام المشروعات الوطني عبأً أيضاً على التراث الثقافي فتُقدم السلطات، أو الأفراد، في حالات معينة، على هدم المباني التاريخية, أو تغيير معالمها لتنفيذ توجهات خدمية واقتصادية للمجتمع. كما يندرج تحت الأخطار البشرية ما يقع فيه القائمون بالحفاظ على التراث من أخطاء نتيجة قلة الخبرة أو الدراسة، سواء كانت هذه الأخطاء في طريقة، وأسلوب الترميم ذاته أم في نوعية المواد المستخدمة.

كما أن هناك من المخاطر ما يشكل تهديداً للتراث الثقافي غير المادي فتنتقص منه، أو تضيف إليه، أو تشوهه، وقد تنهي بقاءه، ولعل أهمها العولمة, والتطور المطرد في الحياة الاقتصادية والاجتماعية.

وإن تحديد هذه الأخطار، والمهددات المختلفة على صعيدي التراث الثقافي المادي وغير المادي، ودراستها، ومعرفة أسبابها، سيساعد في وضع استراتيجيات الوقاية منها، والحفاظ على التراث الثقافي من مؤثراتها، ومخاطرها.

وإدراكاً لأهمية هذا التراث وقيمته، ووعياً بخطورة ما يتعرض له من مهددات، ومواجهةً لما يتعرض له من تحديات تهدد بقاءه كان الحفاظ عليه هو الضرورة التي لا بد منها. ويأخذ الحفاظ على التراث الثقافي، المادي منه، صوراً عديدة، منها: الترميم، والعلاج، والحفظ والابقاء، والحماية، والصيانة، والتهيئة، وإعادة التركيب أو الإحياء. وتتضافر جهود علوم عديدة أخرى تساهم، كلٌ في تخصصه، بنصيب وافر في المحافظة على التراث الثقافي، ومنها علوم: الكيمياء، والفيزياء، والجيولوجيا، والبيولوجي، والهندسة المعمارية وغيرها. وقد يكون الحفاظ على التراث الثقافي المادي من النوع الوقائي بالتحكم في بيئة الممتلكات الثقافية، ومراقبتها، دون التدخل في أي جزء من هذه الممتلكات بإضافة مادة لتثبيتها، أو تقويتها، أو حفظها، أو إزالة جزء منها، وقد يكون من نوع الحفاظ التدخلي ونعني به معالجة المادة المصنوع من التراث (الثابت أو المنقول) بإضافة مادة إليها أو بحذف شيء منها أو بهما معاً، ولابد فيه من معرفة عوامل، وأسباب التلف، وإدراك طبيعة، وخواص، وتركيب المادة المصنوع منها المعلم التراثي، وكذلك المادة المستخدمة في العلاج.

وعادة ما تشمل منهجية الحفاظ على التراث خطوات ومراحل لابد منها، تبدأ بتسجيل موارد التراث وتوثيقها، وتحليل مظاهر التلف الذي تعاني منه وتحديد أسبابها، وفهم طبيعة مصادر التراث، وتحديد مكوناته، ومعرفة مادة التراث وخواصها، ثم اتخاذ كافة الإجراءات التطبيقية التي تكفل الحفاظ عليها، وصيانتها.

وكذلك كان الاهتمام بالتراث الثقافي غير المادي، وتعهده بالرعاية، والحفاظ عليه واجباً وطنياً وضرورة علمية كونه يمثل ميداناً تلتقي فيه مجموعة من العلوم الاجتماعية، والإنسانية منها علم الأنثروبولوجي، وعلم الاجتماع، وعلم النفس، وعلم التاريخ، وعلم الجغرافيا ... وغيرها. وتشمل منهجية الحفاظ على التراث الثقافي غير المادي، أو التراث الشعبي، والمواد الفلكلورية، مجموعة من الإجراءات تشمل جمع وتوثيق مواد التراث الثقافي غير المادي، سواء كان جمعاً ميدانياً أم جمعاً من المدونات والكتب، ثم التصنيف إلى الأقسام المتعارف عليها، وهي: العادات والتقاليد، والأدب الشعبي، والمعتقدات والمعارف الشعبية، والفنون الشعبية المختلفة سواء أكانت فنون تعبيرية، أو أدائية أو حرفية تشكيلية. ويلي عمليات التصنيف هذه وسائل وطرق الحفاظ الفعلية لمواد التراث الثقافي غير المادي وعرضه، ودراسته وتحليله، ومحاولة إحيائه، وتوظيفه واستثماره، والتوعية به والإعلام عنه.

ولقد كان للاهتمام بالتراث الثقافي (المادي وغير المادي) وما يتعرض له من مخاطر ومهددات، أن أنشئت، مؤسسات ومنظمات دولية معنية به وبالحافظ عليه. يأتي على رأس هذه المؤسسات؛ منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة المعروفة باليونسكو، وما يندرج تحتها من منظمات ولجان فرعية، ثم المجلس الدولي للمعالم والمواقع (الايكوموس)، والمركز الدولي لدراسة صون وترميم الممتلكات الثقافية (الايكروم)، ومنظمة مدن التراث العالمي، والمجلس الدولي للمتاحف (الايكوم) وغيرها من المؤسسات الدولية. وهناك المؤسسات والمنظمات العربية والاقليمية المعنية أيضاً بالتراث العربي والإسلامي، ومنها منظمة الالكسو المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم, والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة المعروفة بالايسيسكو، ومؤسسة التراث والمدن التاريخية العربية، ومنظمة العواصم والمدن الإسلامية، ومؤسسة الآغا خان للخدمات الثقافية، والمركز الإقليمي العربي للتراث العالمي، إضافة إلى مراكز قُطرية في العديد من الدول العربية، مثل الجمعية السعودية للمحافظة على التراث في المملكة العربية السعودية، ومركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي بالقاهرة بجمهورية مصر العربية، وجمعية أصدقاء الآثار، والتراث في المملكة الأردنية. وأيضاً هناك المؤسسات التعليمية والأكاديمية في الجامعات والمعاهد، المعنية بالحفاظ على التراث، وصيانته ودراسته.

وهذا الاهتمام الدولي والاقليمي والقُطري بالتراث والحافظ عليه كان لابد أن يصحبه مجموعة من الاتفاقيات المتوازية أيضاً في محيطها الدولي، والإقليمي، وكذلك قوانين محلية وقُطرية تحكم، وتنظم، وتضبط العمل في مجال التراث، والحافظ عليه. ولقد ظهر ما يربو عن خمس وعشرين إتفاقيه وميثاق ووثيقة دولية تغطي الموضوعات المتعلقة بالحفاظ على التراث الثقافي المادي، الثابت منه والمنقول، وكذلك غير المادي، وحمايته بصورة مباشرة، سواء بالترميم، مثل: ميثاق أثينا 1931م، وميثاق البندقية 1964م. ومنها ما يتعلق بالحماية، مثل: اتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية في حالة النزاع المسلح، واتفاقية باريس لحماية التراث الثقافي والطبيعي 1972م، وميثاق حماية وإدارة التراث الأثري 1990م، واتفاقيـة حماية التراث الثقافي المغمور بالمياه 2001م. ومنها المتعلق بالحفاظ، مثل: ميثاق بورا 1981م، وميثاق واشنطن 1987م، والحفاظ على أصالة التراث، مثل: ميثاق أو وثيقة نارا للأصالة 1994م. وكذلك نماذج الحفاظ على التراث الثقافي غير المادي, مثل: اتفاقية حماية أو صون التراث الثقافي غير المادي 2003م، والمعدلة لعام 2010م. وهناك أيضاً الاتفاقيات والمواثيق العربية والاسلامية، مثل: القانون الموحد للآثار لعام 1981م، وميثاق لاهور لعام 1980م، والقانون النموذجي لحماية المخطوطات في البلاد العربية 1987م، والاتفاقية العربية لحماية المأثوارت الشعبية 2010م.

 

ويهدف هذا الكتاب إلى دراسة ماهية التراث الثقافي، والتعرف على طبيعته لغةً واصطلاحاً، والعلاقة بينه وبين الآثار، التاريخ والثقافة، وأهميته، والقيم المختلفة التي يتميز بها، وأقسامه المتنوعة، وهو ما سوف يتم تناوله في الفصل الأول منه.

كما يهدف إلى دراسة المخاطر والمهددات التي تهدد التراث الثقافي بشقية المادي وغير المادي، والتي قد تؤدي إلى تلفه، أو تشويهه، أو ضياعه ودماره واختفاءه، والوقوف على أسبابها وكيفية مواجهتها، وهو ما سوف يركز عليه الفصل الثاني.

وكذلك يهدف الكتاب إلى دراسة الحفاظ على التراث وصوره المختلفة، والعلوم التي تساهم معه في تحقيق أهدافه، ومنهجية حفظ التراث الثقافي، المادي منه وغير المادي، وهو ما يتناوله بالتفصيل الفصل الثالث من الكتاب.

ويتطلب التناول المنهجي في دراستنا للتراث الثقافي بشمولية أن تكتمل الرؤية بالتعريف بالمؤسسات والمنظمات الدولية المعنية بالتراث الثقافي، والحفاظ عليه، على المستوى الدولي، وما تقوم به من جهود، ومشروعات، ودعم فني ومادي للتراث على مستوى العالم، وكذلك اللجان أو المراكز المتفرعة منها والمنبثقة عنها، كذلك مثيلاتها على المستوى الاقليمي أو العربي والاسلامي. وهو ما سوف يتم تناوله في الفصلين الرابع والخامس من الكتاب بالترتيب.

كما لزم الأمر دراسة المواثيق والاتفاقيات الدولية التي تحدد الأطر العامة للتعامل مع التراث الثقافي، والضوابط التي تحكم، وتنظم العمل في مجال الحفاظ على التراث الثقافي المادي وغير المادي، ومنها ما يتعلق بالحماية، أو الترميم، أو الصيانة، أو التاصيل أو التوثيق أو غيره مما يتعلق بصون التراث الثقافي والحفاظ عليه بأقسامه المختلفة، المادي (الثابت والمنقول) وغير المادي، وكذلك ما هو فوق الأرض، وما هو مدفون تحت الأرض أو مغمور في الماء.

وبهذا نأمل أن يكون الكتاب قد تناول ما يمكن أن يحتاج إليه القارىء العربي المهتم بالتراث الثقافي بأقسامه أو أنوعه المختلفة، وعسى أن يجد فيه المهتمون والعاملون بمجال التراث، والآثار، والحضارات القديمة، وكذلك المشتغلون في حقل الحافظ على التراث الثقافي وترميمه وصيانته، ما يفيدهم، وأن يكون لبنه في بناء الثقافة العربية والتراث الثقافي العربي العريق.

Publication Work Type
كتاب مرجع
Publisher Name
مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية
Publishing City
الرياض
more of publication
publications

مقدمة

by - محمد أبو الفتوح غنيم؛ عبد الناصر بن عبد الرحمن الزهراني
2016
Published in:
الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني
publications

المقدمة

by - محمد أبو الفتوح غنيم؛ عبد الناصر بن عبد الرحمن الزهراني
2017
Published in:
مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية
publications

مقدمة:

by - عبد الناصر بن عبد الرحمن الزهراني؛ محمد أبو الفتوح غنيم؛ محمد إسماعيل أبوالعطا
2019
Published in:
كرسي التراث الحضاري في المملكة العربية السعودية. جامعة الملك سعود