الحمد
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل..
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا..
الحمد الله حمدا كثيرا طيبا مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى،والصلاة والسلام على من بعثه الله تعالى بالنبوة والبشرى،فأدى الرسالةَ وبلغ الأمانة ونصح أمته للظفر بالأولى والفوزِ في الأخرى،صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أولى الأحلام والنهى ومن سار على دربهم وسلك سبيلهم واهتدى أما بعد:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى فإنها خير الزاد وعليها العماد،(يا أيها الذي آمنوا اتقوا الله حق تقاته..
عباد الله: بالحمد افتتح الله كتابه،وبالحمد ابتدأ تنزلَيه،وبالحمد أنشأ خلقه،فالحمد لله حمداً دائماً سرمدا،حمدا لا يحصيه العددُ،ولا يقطعه الأبدُ،كما ينبغي لك ربنَا أن تحمد.(الله لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون).
فالحمد لله خالصاً دون سائر ما يُعبدُ من دونه،ودونَ كلِ ما برأ من خلقه،بما أنعم على عباده من النعم التي لا يحصيها العددُ،ولا يحيط بعددها غيرُهُ أحد،في تصحيح القلوب لطاعته،وتمكين الجوارح لأداء فرائضه،وتيسير أماكن عبادته،مع ما بسط لهم في دنياهم من الرزق،وغذاهم به من نعيم العيش،من غير استحقاق منهم ذلك عليه،فلربنا الحمد على ذلك كلِه أولاً وآخرا.
وحقيقة الحمد عباد الله: وصف المحمودِ بالكمال الذاتي والوصفي والفعلي مع المحبةِ والتعظيم؛إذ مجردُ وصفِهِ بالكمال دون محبةٍ ولا تعظيمٍ،لا يسمى حمدا،وإنما يسمى مدحا.
والحمد أعمُّ من الشكر إذ الشكرُ يكون على النعم،والحمد يكون على النعم وغيرِها، ولذا كان النبيﷺ إذا أصابه ما يَسُرُّهُ قال:الحمد لله الذي بنعمته تتِم الصالحات،وإذا أصابه خلافُ ذلك قال:الحمد لله على كل حال.رواه ابن ماجه في سننه وحسنه الألباني.
و(الألف واللام) في الحمد لاستغراق جميعِ المحامد،فالله تعالى هو المستحِقُ بالحمد الكامل من جميع الوجوه. واللام في لفظ الجلالة للاختصاص والاستحقاق،والمعنى: الحمدُ الكاملُ مختصٌّ بك ربنَا دون مَنْ سواك.
عباد الله..الحمد من أحب العبادات إلى الله عز وجل،وأفضلِ القربات إليه،وأبلغِ الثناء عليه،فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول اللهﷺ قال:وما من شيء أحبُّ إلى الله من الحمد.رواه البيهقي في شعب الإيمان وحسنه الألباني،وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول اللهﷺ قال:أفضل الذكر لا إله إلا الله،وأفضلُ الدعاء الحمد لله. رواه الترمذي وابن ماجه وهو حديث حسن . وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال قال ﷺ:(الطُهُور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماوات والأرض..)الحديث رواه مسلم، قال القرطبي-رحمه الله- :الحمد راجع إلى الثناء على الله تعالى بأوصاف كماله،فإذا حمد الله تعالى حامدٌ مستحضرٌ معنى الحمدِ في قلبه،امتلأ ميزانُه من الحسنات،فإذا أضاف إلى ذلك سبحان الله،الذي معناه تبرئةُ الله وتنزيهُهُ عن كل مالا يليق به من النقائص،ملأت حسناتُه زيادةً على ذلك ما بين السماوات والأرض؛إذ الميزان مملوء بثواب التحميد. وقال ابن رجب:إن الله يحب المحامدَ ويرضى عن عبده أن يأكل الأكلة فيحمدَه عليها،ويشْرَبُ الشربة فيحمدَه عليها،والثناءُ بالنعم وشُكْرُها عند أهل الجود والكرم،أحبُّ إليهم من أموالهم،فهم يبذلونها طلباً للثناء،والله عز وجل أكرمُ الأكرمين،وأجودُ الأجودين..ا.هـ فهو يبذل نعمَه لعباده ويطلبُ منهم الثناءَ بها،وذكرها،والحمدَ عليها،ويرضى منهم بذلك شكراً عليها،وإن كان ذلك كلُهُ من فضله عليهم وهو غير محتاج إلى شكرهم،لكنه يحب ذلك من عباده.ا.هـ
ولذا كانت الملائكة تلهج بهذا الدعاء،وتثني على الله تعالى به قال تعالى:(الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به). وكذلك أنبياءُ الله ورسلُه،قال تعالى عن إبراهيم عليه السلام،عندما رزق على الكبر إسماعيلَ وإسحاق قال (الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق..)،وقال تعالى عن داود وسليمان عليهما السلام(ولقد آتينا داود وسليمان علما وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين) ونبينا صلى الله عليه وسلم كان يُكثر من الحمد ويلهج به في دعائه وخطبته وصلاته وفي غالب أحواله. ومن بعده صحابته رضوان الله عليهم فها هو عمرُ بنُ الخطاب رضي الله عنه وهو يصارع الموتَ،جاءه ابنُه عبدُ الله فبشـره بإذن عائشة رضي الله عنها له في أن يقبر في حُجْرتِها ،فلم يملك إلا أن قال:الحمد لله ما كان شيءٌ أهمَّ إلي من ذلك). بل الحيوانات والنباتات والجمادات (وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم)
عباد الله..وحمد الله تعالى على نعمه العظيمة وآلائه الجسيمة،ليست مكافأةً لها،أو جزاءً عليها،فقد كان نبينا ﷺ إذا رَفَعَ مَائِدَتَهُ قال:«الْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فيه غير مَكْفِيٍّ ولا مُوَدَّعٍ ولا مُسْتَغْنًى عنه رَبَّنَا» رواه البخاري ، قال ابن القيم،سألت شيخنا –ابنَ تيمية-عن قوله:(غير مَكْفِيٍّ)فقال:المخلوق إذا أنعم عليك بنعمة أمكنك أن تجازيَه بالجزاء أو بالثناء،والله عز وجل لا يمكن أحد من العباد أن يكافيَه على إنعامه أبدا،فإن ذلك الشكر.. من نعمه أيضا.ا.هـ ولكن الحمدَ إنما هو شعور يملأ النفسَ بمجردِ ذكر الله تعالى،والنظرِ في آياته،وتجددِ نعمه،وحسنِ بلاءه،ففي كل خطوة بل وفي كل لحظة تتوالى آلاء الله وتغمر الخلائق كلَّها وخاصة الإنسان..ومن ثم كان الحمد لله ابتداء وكان الحمد ختاماً.(وله الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون)
فلك الحمد ربنا على ما هديت ويسرت وأعنت وباركت وافتتحت،سبحانك لا نحصي ثناء عليك ولا نبلغ كمال شكرك فأعنا على ذكرك وحسن عبادتك.