تلف الآثار ومواد وآليات ترميمها والحافظ عليها
الزهراني, - غنيم، محمد أبو الفتوح؛ عبد الناصر بن عبد الرحمن . 2021
المقدمة
الآثار، باعتبارها منتجات مادية، مرَّت عليها سنوات لا تقلُّ عن مائة سنة، بعضها يتجاوز عمره المئات بل الآلاف من السنوات، تتعرض دائماً لمسببات وقوى تلف عديدة، تتسبب في تلفها وتدميرها، منها مسببات التلف الطبيعية، كالرطوبة، والحرارة، والضوء، والرياح، والأمطار، والزلازل وغيرها، ومنها مسببات التلف البشرية كالإهمال المتعمد وغير المتعمد، والحرائق، والحروب، والتدخلات الخاطئة وغيرها، ومنها مسببات التلف الكيميائية، التي تتمثل في الملوثات الجوية المختلفة، وكذلك مسببات التلف البيولوجية من كائنات حيّة دقيقة، وحشرات، وقوارض وحيوات وغيرها. وحميع مسببات التلف هذه تتعرض لها الآثار، بصورة جليّة أو خفيّة، فتنال منها، وتزيد من وهنها وضعفها، وقد تعرضها للتشوه، أو التدمير الجزئي والكلي، وقد تتسبب في فنائها أو ضياعها، مما يتطلب التدخل الواعي والعاجل؛ للحفاظ عليها، وإعادتها إلى الحياة أو إعادة الحياة إليها.
وللحفاظ على الآثار، ينبغي الإلمام بطبيعة المواد المستخدمة في ترميمه وعلاجه وصيانته ووقايته أو الحفاظ عليه إضافة إلى دراسة طبيعة الأثر، وفهم مسببات تلفه. ويساعدنا في كل هذا وغيره علم الكيمياء Chemistry. ولأننا في سبيل الحفاظ على الأثر، يجب أن نتفحص حالته، ونشخصها، ونقف على مسببات تلفه، وعوامل تدهور حالته، فإننا في حاجة إلى مساعدة علم الفيزياء Physics فيما يقدمه لنا من أجهزة تمكننا من فحص الأثر وتحليله والتعرف على طبيعته وتقنيته، وتشخيص حالته والوقوف على أسباب تلفه. وكذلك الأجهزة التي تستخدم في عمليات الترميم والعلاج.
ولأن الآثار، على اختلاف أنواعها، عادة ما تهاجمها الكائنات الحية الدقيقة، والحشرات، والقوارض، وغيرها من الكائنات الحيّة، وتسبب تلفها، أو تتغذى على مادتها، وقد تقضي عليها، فإننا في حاجة إلى العلم الذي يدرس هذه الكائنات، وأطوارها، وطريقة حياتها، والتعرّف على ظروف مهاجمتها للمواد الأثرية، وكيفية مقاومتها أو القضاء عليها، ولا يفيدنا في هذا إلّا علم الأحياء Biology.
وإضافة إلى هذه العلوم، هناك علوم أخرى لا يقلّ اسهامها عن هذه العلوم في مجال ترميم الآثار والحفاظ عليها، مثل: علم الجيولوجيا Geology، وعلم الهندسة المعماريةArchitecture Engineering ، والفنون التطبيقيةApplied Arts ، والفنون الجميلةFine Arts ، حتى علم الطّبMedicine صارت له اسهاماته في هذا المجال. كلٌ يقدِّم خدماته، في حدود الحاجة إليه؛ في سبيل ترميم الآثار والحفاظ عليها؛ باعتبارها تراث المجتمع وتاريخه المادي.
وهذا الكتاب، يقدِّم للقارىء العربي دراسة، نظرية وافية لمسببات تلف المواد الأثرية المختلفة، وآليات وتقنيات فحصها وتحليلها، والحفاظ عليها، مدعوماً بالرسومات التوضيحية، والنماذج التطبيقية من حقل ترميم الآثار والحفاظ عليها داخل المملكة وخارجها، من أعمال المؤلفين وغيرهم، في لغة حرصنا أن تكون سليمةً وواضحةً، وخاليةً من التعقيد، مع تبسيط للأمور العلمية المعقدة؛ حتى تكون متيسرة وفي متناول غير المتخصصين وغير المتعمقين علمياً في هذا المجال، دون أن يخل ذلك من صحتها وتمامها، مع مراعاة لمواكبة أحدث الآليات، والمواد، والتقنيات المستخدمة في هذا المجال.
يتناول الفصل الأول من الكتاب مسببات التلف المختلفة، التي تسبب تلف المواد الأثرية، والتي تشمل: المسببات الطبيعية، والبشرية، والبيولوجية، والكيميائية، وطبيعة هذا التلف وكيفية حدوثه.
ويتناول الفصل الثاني المواد المختلفة التي تستخدم في ترميم الآثار والحفاظ عليها، ترميماً، وعلاجاً، ووقاية وصيانة. والتي تتضمن مواد التنظيف (الماء، والمذيبات العضوية، والمنظفات والصوابين، والمحاليل الحمضية والقلوية)، ومواد اللصق (اللواصق الطبيعية، واللواصق الصناعية)، ومواد التقوية ومواد العزل والوقاية (الشموع واللدائن الطبيعية، وراتنجات الفينيل، والإسترات، وراتنجات السليلوز). مع التركيز على طبيعتها وخواصها، وكيفية تحضيرها، ونسب مكوناتها عند الإستخدام، ومميزات وعيوب كل منها.
ويتناول الفصل الثالث آليات وتقنيات ترميم الآثار والحفاظ عليها، والتي تتضمن: التسجيل والتوثيق الترميمي، سواء في مرحلة ما قبل الترميم، أو مرحلة العمل في الترميم، أو مرحلة ما بعد الترميم والحفاظ، وما تتضمنه هذه المراحل من آليات وضوابط. وأساليب وتقنيات فحص وتحليل المواد الأثرية، وأجهزتهما المختلفة، والغرض من كل تقنية، وضوابط كل منها والنتائج المرجوة منها.
كما يتضمن آليات تنظيف المواد الأثرية، والتي تشمل: التنظيف اليدوي، والتنظيف الميكانيكي، والتنظيف الكيميائي، والتنظيف الكهروكيميائي والكهربي، والتنظيف بالموجات فوق الصوتية، والتنظيف بالأنزيمات، والتنظيف بأشعة الليزر، وآليات استخلاص الأملاح، وآليات التجميع واللصق، وآليات استكمال المواد الأثرية.
والكتاب بتناوله المنهجي الشامل، نتوقع له أن يكون مرجعاً شاملاً لدراسة طبيعة وحالة المواد الأثرية، وآليات ترميمها والحفاظ عليها، وأن يكون ذا أهمية كبيرة للعاملين في حقل الآثار والتراث، وللباحثين والدارسين، والمهتمين بالحفاظ على الآثار وترميمها وصيانتها، والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.
المقدمة
مقدمة: