Skip to main content
User Image

أ.د. عمر بن عبد العزيز الدهيشي

Professor

قسم الدراسات القرآنية

التعليم
قسم الدراسات القرآنية 35/أأ
publication
1431

الاستعانة

الاستغفار  16/5/1431هـ

عباد الله..السائر إلى الله تعالى والدار الآخرة تتجاذبه نفس أمارة بالسوء تحسن القبيح،ونفس مطمئنة تحثه على الخير،فمرة يميل إلى هذه ويستجيب لها،وأخرى إلى تلك ويتبع نفسه هواها..فالمسلم بين هذين الداعيين المتنافسين،الذَين لم يسلم منهما أحد من البشـر،لا نبي مصطفى،ولا عالم موفق،ولا داع مسدد،ولا مسلم مستجيب،فهم بين معصية تقترف،وحسنة تكتسب،عن عائشة  أن النبي ﷺ خَرَجَ من عِنْدِهَا لَيْلًا قالت:فَغِرْتُ عليه فَجَاءَ فَرَأَى ما أَصْنَعُ فقال:مالك يا عَائِشَةُ أَغِرْتِ؟فقلت وما لي لَا يَغَارُ مِثْلِي على مِثْلِكَ،فقال رسول اللَّهِ ﷺ أَقَدْ جَاءَكِ شَيْطَانُكِ،قالت يا رَسُولَ اللَّهِ أو مَعِيَ شَيْطَانٌ،قال:نعم قلت:وَمَعَ كل إِنْسَانٍ قال نعم قلت وَمَعَكَ يا رَسُولَ اللَّهِ قال نعم وَلَكِنْ رَبِّي أَعَانَنِي عليه حتى أَسْلَمَ.رواه مسلم،وكلا الداعيين مستوجب للاستغفار،ومستلزم العودة إلى الله تعالى بطلب مغفرته،والصفح عن تقصيره،واستجداء توفيقه.

عباد الله..الاستغفار يصاحب المسلم في كل أحواله،وجميع تصرفاته،فالاستغفار يكون عن التقصير في جنب الله،والوقوع في معاصي الله تعالى،كما قال سبحانه(والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله)،وقال تعالى في معرض صفات أولي الألباب (ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار) كما يكون عند استحضار عظمة الله،وما ينبغي لحقه،ويتوجب لشكر نعمه،من فعل ما أمر به وأوجبه،أو حث عليه ورغب فيه،قال تعالى(وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأقرضوا الله قرضاً حسنا،وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا،واستغفروا الله إن الله غفور رحيم) وقد كان ﷺ إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثاً روا ه مسلم.قال شيخ الإسلام:ولهذا كان من المشـروع أن يختم جميع الأعمال بالاستغفار.ا.هـ،فالاستغفار إن كان من مقتضياته الذنوب والمعاصي،فإن موجبه النظر إلى قصور طاعة العبد وقرباته مهما بلغت وعظمت،عن مكافئة نعمة من نعم الله تعالى،قال ابن القيم:انسُب أعمالك وأحوالك إلى عظيم جلال الله،وما يستحقه،وما هو له أهل،فإن رأيتها وافية بذلك مكافأة له،فلا حاجة حينئذ إلى التوبة،وإن رأيت أن أضعاف أضعاف ما قمت به من صدق،وإخلاص وإنابة وتوكل وعبادة،لا يفي بأيـسر حق له عليك،ولا يكافئ نعمة من نعمه عليك..رأيت ضرورة التوبة،وأنها نهاية كل عارف،وغاية كل سالك)ا.هـ فالاستغفار كما يحتاجه المسلم في أول طريقه،فلا يمكن أن يستغني عنه في نهاية مسيره،وهو إن قيد بزمان فهو مطلوب في كل زمان صالح،وإن حدد بمكان فهو مشروع في كل مكان صالح،عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال:سمعت رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يقول:«والله إني لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إليه في الْيَوْمِ أَكْثَرَ من سَبْعِينَ مَرَّةً»رواه البخاري.

عباد الله..وحقيقة الاستغفار مواطئة القلب للسان في صدق طلب المغفرة من الله تعالى بمحو الذنوب،وستر العيوب،والتجاوز عن القصير،فـ(أستغفر الله) ليست لفظة جوفاء،بل ذات معاني ودلالات،قال رجل بحضرة علي بن أبي طالب رضي الله عنه:أستغفر الله،فقال له:ثكلتك أمك! ألا تدري ما الاستغفار؟ إن الاستغفار اسم واقع على خمسة معان: أولها الندم على ما مضى، والثاني العزم على ترك العودة إليه أبدا، والثالث أن تؤدّي إلى المخلوقين حقوقهم حتى تلقى الله وليس عليك تبعة، والرابع أن تعمِد إلى اللحم الذي نبت من السحت فتذيبه بالأحزان حتى تُلصِق الجلد بالعظم وينشأ بينهما لحم جديد، والخامس أن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية، فعند ذلك تقول: أستغفر الله. وأما من يقول: أستغفر الله بلسانه وهو مقيم على المعاصي بفعاله،فهو كذاب لا ينفعه استغفاره. قال الفضيل بن عياض   رحمه الله -:استغفار بلا إقلاع توبة الكذابين،وقال آخر: استغفارنا ذنب يحتاج إلى استغفار! يعني: أن من استغفر ولم يترك المعصية،فاستغفاره ذنب يحتاج إلى استغفار.فلننظر في حقيقة استغفارنا،لئلا نكون من الكذابين الذين يستغفرون بألسنتهم،وهم مقيمون على معاصيهم.قالت رابعة الشامية:أستغفر الله من قلة صدقي في قولي:استغفر الله.

عباد الله..الاستغفار نهج النبيين،ودأب الصالحين،وديدن المصلين المستغفرين،قال سبحانه عن الأبوين(ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين)وذكر عن نبيه داود عليه السلام أنه قال: (فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب)وأمر خاتمهم محمداً ﷺ بقوله: (واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات)،قال ابن كثير:هذا تهييج للأمة على الاستغفار.وأمرنا بالاستغفار فقال تعالى: (فاستقيموا إليه واستغفروه)،وفي الحديث القدسي يقول سبحانه: (يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفِر لكم).رواه مسلم .

عباد الله..للاستغفار ألفاظ كثيرة،وردت عن النبي ﷺ ينبغي للمسلم أن يلهج بذكرها،ويرطب بها فاه،ويعمر بها زمانه ومكانه،منها: قوله ﷺ : ( رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم ) رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني، وقوله: ( أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحيَ القيومَ وأتوب إليه ) رواه أبو داود وصححه الألباني،وقول(أستغفر الله)وغيرها،إلا أن سيدها (اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي، فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. من قالها من النهار موقنا بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة. ومن قالها من الليل وهو موقن به فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة )) رواه البخاري. ولا ينال المستغفر هذا الفضل ويحصل الأجر إلا إذا استشعر حقيقة الاستغفار،واستغفر بلسانه وقلبه،ففي آخر الحديث:من قالها من النهار موقنا بها..الحديث.

عباد الله..ولييشر المستغفر بغفران الذنوب،وستر العيوب،من الله تعالى،قال سبحانه(ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيماً)فالغفور الرحيم يستقبل المستغفرين في كل حين،ويغفر لهم ويرحمهم متى جاءوه تائبين منيبين،والمستغفرون ترفع درجاتهم في الجنة،ويعلى مكانهم فيها فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال:إن الرجل لترفع درجته في الجنة،فيقول:أنى لي هذا؟فيقال:باستغفار ولدك لك)رواه الإمام أحمد وهو صحيح.وبالاستغفار يحافظ العبد على سلامة قلبه وصفائه من آثار الذنوب،ففي الحديث أن رسول الله ﷺ قال:إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء،فإن هو نزع واستغفر وتاب،صقل قلبه.رواه أحمد والترمذي وهو صحيح.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:ﯝ   ﯞ  ﯟ   ﯠ  ﯡﯢ  ﯣ  ﯤ  ﯥ  ﯦ     ﯧ   ﯨ  ﯩ  ﯪ  ﯫ     ﯬ  ﯭ  ﯮ  ﯯ   ﯰ  ﯱ  ﯲﯳ  ﯴ  ﯵ  ﯶ  ﯷ   ﭑ  ﭒ  ﭓ   ﭔ      ﭕ  ﭖ   ﭗ  ﭘ  ﭙ   ﭚ  ﭛ  ﭜ  ﭝ  ﭞ  ﭟ   ﭠ  ﭡ  ﭢ  ﭣ 

عباد الله..الاستغفار منة ربانية وعطية إلهية،يهبها الله لمن شاء من خلقه،ففي الحديث القدسي: (من يستغفرني فأغفرَ له)متفق عليه،والاستغفار حاجة إنسانية،لا يمكن أن يستغني عنها العبد مهما أوتي من قوة،قال شيخ الإسلام:إنه ليقف خاطري في المسألة والشيء أو الحالة التي تشكل علي،فأستغفر الله تعالى ألف مرة أو أكثر أو أقل حتى ينشرح الصدر وينحل إشكال ما أشكل،وأكون إذ ذاك في السوق أو المسجد أو الدرب أو المدرسة لا يمنعني ذلك من الذكر والاستغفار إلى أن أنال مطلوبي.وشكا رجل إلى الحسن الجدوبة،فقال:استغفر الله،وشكا آخر إليه الفقر،فقال له:استغفر الله،وقال له آخر:ادع الله أن يرزقني ولداً،فقال له:استغفر الله،وشكا إليه آخر جفاف بستانه،فقال له:استغفر الله،فقلنا له في ذلك،فقال:ما قلت من عندي شيئاً،إن الله تعالى يقول في كتابه(استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبين ويجعل لكم جناب ويجعل لكم أنهار). وقال سبحانه عن هود(ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدراراً ويزدكم قوة إلى قوتكم) والاستغفار سبب لتفريج الهموم، وجلب الأرزاق والخروج من المضائق ففي سنن أبي داود وابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا ومن كل هم فرجا ورزقه من حيث لا يحتسب ).والاستغفار أمان من العذاب قال سبحانه (وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون)..

فما أحوجنا عباد الله إلى الاستغفار،واللهج به في الليل والنهار،حتى تطمئن القلوب،وتصلح النفوس،ونستجلب العطايا،وندفع البلايا،وننعم بالخيرات،ونتفيأ المسرات،من خالق الأرض والسماواتﷺ..

 

 

 

 

 

    

 

 

more of publication