Skip to main content
User Image

د. وليد بن سعد الزامل

Associate Professor

مدير مركز بحوث كلية العمارة والتخطيط

كلية العمارة والتخطيط
مبنى رقم 32 - الدور الثاني - مكتب رقم 2109
blog

البعد المكاني في التخطيط العمراني

البعد المكاني في التخطيط العمراني

يختلف حقل التخطيط العمراني عن بقية العلوم والمعارف لكونه يتناول العديد من الأبعاد والمتغيرات سواء الاقتصادية والاجتماعية والتشريعية، كما أنه يتأثر بطبيعة الموقع والظروف المكانية والبيئية وعلاقتها بالمحيط العام. يحاول المُخطط العمراني صياغة نموذج تخطيط يحقق أعلى درجات الرضا والسعادة بناء على فهم وتحليل تلك الأبعاد وآثارها على المدى القريب والبعيد ودراسة مدى مواءمتها مع احتياجات المجتمع. لذلك، يصعب تعميم النماذج الناجحة بالمطلق نظرا لاختلاف الظروف المكانية.

بمعنى آخر، فإن المدخلات التي يحتاجها المُخطط العمراني في موقع ما سوف تساعد على تطوير خطة عمرانية أو منتج فيزيقي في ذات الإطار المكاني؛ ولكنها ليست بالضرورة أن تكون ناجحة أو يمكن تطبيقها لتحقق نفس القدر من الكفاءة في موقع آخر حتى وإن تشابهت الظروف.

تعتمد العلوم الهندسية بشكل رئيس على تطبيق المبادئ والقوانين العلمية وفق نسب ومعادلات رياضية ومدخلات محددة لتقود في نهاية المطاف إلى مخرجات أو نتائج ثابتة لا يمكن الحياد عنها في حال استخدام نفس المواصفات الهندسية؛ فعندما نقول إن حاصل جمع 1+1=2، فالنتيجة ثابتة ولا يمكن أن تتغير حتى وإن اختلفت الظروف المكانية. وهكذا فإن المخرجات المتوقعة يمكن أن تكون في صورة منتجات تحكمها معادلات وقوانين رياضية.

وعليه فإن التجميع المنظم للأسلاك الكهربائية ومولد الطاقة والمصباح يقود إلى بناء دائرة كهربائية، وقياس مكونات الخرسانة بشكل صحيح ونسب مدروسة يقود إلى بناء خرساني قادر على الصمود، كما أن خلط المواد الكيميائية بنسب موزونة وتحت ظروف ودرجات حرارة محددة يقود إلى إنتاج مستحضرات أو مواد نافعة للبشرية، وهكذا فإن تجميع هذه المكونات والمدخلات بنسب متوازنة ودقيقة يحقق النتائج المرجوة وبشكل يمكن تعميمه.

بينما مدخلات التخطيط العمراني حتى وإن تماثلت فهي لن تحقق نفس النتائج؛ فنموذج التخطيط الناجح في أوروبا أو الولايات المتحدة الأمريكية يخضع لجملة من المدخلات الاجتماعية والاقتصادية والتشريعية التي ترتبط وفقا للإطار المكاني. وتبعا لذلك، يتأثر هذا النموذج العمراني بالاعتبارات التي ليس بالضرورة أن تكون متوافقة أو ناجحة في مكان آخر نظرا لتباين الظروف المكانية والأنساق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. بعبارة أوضح، فإن أنماط تخطيط الأحياء السكنية التي قد نراها ناجحة في دول أوروبا لن تكون ناجحة في حال تطبيقها في المملكة العربية السعودية، إن النماذج العمرانية أو الحلول المحلية لأنظمة النقل، وإدارة النفايات، وأنماط الإسكان والتي يمكن أن تكون ناجحة في مدينة ما؛ لن تحقق نفس القدر من النجاح في حال تطبيقها في مدينة أخرى.

على سبيل المثال، إن إنشاء الجسور والكباري الضخمة لن تكون ناجحة في المدن الصغيرة والتي لا تعاني من كثافات مرورية عالية؛ ومن الأجدى استخدام الدوارات عوضا عن ذلك، كما أن استخدام أنظمة إدارة نفايات معقدة ومكلفة لن تكون ذات جدوى في مدن لا يزيد عدد سكانها عن 100,000 نسمة؛ وسوف يكون استخدامها هدرا للموارد. واستطرادا، فإن أنماط البناء في المدن ذات الطبيعة الجبلية كمدينة أبها مثلا يجب أن يتماشى مع طبيعة المنطقة وظروفها التضاريسية على عكس المدن ذات الطبيعة المستوية، كما أن توجيه التنمية العمرانية في المدن ذات الطبيعية الساحلية كمدينة جدة يختلف عن المدن ذات الطبيعية الصحراوية.

الخلاصة، لا يمكن بناء نموذج تخطيط صالح لكل زمان ومكان فلكل موقع خصائصه الفريدة، وعلى المُخطط العمراني تحليل خصائص المدينة والاستغلال الأمثل لمواردها لتحقيق التنمية المستدامة.

https://makkahnewspaper.com/article/1550509