Skip to main content
User Image

د. وليد بن سعد الزامل

Associate Professor

مدير مركز بحوث كلية العمارة والتخطيط

كلية العمارة والتخطيط
مبنى رقم 32 - الدور الثاني - مكتب رقم 2109
blog

السيارة والمشاة بين السياق الانفعالي والعقلاني!!

كنت في زيارة الأسبوع الماضي لأحد المستشفيات الخاصة، حاولت البحث عن مكان للوقوف لأقود سيارتي نحو قبو ضيق كئيب بالكاد يكفي لمرور سيارة واحدة.

القبو مليء بدخان عوادم السيارات التي تخنق الأنفاس وتحشر المركبات فيه بشكل طولي كأسماك السردين المجففة.

عليك أن تكون فائق المهارة لتحسب مساحة المركبة بدقة متناهية وتركنها بشكل صحيح داخل الموقف الصغير.

أما إذا كانت سيارتك من النوع الكبير فربما تعلق داخل ظلمات هذا القبو ويصعب خروجك منه.

في محيط المستشفى، أرى جزءا من السيارات متوقفة، في حين يطوف الجزء الآخر بحثا عن موقف داخل المجاورات السكنية القريبة.

تساءلت حينها ألم يكن من الأجدى حساب مساحات كافية للمواقف أو حتى بناء مبنى متعدد الطوابق لتوفير الخدمة، مقابل استثمار مساحة المستشفى في مدينة نعلم جميعا أن جل سكانها يستخدمون السيارة؟

عندما نتحدث عن توفير المواقف الكافية للخدمات ذات الطبيعة الاستثمارية ينبري العديد من المخططين لفكرة تنويع بدائل النقل كخيار استراتيجي لمواجهة هذه الإشكالية.

ويأتي الحديث غالبا في سياق التأكيد على أهمية عدم الاعتماد على السيارة كوسيلة نقل أحادية؛ بل توفير بدائل نقل تشمل الحافلات، والدراجات، والمشاة.

ومع ذلك، يتناول البعض إشكالية المواقف في سياق انفعالي بعيدا عن استيعاب الواقع بكافة جوانبه والمراحل التي مرت بها المدينة، فالمدافعون عن المشاة يحاربون السيارة بالمطلق؛ لأنها السبب في معاناة السكان يوميا وهكذا لا بد من العمل على إلغائها تماما وصولا لتطوير أحياء سكنية مؤنسنة أو هكذا كما يقولون، في حين يدافع الفريق الآخر عن السيارة باعتبارها ضرورة لا سيما في مدن تتمدد أفقيا وذات كثافات منخفضة؛ ويأتي دفاع كل فريق وفقا لاعتبارات بيئية، واقتصادية، واجتماعية.

إن الحلول الناجعة لخدمات النقل يجب ألا تكون بمعزل عن إدراك عميق للبنية الحضرية ومكوناتها.

الأخذ بمبدأ المشاة وحده يعد تصورا راديكاليا لا يقل شأنا عن التحيز لاستخدام السيارة كوسيلة نقل فالمشاة، والسيارات، والحافلات، والدراجات كلها بدائل نقل تتكامل مع بعضها في إطار المدينة، وعلى هذا الأساس، من الأهمية بمكان تطوير المدن وفقا لسياسات تستجيب لطبيعة المدينة وخصائصها ضمن إطار شمولي لتترك حرية الاختيار بين مجموعة واسعة من بدائل النقل للمجتمع، ومن ثم تعزيز الجاذبية بين هذه البدائل وفقا لاستراتيجية المدينة.

تضع السياسات العمرانية توجها عاما للمدينة بكافة جوانبها العمرانية، والاقتصادية، والاجتماعية وتستخدم جملة من التشريعات الملزمة في تخطيط الأحياء السكنية بداية من تحليل الموقع والاتصالية بالمحيط العمراني بما في ذلك المناطق الحيوية القريبة من الحي السكني، ودراسة التأثير المحيطي للمشاريع الكبرى، وتقدير الاحتياجات المستقبلية من المواقف وخدمات النقل.

ويقترن ذلك بتحديث إجراءات تطوير الأحياء السكنية للتحقق من تخطيط شبكة متكاملة للمشاة تربط الخدمات العامة بالوحدات السكنية وتعمل على توزيع تدفقات الحركة من المجاورات السكنية ذات الكثافة العالية عبر ساحات فرعية تتوفر بها محطات نقل وخدمات لسكان الحي السكني.

وعلاوة على ذلك، تطوير مخططات توزيع الاستعمالات ذات الطبيعية الاستثمارية كالأسواق الكبرى والمستشفيات في مناطق محددة تتوفر بها مواقف كافية، ومحطات حافلات، وساحات بعيدا عن أسلوب التوزيع الشريطي للاستعمالات التجارية.

وختاما، لعلي أتساءل إذا كنا غير قادرين على توفير مواقف كافية للمركبات في المستشفيات الخاصة؛ فكيف لنا أن نكون قادرين على توفير خدمات متكاملة للمشاة؟

https://makkahnewspaper.com/article/1588731