Skip to main content
User Image

د. وليد بن سعد الزامل

Associate Professor

مدير مركز بحوث كلية العمارة والتخطيط

كلية العمارة والتخطيط
مبنى رقم 32 - الدور الثاني - مكتب رقم 2109
blog

المجتمع الحضري ونظرية داروين للتطور!

تسلط نظريات التخطيط الضوء على العديد من القضايا في المدن والعلاقة المتبادلة بين المجتمعات الحضرية والبيئة والاقتصاد والنظم السياسية من حيث توزيع الموارد والسكان والعدالة الاجتماعية.

في الواقع هذه القضايا مرتبطة ببعضها البعض، فلا يمكننا معالجة قضية الإسكان دون معرفة التطور التاريخي للمدينة، والبعد الاقتصادي، والنظم التشريعية وطبيعة المجتمع.

والأهم من ذلك، فالتخطيط العمراني يؤكد على النظرة الشمولية للمدينة باعتبارها منظومة متكاملة فأزمة الإسكان لا يتم معالجتها بمعزل عن مشكلة الفقر والجريمة والبطالة وتوزيع الوظائف.

لقد تناول العديد من المنظرين مفهوم المدينة بوصفها المكان الذي يحمل متناقضات كثيرة من حيث التنوع الاجتماعي وما يصاحبه من صراع طبقي بين الأغنياء والفقراء وتراكم الثروة.

ووفقا للنظرية الماركسية، فإن «الصراع الاجتماعي» هو الصراع الناشئ عن الاختلافات في كميات توزيع الموارد بين أفراد المجتمع. نتيجة لذلك، يستخدم الأغنياء القوة للسيطرة على الفقراء أو الجماعات ذات القوة الأقل.

ترجع الصراعات الاجتماعية في المدن إلى البنية الاجتماعية المختلفة في المناطق الحضرية مقارنة بالمناطق الريفية التي تعتمد على الاقتصاد البسيط والتجانس الاجتماعي.

يعتقد ماركس أن الصراع الاجتماعي جزء لا يتجزأ من النظام الحضري الذي يعزز مبدأ المنافسة وتراكم الثروة، ومن ناحية أخرى، يرى روبرت بارك في مقالة هامة بعنوان «Human ecology» نشرت في المجلة الأمريكية لعلم الاجتماع عام 1936م أن البيئة البشرية هي «محاولة لتطبيق نوع من التحليل الذي تم تطبيقه مسبقا في العلاقات المتبادلة بين النباتات والحيوانات لتبنى على أساسه العلاقات المتبادلة بين البشر».

بعبارة أوضح، فإن وجود المنافسة بين أفراد المجتمع أو ما يسمى بالصراع الاجتماعي مهم في المناطق الحضرية؛ بل هو أحد العوامل الهامة لاستمرارية المدن.

ويؤكد بارك أن التعايش الاجتماعي بين السكان في المناطق الحضرية يشبه نظرية التطور لداروين، حيث تعتمد الكائنات الحية على بعضها البعض لضمان التكاثر واستمرارية الحياة؛ فالنحل يعتمد على الأزهار في إنتاج العسل، وفي المقابل، تعتمد الأزهار على النحل في التلقيح وهذا ما يسمى بالتكافل الاجتماعي.

وهكذا، يعيش السكان في ظل النظم الحضرية والقوانين التي تتيح لهم إمكانية التعايش لتبادل الخبرات والمشاركة والاستفادة من البنية التحتية الموجودة في المدن لتحقيق التنمية والرفاه الاجتماعي.

إن تنوع المجتمع بما يحمله من أيديولوجيات وخلفيات ثقافية مختلفة هو أكبر ثروة في المدن، التنوع بحد ذاته يحفز المجتمع على الحراك واكتساب خبرات جديدة ويساعد على خلق المزيد من الفرص للتنمية الاجتماعية، وفي ضوء النظام الاجتماعي المعقد في المدن يبدو الصراع الطبقي بين السكان واضح، حيث تطغى الهوية الفردية أحيانا مقابل المصلحة العامة، لذلك، لا بد من ضبط ذلك من خلال دور فاعل للتخطيط العمراني يؤكد على مسألة «المصلحة العامة» والتخطيط للاستفادة من الجهد الجمعي والخبرات وصولا لتحقيق التنمية المستدامة.

باختصار، إن التنوع الاجتماعي في المدن يمكن أن يؤدي إلى صراعات اجتماعية وهي بمثابة الإرهاصات التي تقود إلى تنمية المجتمع في نهاية المطاف، ولكن في حال غياب الدور الفاعل للتخطيط العمراني فلا يمكن التغاضي عن الجوانب السلبية الناتجة عن هذا الصراع والمتمثلة في احتكار الثروة أو هيمنة أصحاب الدخل المرتفع على بقية المجتمع، والتهميش الاجتماعي للفقراء، والعنصرية، وانعدام الرعاية الاجتماعية.

https://makkahnewspaper.com/article/1587427