العمران بين ثقافة الإبداع والنمطية
أشرت في أكثر من مقال أننا نعاني من ثقافة النمطية التي أثرت على المنتج العمراني سواء على مستوى التخطيط أو العمارة.
الأفكار الإبداعية تتوارى خجلا نتيجة تكريس ثقافة النمطية التي ظلت لعقود طويلة بلا حراك فعلي، فالوحدات السكنية غالبا ما تقدم لنا نموذجا واحدا قائما على أساس الكتلة السكنية الخرسانية التي تحيط بها الأسوار من جميع الجهات.
أما أحياؤنا السكنية فتخذ من النمط الشبكي مرجعا ثابتا لها حيث تتعامد الشوارع طوليا وأفقيا وتصطف الوحدات السكنية بشكل منتظم ضمن بلوكات هندسية الشكل في حين تتوزع الاستعمالات التجارية على طول الشوارع الرئيسة وهو ما يزيد من حجم الاختناقات المرورية.
ومن المؤسف حقا أن تتسرب هذه النمطية حتى لدى (بعض) المتخصصين الذين يقدمون نماذج عمرانية لا تأتي بأي جديد أو فكر إبداعي، فالجوهر واحد حتى وإن اختلف المظهر! في الواقع، تولد هذا الفكر التراكمي النمطي نتيجة جمود التشريعات العمرانية على مستوى المدن وعدم تحديث إجراءات التطوير العقاري من النهج التقليدي إلى النهج الاحترافي.
اليوم وفي ظل الرؤية الوطنية 2030 أصبحنا أمام تحد كبير بتحويل مدننا إلى بيئات حيوية، ومستدامة، ومهيئة لخدمة الإنسان أكثر من أي وقت مضى؛ وذلك عبر إعادة تطوير البيئة الحالية وتحديث تشريعات عمرانية تستجيب للتحولات التي تشهدها مدن المستقبل.
إن مدينة الرياض تشهد حراكا عمرانيا غير مسبوق نحو تطوير مشاريع عمرانية نوعية تستحضر الأصالة وثقافة الماضي لبناء الحاضر بأدوات المستقبل.
إن هذا التحول يقتضي إعادة مسار التخطيط العمراني كمنهج لتطوير أساليب المعيشة للمجتمعات نحو فكر مستدام يحقق التوازن بين الأبعاد البيئية والاقتصادية والاجتماعية.
ويقتضي ذلك، العمل على رفع جودة الخدمات في الأحياء السكنية، وتعزيز الاعتبارات البيئية، وإعادة هيكلة الحركة والنقل وتوفير بدائل تتماشى مع التنوع الاجتماعي والثقافي والاقتصادي في المدن.
اطلعت في الأسبوع الماضي على فكرة «تصميم جسور معلقة على الطرق الدائرية بمدينة الرياض» مقدمة من الدكتور خالد الجماز عضو هيئة التدريس في قسم العمارة وعلوم البناء بجامعة الملك سعود، تهدف الفكرة إلى تخفيف الازدحام المروري على الطرق السريعة والفرعية وزيادة استيعاب الطرق الحالية من خلال إنشاء جسور على الجزيرة الوسطية دون المساس بالملكيات الخاصة، تقدم الفكرة بديلا للحركة المرورية باستخدام «المسار السريع» من خلال رسوم تدفع لتغطية تكلفة المشروع الذي يمكن أن يتم تنفيذه من قبل مستثمر في القطاع الخاص.
في الواقع، تأتي هذه الفكرة منسجمة من توجه المدينة في زيادة الطاقة الاستيعابية للحركة المرورية على الطرق القائمة وتقدم خيارات نقل مدفوعة الأجر.
وعلى الرغم أن الفكرة تدعم توجه استخدام المركبات الخاصة؛ إلا أنها لا تتعارض في النهاية مع النقل العام أو دعم المشاة لكونها تقدم بديلا مدفوع الأجر يتماشى مع التنوع الاقتصادي والاجتماعي في المدينة.
ختاما، الفكرة وإن اختلف معها البعض؛ إلا أنها تأتي في سياق توليد الأفكار الإبداعية والجريئة وتظل خاضعة للبحث والتقييم ولا سيما في سياق التكلفة مقابل العوائد.