Skip to main content
User Image

د. وليد بن سعد الزامل

Associate Professor

مدير مركز بحوث كلية العمارة والتخطيط

كلية العمارة والتخطيط
مبنى رقم 32 - الدور الثاني - مكتب رقم 2109
blog

محلات الشيشة والمعسل والصورة البصرية للمدينة!

محلات الشيشة والمعسل

في الأسبوع الماضي وعندما كنت أتجول في أحد الشوارع التجارية في مدينة الرياض هالني منظر انتشار واسع لمحلات بيع المعسل والشيشة وبشكل مبالغ فيه.

الإشكالية ليس فقط في تواجد هذا النوع من الاستعمالات التجارية غير المرغوبة؛ بل في نمطية تكراره لتجد صفا من محلات بيع المعسل بأسماء وأشكال وألوان مختلفة.

مشهد لا يسر الناظر ولا يتماشى مع توجهات المدينة الساعية بخطى حثيثة نحو تحسين المشهد الحضري والحفاظ على الصحة العامة؛ بل إنه لا يتسق مع جهود أنسنة المدن التي تؤكد على أهمية تعزيز البعد الإنساني وتشكيل بيئة عمرانية تصنع الهوية الاجتماعية.

أشرت سابقا إلى أن المحلات التجارية عموما يفترض أن تخضع لضوابط عامة عند توزيعها على مستوى المدينة بحيث تقدم بناء على حجم الطلب المتوقع وفي نطاق مسافة يسمح بالوصولية لها.

إن السوق الحر لا يعني السماح بترخيص كم هائل من المحلات التجارية أيا كان نوعها وكثافتها دون إدارة للطلب تحدد الحاجة الفعلية والتموضع المكاني؛ فتنظيم كثافة ونوع الاستعمال التجاري أمر في غاية الأهمية لضبط حجم الحركة المرورية، وتلبية الاحتياج السكاني، والحفاظ على الصحة العامة.

هناك نشاطات تجارية هامة تحتاجها الأسر بشكل يومي مثل محلات المواد الغذائية، والصيدليات، والمطاعم، في حين تظل بعض النشاطات التجارية ذات أهمية ثانوية. كما تحتاج بعض النشاطات التجارية أن تكون بعيدة عن المحيط السكني مثل الأنشطة التي تسبب تلوثا أو إزعاجا.

وفي المقابل، هناك بعض الأنشطة التجارية التي تخضع لقيود وفقا لمتطلبات الصحة العامة، وانتشار محلات بيع الشيش والمعسل بشكل واسع النطاق على طول الشوارع التجارية يعني مساواتها بالأنشطة التجارية الهامة وهي ليست كذلك. إن عدم وضع مزيد من القيود على هذه الأنشطة التجارية يعني السماح بالانتشار الواسع والعشوائي لها وهو ما يؤثر سلبا على الصحة ويشوه المشهد البصري العام للمدينة.

إن الصحة العامة في المدن لا تعني غياب المرض أو تطوير برامج لمكافحة الأمراض؛ بل التخطيط لتعزيز قابلية العيش وخلق مدن صحية ومستدامة.

وهكذا فإن دور المخطط العمراني هو الارتقاء بأنماط معيشة مجتمع المدينة ليكون قادرا على العيش بصحة وسعادة. ويقتضي ذلك، تعزيز الأنشطة العمرانية التي تحسن الأنماط الحياتية ووضع قيود على الأنشطة الضارة بالبيئة أو الصحة العامة.

ويأتي التخطيط العمراني للمدن كأحد أهم المجالات التي أكدت عليها منظمة الصحة العالمية في تحسين الأنماط الحياتية وترشيد الإنفاق في علاج الأمراض من خلال تهيئة البيئة العمرانية للعيش بكفاءة.

إن توزيع الاستعمالات التجارية في المدن يجب أن يخضع لعدة اعتبارات منها أهمية النشاط التجاري، ونوعه، ودرجة الاحتياج، ومدى توفره في الحي السكني. كما تأخذ هذه الاعتبارات في عين الاعتبار أنظمة الصحة والبيئة والسلامة العامة عند إعطاء التصاريح وفرض القيود المكانية لتموضع النشاط التجاري غير المرغوب بالقرب من المجاورات السكنية. تتوزع النشاطات التجارية التي تحتاجها الأسر بشكل يومي قريبة من المجاورات السكنية ويفضل ألا تزيد عن مسافة 250 م. أما النشاطات التجارية الأخرى يمكن توزيعها ضمن مراكز طرفية مزودة بخدمات النقل والمواقف وساحات المشي بديلا لتوزيعها بشكل شريطي ومتناثر على الشوارع التجارية. في حين تفرض الضوابط والقيود على الأنشطة والاستعمالات الضارة بالبيئة أو الصحة العامة لتكون في أماكن خاصة أو بعيدا عن الأحياء السكنية ولا تترك عملية توزيعها وفقا لرغبات ملاك الأراضي أو المستثمرين.

والأهم من ذلك كله ألا تنتشر محلات بيع الشيشة والمعسل لتختزل المشهد العام والصورة البصرية للمدينة!

https://makkahnewspaper.com/article/1590659