تعليم اللغة العربية عن بعد. الواقع والمأمول
زكي, د. زكي أبو النصر البغدادي 2-د. عقيل الشمري 3- د. نصر عبد ربه 4- د. عبد الحكيم قاسم 5- د. مارك مول 6- د. أسامة . 2014
كتاب تعليم اللغة العربية عن بعد. الواقع والمأمول
من إصدار مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز الدولي لخدمة اللغة العربية. مارس 2014
المقدمة
أهمية الكتاب:
يشهد العالم في الآونة الأخيرة تغيرات علمية ومعرفية هائلة؛ أدت إلى ظهور مايعرف بمجتمع مابعد الحداثة، هذا المجتمع الذي له مشاكله الخاصة، وآلياته المختلفة. تنحصر مشكلته الأساسية في مواجهة الطوفان المعرفي في كافة المجالات العلمية والتقنية؛ وهذا يتطلب إحداث تنمية بشرية قادرة على إنتاج هذه المعرفة وتوزيعها وتوظيفها. ومن أهم هذه التغييرات ثورة المعلومات والاتصالات وما تتضمنه من استخدامات متعددة للتكنولوجيا. إن هذه الثورة المعرفية التي فرضت بالفعل تغيرات عميقة في كافة مناحي الحياة، وارتفعت بالثورة المعرفية التي فاقت في أهميتها الثروات المادية تتطلب تعليما من نوع جديد، يلبي طموحات الطلاب، وينمي المهارات الذهنية المبدعة في تعليم اللغة العربية.
إن الانفجار المعرفي الناتج عن ثورة المعلومات والاتصالات يفرض على العاملين في مجال تعليم اللغة العربية تبني أساليب جديدة، وطرق حديثة بالاستفادة من منجزات الثورة الإلكترونية، والعمل على توظيفها في مجال تعليم اللغة العربية عن بعد؛ للوفاء بالأعباء التعليمية التي تنوء بحملها الوسائل التقليدية التي لم تعد تساير العصر ولا تفي بحاجة الراغبين في تعلم العربية.
يأتي هذا الكتاب "تعليم اللغة العربية عن بعد. الواقع والمأمول" ترجمة للفلسفة التي يقوم عليها هذا النوع من التعليم ألا وهي:"تقديم التعليم لكل من يريد، في الوقت الذي يريد، والمكان الذي يريد دون التقيد بالطرق والوسائل التقليدية المستخدمة في العملية التعليمية العادية". ويمكن إيجاز هذه المباديء التي تقوم عليها هذه الفلسفة في النقاط التالية:
- إتاحة الفرص التعليمية لكل الراغبين والقادرين دون حدود نهائية يقف عندها التعليم والتعلم، وتذليل العقبات المكانية والزمانية التي تعوق العملية التعليمة.
- استقلالية المتعلمين وحريتهم في اختيار الوسائط التعليمية، وأنظمة التوصيل بصورة فردية حسب ظروفهم العملية، وأماكن تواجدهم.
- تنظيم موضوعات المنهج وأساليب التقويم حسب قدرات المتعلمين وظروفهم واحتياجاتهم.
- تلبية حاجات بعض الشرائح الاجتماعية ذات الظروف الخاصة؛ من خلال تقديم برامج التعليم والتدريب التي تساعدهم على الاندماج الاجتماعي والثقافي في المجتمع الذي يعيشون فيه.
- تصميم البرامج الدراسية بصورة تتناسب مع الاحتياجات الفعلية للدارسين في مجالات عملهم المختلفة.
أهداف الكتاب:
يهدف هذا الكتاب إلى مناقشة عدة محاور تتعلق بتعليم اللغة العربية عن بعد وذلك على النحو التالي:
المحور الأول: أبرز الإشكالات النظرية والمنهجية في تعلم اللغة عن بعد، بالإضافة إلى أسس بناء وتصميم البيئة التعليمية المثلى؛ اعتمادا على مبادئ اكتساب اللغة الثانية، مع ربط ذلك بالإشكاليات والظروف الخاصة لتعلم اللغة العربية.
المحور الثاني: تعريف مفهوم "التعلم عن بعد" وفق ما يراه بعض علماء علم التدريس عن بعد Distance Education وأيضاً تحديد الخصائص الأساسية المميزة لهذا العلم؛ إضافة إلى الإشارة للدور الحيوي الذي يمكن أن يلعبه تعليم اللغات عن بعد في الارتقاء بكفاءات التواصل الأربعة للدارسين: الكفاءة اللغوية، الكفاءة اللغوية الاجتماعية، كفاءة التحدث، وكفاءة التواصل الاستراتيجي. ويتضمن هذا المحور النقاط التالية:
- التعريف بثلاث نظريات للتعلم عن بُعْد: نظرية الدراسة المستقلة Independent Study، نظرية التلاقي عن بعد Transactional Distance، و نظرية التكافؤEquivalency Theory والتي تم اختيارها من أشهر ثماني نظريات للتعلم عن بُعْد.
- تقديم "نموذج تطبيق اعتماد الدارس على كفاءته الشخصية أثناء تعلم اللغات عن بُعْد" بأبعاده الستة وهي: الدافع، الوسيلة، الوقت، مكان التعلم، الوسط الاجتماعي للدارس، وأداء الدارس مع تقديم شرح تفصيلي لكل من هذه الأبعاد.
المحور الثالث: توظيف تكنولوجيا الوسائط المتعددة في تعليم العربية عن بعد" ويتناول: تحديد مفهوم تكنولوجيا الوسائط المتعددة- سيكولوجية الوسائط المتعددة- الخصائص التعليمية للوسائط المتعددة- التعريف بتعليم العربية عن بعد- تقديم نموذج عملي لتدريس المهارات اللغوية وعناصرها المختلفة عن بعد؛ من خلال الوسائط التكنولوجية الحديثة عبر شبكة المعلومات والاتصالات الدولية.
المحور الرابع: تقديم خلاصة تجربة جامعة ديكن الأسترالية في ملبورن، في تعليم اللغة العربية الفصحى المعاصرة عن بعد عبر شبكة المعلومات الدولية؛ وذلك باستخدام سلسلة من استراتيجيات تفاعلية، ومتطورة، باستخدام أحدث تقنيات الوسائط المسموعة والمرئية؛ لأن جامعة ديكن الأسترالية تعتبر الجامعة الوحيدة في أستراليا التي بدأت بتعليم العربية عن بعد وعبر الشبكة الدولية منذ سنتين؛ نظرا لزيادة الإقبال على تعلم العربية في مختلف الولايات الأسترالية؛ ومن أجل تحقيق هذا الهدف كان لا بد من تصميم منهج يرتكز على أساس المخرجات، ويتبنى وجهة النظر القائلة: "إن التقنية، باعتبارها ركيزة من ركائز تصميم المنهج؛ يمكن أن تلعب دورين: أحدهما أداةً للتعلم، والآخر دور المدرس؛ لتصبح أدوات التعليم متاحة بشكل أكبر للمتعلمين-زمانا ومكانا-؛ ولتحقيق هذا الهدف وُضِعَت إستراتيجيةٌ لتوفير جميع عناصر النجاح لهذه التجربة الجديدة في تعليم وتعلّم العربية عن بعد. هذه الإستراتيجية تمثلت في تصميم وتطوير برنامج تفاعلي متكامل من خلال شبكة الإنترنت.
المحور الخامس: يتناول الكتاب محورا آخر، وتجربة مميزة لأحد معاهد تعليم اللغات الأجنبية وهو:) معهد ليوفن للغات) التابع لجامعة Leuven البلجيكية في تقييم مواقع تعليم اللغة العربية عن بعد على شبكة المعلومات والاتصالات؛ والذي تناول فيها الباحث أهمية الجانب النظريّ الذي يعد بمثابة البنية التحتية لكل برنامج إلكتروني تعليمي، والجانب العمليّ الذي يتناول الإمكانيات التكنولوجية التي يجب أن تتوفر لتحقيق تعليم فعال في مجال تعليم اللغات. البحث يقيم الخبرات التكنولوجية المتراكمة، خلال الثلاثة عقود الأخيرة في تعليم اللغة العربية عن بعد. وقد قيَّم الباحث أيضا عددا كبيرا من المواقع، وأوضح جوانب النجاح وأسباب القصور فيها؛ بهدف إفادة مطوّري البرامج الإلكترونية في تطوير برامج تعليم اللغة. وقد أشار إلى أفضل الطرق التي يجب أن يتبعها المصممون في مجال تعليم العربية عن بعد والتي بإمكانها أن تكوِّن قاعدة متينة تُؤسَّس عليها برامج إلكترونية فعالة. كما أشار أيضا إلى النقاط التي يجب أن يتجنبها المصممون .
تناول الباحث البرامج الإلكترونية التي طُوّرت في معهد اللغات الأوروبية بجامعة Leuven وقدم تقييما لها، ونوَّه إلى المشاريع الجارية حاليا في مجال تعليم اللغة العربية عن بعد في المعهد المذكور وناقش فيها التوقّعات، والآفاق المستقبلية؛ للنهوض بالإمكانات الحالية للاستفادة من التقدم التكنولوجي، والثورة المعلوماتية في مجال تعليم اللغة العربية عن بعد.
المحور السادس: نظرا لكثرة الراغبين في تعلم العربية من الأجانب، ومسايرة للتقدم التكنولوجي في مجال الهواتف المحمولة جاء المحور الأخير من محاور هذا الكتاب ألا وهو : "التعليم النقال" ليلبي احتياجات الراغبين في تعلم اللغة العربية؛ نتيجة للزيادة المطردة في أعداد الطلاب التي تستدعي البحث عن وسائل تقنية لاستيعابها، وتيسر لراغبيها تعلمها بأسلوب يرتقي بها إلى مستوى اللغات الأجنبية الأخرى كالإنجليزية والفرنسية، تلك اللغات التي وظَّفت الإمكانيات الهائلة لتقنيات الاتصالات اللاسلكية في التعليم Wireless Learning فظَهَر مفهومٌ جديدٌ هو التعليم النَّقَّال Mobile Learning. ومنه "الهاتف النَّقَّال"، وهو أحدث أشكال التعليم عن بُعد؛ وفيه ينفصل المحاضر عن الطلاب ليصبح الهاتف النَّقَّالMobile Phone مؤشرًا على فناء مكان التعليم ، حيث تَسْتَقبِلُ الهواتف النَّقَّالة إشارات الإنترنت اللاسلكية أثناء تَنقُّل مستخدم الهاتف، ومن ثَمَّ يمكنه التَّعلُّم في أي وقت و في أي مكان حيث لم تعد وظيفة الهاتف النَّقَّال محصورة في إجراء المكالمات الهاتفية فقط بل أصبحت بمثابة كمبيوتر متنقِّل يحمل ملفات شتَّى؛ منها المرئي، و المسموع ممَّا يجعلها أدوات تقنية يمكن توظيفها في تعليم اللغة العربية عن بُعد.
منهج العمل ومنهجيته: رأى المحرر أن يكون هذا الإصدار "تعليم العربية عن بعد. الواقع والمأمول" مكونا من ستة مباحث، وقد راعى في ذلك نقطتين محوريتين ألا وهما:
النقطة الأولى: أن يكون الباحث متخصصا، وقد سبق له نشر بحوث علمية في مجال تعليم العربية عن بعد، أو في مجال توظيف الوسائل التكنولوجية الحديثة في تعليم العربية بشكل عام.
النقطة الثانية: مراعاة التنوع من عدة أوجه:
- التنوع في الموضوعات بحيث تشمل النظري والعملي والتطبيقي.
- التنوع في الخبرات الأكاديمية.
- التنوع في المؤسسات الجامعية التي ينتمي إليها الباحثون لتشمل عدة خبرات دولية؛ للاستفادة من خبراتهم ورؤاهم الأكاديمية والتكنولوجية في تعليم وتعلم اللغة العربية.
المشاركون في العمل:
اشترك في هذا العمل ستة باحثين، يعملون في التدريس الجامعي في جامعات مختلفة، وهم حسب ترتيب أعمالهم في الكتاب:
- د. عقيل بن حامد الشمري: أستاذ اللغويات التطبيقية المساعد بمعهد اللغويات العربية بجامعة الملك سعود
- د. نصر عبد ربه: أستاذ بمعهد الدفاع للغات-كاليفورنيا بالولايات المتحدة الامريكية.
- د. زكي أبو النصر البغدادي: أستاذ اللغويات التطبيقية المساعد بمعهد اللغويات العربية بجامعة الملك سعود
- د. عبد الحكيم قاسم: أستاذ مشارك بـ"Faculty of Arts and Education،- جامعة ديكن-أسترليا.
- أ.د. مارك فان مول: أستاذ بمعهد اللغات الأجنبية-جامعة Leuven – بلجيكا.
- د. أسامة زكي السيد: أستاذ المناهج وطرق تدريس اللغة العربية المساعد بمعهد اللغة العربية جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
وفي الختام؛ فإن هذا العمل لايعدو إلا أن يكون مجرد إطلالة على الطريق، وبداية لكثير من الأعمال البحثية لخدمة اللغة العربية، والعمل على استحداث طرق عصرية في تعليمها وتعلمها؛ لمسايرة الركب الحضاري، وتوظيف كافة الطاقات المادية والبشرية لتتبوأ العربية مكانتها اللائقة بين لغات العالم أجمع. وأخيرا فما كان من توفيق فمن الله، وماكان فيه من القصور فحسبنا أننا حاولنا، والخير أردنا، وبذلنا فيه كل مافي وسعنا، وما زال المرأ يتعلم؛ فإن ظن أنه علم فقد جهل. "ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم". وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الرياض-المملكة العربية السعودية المحرر
23 المحرم 1436ه ـ د. زكي أبو النصر البغدادي
الموافق/16-11-2014م معهد اللغويات العربية بجامعة الملك سعود