رسائل ذات أولوية في التخطيط والتنمية العمرانية
تضع الخطط العمرانية تصورات للتنمية العمرانية المستدامة، واستغلال الموارد بما يلبي احتياجات الحاضر دون إخلال بحقوق الأجيال المستقبلية. كما تَرسم هذه الخطط الأطر التشريعية والقانونية من واقع المشاركة المجتمعية التي تترجم حاجة المجتمع وتطلعاته نحو بيئة عمرانية مستدامة. لذلك، فإن تطوير الخطة العمرانية لمدينة ما يستلزم تحليل مكوناتها كافة سواء المادية أو السياقات الاجتماعية، والاقتصادية، والبيئية. ويعتمد المُخطط على قاعدة بيانات شاملة تساعد في تقدير الاحتياجات المستقبلية واقتراح الحلول لقضايا التنمية العمرانية. إن بناء مثل هذا النموذج يستند على مدى قدرة المُخطط في استيعاب قضايا الحاضر والمتغيرات المستقبلية؛ لذلك يوصف النموذج التخطيطي دائماً بالمرونة.
إن التتبع التاريخي للخطط العمرانية، وإستراتيجيات التنمية كفيل لاستنتاج إشكاليات حتمية في صياغة السياسات العمرانية والتي يتضح معها جلياً ولدرجة كبيرة غياب أو تغييب لدور المُخطط العمراني لعقود من الزمان. وتقدم العديد من الإستراتيجيات العمرانية حلولاً بعيدة كل البعد عن استيعاب الموارد والإمكانات المتاحة ولا تَقترن في معظم الأحوال بسياسات تنفيذية. بعبارة أخرى، تأتي صياغة هذه الإستراتيجيات في ظل غياب التنسيق بين مستويات التخطيط المختلفة: التخطيط الوطني، والإقليمي، والمحلي. كما أنها تُصاغ أحياناً بمثالية مبالغ فيها أو بعيدة عن الواقع ولا تلامس قضايا المجتمع الحضري. وعلاوة على ذلك، فالعديد من تلك السياسات العمرانية تم صياغتها كردود أفعال سريعة لمشاكل آنية وليست كنموذج قادر على استقراء التحديات المستقبلية. وهكذا أفرزت هذه السياسات العمرانية حلولاً لم تكن مرتبطة في معظم الأحوال بسياسات تنفيذية ولم تخضع للتقويم وتحليل مكامن القوة والضعف ضمن إطار حوكمة يضمن تحقيق المستهدفات.
والثابت في القول إن المُخطط العمراني ينظر إلى الإشكالية بمدى شمولي وعميق وليس سطحي ليستوعب بذلك آثارها ضمن نطاق زمني بعيد المدى. وللأسف الشديد لا زال هناك قصور في فهم المنظور الشمولي لتخصص "التخطيط العمراني" في مراكز صناعة القرار حيث يَقتصر دور المُخطط العمراني في إطار محصور بالإشراف على إعداد المخططات والتقارير الفنية التي تعد من قبل كفاءات محدودة أو من خلال مكاتب استشارية عالمية قد لا تستوعب واقعنا الاجتماعي والاقتصادي. ومع ذلك، يتخذ البعض- من غير المتخصصين- زمام المبادرة في تطوير السياسات العمرانية ولعب أدوار محورية في المدينة والإقليم باسم المُخطط العمراني. وهكذا بات التخطيط العمراني يتسم بالعشوائية كما هي المُخططات العمرانية التي أصبحت بمثابة لوحات فنية ملونة لا تمت بالواقع أو مربعات وخطوط متعامدة تحاول استيعاب الحركة المرورية وتوزيع القطع السكنية.
إن مجال التخطيط العمراني أعمق بكثير ولا يقتصر على تناول قضايا المدن ومشاكل الأحياء السكنية، وتوزيع استعمالات الأراضي، والخدمات ضمن إطار فيزيقي بحت. في الواقع، إن التخطيط يُترجم احتياجات المجتمع، والأبعاد الاقتصادية، والبيئية، والإدارية، والتنظيمية وهو بذلك يلامس حياة الإنسان. ويلعب المُخطط العمراني دوراً هاماً في مقاربة الرؤى والتوجهات التنموية مع احتياجات المجتمع. كما يعمل على الاستغلال الأمثل للموارد المتاحة؛ بل ويحشد كافة السياسات والأدوات والوسائل بما يضمن تحقيق المصلحة العامة، وأحسبه يُناضل من أجل ذلك.
إن المدينة أصبحت تتجه نحو مزيداً من التعقيد فالتصور المثالي لا يمكن بناءه بسهولة من خلال أفكار مادية أو مبادئ مثالية أو استنساخ تجارب عالمية حتى وإن كانت ناجحة؛ بل من الأهمية بمكان أن يقوم المُخطط بدور "المُصلح" الذي يوفق بين المصالح المتضاربة. ولكن في كثير من الأحوال انقاد المُخططون بشكل أو بآخر للأجندة الاقتصادية أو السياسية ولم يطبقوا المُثل العمرانية التي تنص على استقلاليتهم. وعلى الرغم من أن استقلالية المُخطط العمراني يمكن أن تقود إلى صياغة سياسات عمرانية أكثر عدالة؛ إلا أنها في الوقت ذاته تفتقد للسلطة في تنفيذ هذه السياسات على أرض الواقع. وبعيداً عن هذه الجدلية، فالمدينة ليست مجرد بيئات عمرانية لاستيعاب السكان؛ بل هي مجموعة من المصالح بالغة التعقيد تحتاج إلى آليات تنفيذية، وتشريعات مُلزمه، وتقويم مُستمر، واستقراء اجتماعي.
يقدم هذا الكتاب تصوراً شمولياً حول المفاهيم متعددة الأوجه للتخطيط العمراني والأدوار التي يلعبها المُخطط في سياق المدينة. ويتطلع هذا الكتاب لإبراز الأدوار الفاعلة للخطط العمرانية والتي تعكس قدرتنا على فهم واقعنا لرسم طريقنا للمستقبل، فالعمران لا يستبق التخطيط، وإذا كان كذلك فما الحاجة لنخطط للمستقبل، إذا كُنا لا نعرف أصلاً كيف نصنع المستقبل؟ وكيف نُمكن المُخطط من تبوء مكانته التي يستحقها؟
أصبحت جودة الحياة من المفاهيم الشائعة في مجال التنمية وصناعة السياسات العمرانية في المدن، وخاصة في عصر التنوع والتعددية الثقافية. التحديات التي تواجه المدن اليوم ليست مقتصرة على تطوير الأنساق…
The concept of affordable housing involves many complex variables: housing distribution and rental costs, housing types and quality, household income. Financing policies and households' ability to…
Despite efforts to solve the housing crisis in Saudi Arabia, there are still many challenges related to providing affordable housing due to the high cost of production. Cooperative housing is an…