Skip to main content
User Image

د. وليد بن سعد الزامل

Associate Professor

مدير مركز بحوث كلية العمارة والتخطيط

كلية العمارة والتخطيط
مبنى رقم 32 - الدور الثاني - مكتب رقم 2109
blog

التطوير العقاري بين النهج التقليدي والاحترافي!

مع تمدد مدينة الرياض في فترة السبعينيات الميلادية وزيادة الطلب على الأراضي والإسكان والخدمات كان هناك حاجة ماسة إلى توفير مخططات سكنية لاستيعاب النمو السكاني السريع. ونظرا لحداثة الأجهزة البلدية في تلك الفترة والرغبة باستيعاب السكان في وحدات سكنية حديثة طورت العديد من المخططات السكنية كتقسيمات أراض وبنيت الوحدات السكنية عليها بواسطة الأفراد ثم زودت لاحقا بإمدادات المياه والكهرباء والخدمات العامة.

كانت إدارة المدينة في تلك الفترة أمام بديلين إما توفير مخططات سكنية سريعة قادرة على الاستجابة للتحولات التي فرضتها الطفرة الاقتصادية عام 1970؛ أو عدم السماح بالبناء خارج النطاق العمراني وبالتالي إمكانية ظهور امتدادات عشوائية تحيط بالمدينة من جميع الاتجاهات. لقد شكل اختيار البديل الأول تحولا للمدينة التي شهدت نموا عمرانيا غير مسبوق لمواجهة الطلب السريع على الإسكان والخدمات والوظائف.

ومع ذلك، أسهم هذا الإجراء في تكريس مفهوم مغلوط للتطوير العقاري قائم على أساس استثمار الأرض وإعادة تقسيمها ثم بيعها دون تقديم منتج عقاري ملموس على أرض الواقع؛ بل أرض جرداء خالية من أي تطوير حقيقي. أنتجت مخططات سكنية أشبه برسومات الكروكي بعيدا عن أي فكر تخطيطي من قبل شركات تطوير بدائية أو أفراد أصبحوا لاحقا تجارا يعطون دروسا في فن الاستثمار وانتهاز الفرص. طورت البنية التحتية والشوارع بعد ذلك ثم بيعت الأراضي مع تخصيص بعض المساحات للجهات البلدية والخدمية لإنشاء الحدائق والمدارس والخدمات الصحية.

أفرز هذا المفهوم المغلوط للتطوير العقاري أحياء سكنية ذات نمط تخطيط مكرر وأراضي بيضاء غير مستغلة شجعت على المضاربات العقارية وزيادة الأسعار، كما أسهمت إجراءات التطوير العقاري التقليدي في إنتاج مخططات سكنية لا تستجيب للاحتياج الكمي والنوعي لسكان الحي؛ فالمدارس والمستوصفات الأهلية تبنى على الشوارع التجارية دون تخصيص مساحات مدروسة لها وفقا للاحتياج، كما خصصت الشوارع التي تزيد عروضها عن 40 مترا لاستيعاب النشاط التجاري أيا كان بغض النظر عن حاجة السكان ودون عمل أي دراسات لحجم الطلب؛ وليس من الغرابة أن تشاهد صفا هائلا من محلات الحلاقة المتجاورة أو محلات الخياطة أو السباكة دون وجود حاجة فعلية لها مما يزيد من حجم الاختناقات المرورية.

وهكذا أصبحت الأحياء السكنية النموذجية في مدينة الرياض تعد على أصابع اليد لكونها طورت بشكل شمولي من قبل شركات مؤهلة بداية من البنية التحتية والخدمات العامة والوحدات السكنية.

نظريا، اختلف المنظور الاستراتيجي اليوم؛ فتوفير المخططات السكنية لم يعد غاية في مدينة كبرى كالرياض التي باتت تسابق الركب كمدينة عالمية؛ بل أصبح الهدف الأسمى هو الارتقاء بنوعية الحياة من خلال تطوير أحياء سكنية نموذجية تتوافق مع برامج الرؤية الوطنية 2030. وهكذا من الأهمية بمكان إعادة النظر وتحديث إجراءات التطوير العقاري لتتكيف من متطلبات المرحلة القادمة من خلال مجموعة من المبادئ لعلي ألخصها على النحو التالي:

أولا: تطوير اشتراطات نوعية لشركات التطوير العقاري للحد من البناء الفردي والنهج التقليدي بحيث تتضمن الملاءة المالية وتوفر كوادر بشرية متخصصة في مجال التخطيط العمراني؛ وذلك لضمان إنتاج مخططات سكنية مستدامة ذات جودة عالية تراعي التباين الاجتماعي، والاقتصادي، والبيئي.

ثانيا: زيادة نسبة الخدمات النوعية في الحي السكني كالمدارس الحكومية والمستوصفات والحدائق العامة ومسارات المشاة والساحات العامة والعمل على تطويرها بشكل كامل وفقا لنماذج تصميمية ثم بيعها دون احتساب قيمة الأرض للجهات ذات العلاقة لتشغيلها وإدارتها.

ثالثا: تطوير الخدمات ذات الطبيعية الاستثمارية كالمدارس والمستوصفات الأهلية وفقا لتصاميم مدروسة داخل الحي السكني وبعيدا عن الشوارع التجارية ثم بيعها أو تأجيرها كمنتج عقاري مطور للقطاع الخاص أو المستثمرين.

رابعا: تخصيص نسبة لا تقل عن 5% من مساحة المخطط كمنتجات سكنية مطورة تقدم مجانا كإسكان تنموي لدعم برامج الإسكان.

خامسا وأخيرا: تطوير ما لا يقل عن 20% من مساحة المخطط كمنتجات سكنية مبنية وقابلة للبيع والتداول وذلك بهدف زيادة الرصيد السكني في المدينة وتقليل نسبة الأراضي الفضاء ومنع المضاربات العقارية والتجارة بالأراضي.

https://makkahnewspaper.com/article/1588323