Skip to main content
User Image

حسن بن جابر المدري الفيفي Hasan J. Alfaify

Assistant Professor

أستاذ الأدب والنقد المساعد، رئيس وحدة التطوير بكلية الآداب Assistant Professor of Classical Arabic Literature

العلوم اﻹنسانية واﻻجتماعية
1ب 48
blog

مقارنة بين رسالتي (الغفران) للمَعَرِّي و(التوابع والزوابع) لابن شُهَيْد. [نثر قديم (٢)]

الموضوع منسوخ [بتصرف] من "كتاب الأدب المقارن" - الصادر عن جامعة المدينة العالمية، ج١/ ص٣٠٧- ٣٠٩، المرفوع على المكتبة الشاملة في هذا الرابط. وإنما نسخته هنا تسهيلا لطلاب البكالوريوس كونهم درسوا رسالتي المعري وابن شُهَيْد ضمن مقرر النثر العربي القديم، ولم يدرسوا موضوعات الأدب المقارن الأُخر التي يحويها الكتاب. 
https://al-maktaba.org/book/34109/301#p1
------------------------------

مقارنة بين رسالتي (الغفران) للمَعَرِّي و(التوابع والزوابع) لابن شُهَيْد

رسالة الغفران لأبي العلاء المعري هي رحلة خيالية كتبت في القرن الخامس الهجري، ردًّا على رسالة وجهها إليه علي بن منصور الحلبي، المعروف بابن القارح، يسأله فيها عن جملة من الأمور تتصل بالتاريخ، والفكر، والتصوف، والأدب، والنحو، والسيرة النبوية، والزندقة. وقد أتي رد أبي العلاء على ابن القارح في شقين:
الشق الأول: هو الشق الخيالي، وفيه يتصور المعري ابن القارح في رحلة إلى العالم الآخر على غرار الأدب الخاص بالمعراج النبوي.
والشق الثاني: ينطوي على رد أبي العلاء المعري على المسائل التي تؤرق ابن القارح.
ورغم أهمية ما كتبه أبو العلاء في تبيين موقفه من القضايا المطروحة في المعارف والفنون والعلوم؛ فإن الشِّق الأول الذي هو عبارة عن رحلة خيالية، هو الشق الذي كُتب له الخلود.
وتنقسم رحلة ابن القارح إلى العالم الآخر إلى ثلاث مراحل: الصعود إلى السماء، ثم زيادة الجحيم، ثم التحول إلى الجنة. وقد استفاد المعري من أدب الإسراء والمعراج، ومصادره الأولى في القرآن والتفسير والحديث الشريف، في إطار الرحلة ومضمونها وتفاصيلها. وخلال هذه الرحلة بمراحلها الثلاث يلتقي ابن القارح بشخصيات متعددة من الشعراء والأدباء والنقاد والمفكرين؛ فيُحاورهم مثيرًا معهم طائفة من القضايا الفكرية والأدبية والنقدية والدينية.
(1/307)

و(رسالة الغفران) بما فيها من قصص وحبكة وحوار ورسم شخصيات، أشبه برواية تحاور فيها ابن القارح مع عدد من الشعراء في طائفة من المسائل العلمية والدينية، وفي الرسالة تخيلات علائية عن آدم، وإبليس، والعفاريت، والملائكة. فضلًا عن تخيلاته عن الشعراء، وبعد فترة طويلة من ظهور (رسالة الغفران) ظهرت (الكوميديا الإلهية) ل"دانتي" و (الفردوس المفقود) ل"بيلتون". وقد عثر مستشرق إسباني معاصر على مخطوطتين لترجمتين لقصة المعراج، خَلَص منهما إلى نظرية تثبت أن دانتي قد بنا كوميدياه الإلهية على أصول إسلامية من بينها (رسالة الغفران) و"قصة المعراج".
وهناك أيضًا تَشَابُهٌ كبيرٌ بين رسالة الغفران، ورسالة (التوابع والزوابع) لابن شهيد الأندلسي؛ فكلتاهما تعرض القضايا الأدبية بأسلوب قصصي، وكلتاهما اتخذت مسرحها خارج هذا العالم الأرضي، وكان المؤلفان متعاصرين.
--------------
و(التوابع والزوابع) قصة خيالية تحكي رحلة في عالم الجن يلتقي البطل خلالها بشياطين الكتاب، فيحاورهم ويحاورونه ويخلصوا بذلك إلى سمات نقدية وأدبية محدودة. وتتخذ رحلة بطل (التوابع والزوابع) مسارًا تاريخيًّا في لقائه بتوابع الشعراء في مجلس الأول ابتداءً من العصر الجاهلي والأموي والعباسي؛ فيحاور عددًا من توابع الفحول، كامرئ القيس، وطرفه، وأبي تمام، والبحتري، وأبي نواس، والمتنبي.

وهو يُوفق بين البُعد الجسمي والفكري؛ ليستخرج نفسية الشاعر وذاته، فيرسم له صورة قلمية في ضوء ما ورد من أخبار.
(1/308)

وفي المجلس الثاني وهو مجلس الكتاب يقدم ابن شهيد رؤية جديدة، وهي أن للكتاب شياطين كما للشعراء شياطين. ويبدأ بالجاحظ، ويحاور عبد الحميد الكاتب وبديع الزمان، ويسجلهم في قضايا تتصل بالسجع وبالمزاوجة، وبالأساليب والبيان، ويخلص إلى انتزاع شهادات بإجازتهم له، وتفوقه عليهم.
أما المجلس الثالث فيُبين ابن شهيد من خلاله طائفة من القضايا النقدية التي كانت تشغل ذوق العصر، وفي المجلس الأخير ينتقل ابن شهيد وتابعه إلى أرض بها حيوانات من الجن، حيث يحكم في قطعتين شعرتين غزلتين لبغل محب وحمار عاشق، وتنتهي الرسالة بحوار بن الشهيد مع الإوزة، التي يرى أنها تابعة لبعض شهود اللغة، وأرادت أن تُناظره في النحو وغريب اللغة؛ فأعرض عنها وزجرها لسخفها وحماقتها.
ومن أهم سمات أسلوب ابن الشهيد القصصي: حظه من الخيال؛ فخياله قوي خلاق، تحفه طائفة من الصورة الدقيقة الوصف، معناة بتصفية الأخلاق والأشكال في إطار من تحليل نفسي، وقد اهتم بالأوصاف الدقيقة، وكأنه دون أن يشعر يُعَوّض عن ضعف حاسة السمع لديه؛ فهو يكثر من الصور المتحركة والمسموعة.
كما كان عنصر التشويق أداة من أدوات أسلوبه، بجانب الاستطراد الذي يقتضيه السياق القصصي؛ فضلًا عن ظاهرتي الحوار الداخلي والمباشر،
(1/309)

وتزخر الرسالة بروح الفكاهة والإضحاك، بما يضع ابن الشهيد في مكانة بارزة من السخرية والطرافة. ومن المُرَجّح أنّ ابن شُهَيدٍ استوحى موضوع الرسالة متأثرًا بقصة الإسراء والمعراج، كما تأثر بها أيضًا الإيطالي "دانتي" في رسالته (الكوميديا الإلهية) وهذا باب طويل في الأدب المقارن.
والكاتبان يلتقيان معًا في الخيال والأوصاف والسخرية والإضحاك، ولكنهما يختلفان في اللغة؛ فلغة المعري لا تخلو من تعقيد، وإغراء، وسجع ملتزم، ولغة ابن شهيد سلسة طيّعة بعيدة عن التكلف والصنعة، تزاوج تارةً، وتسجع أخرى، وتسترسل ثالثة؛ ففيها لكل مقام مقال.

------------------------------------ 
ونجد زكي مبارك في كتاب "النثر الفني في القرن الرابع" في هذا الرابط
https://www.hindawi.org/books/63146390/3.7/
يقول عن رسالتي المَعَرِّي وابن شُهَيْد:
"والواقع أن التشابه تامٌّ بين الرسالتين، فالموضوع واحد؛ وهو عرض المشاكل الأدبية والعقلية بطريقة قصصية، والخلاف في جوهر الموضوع يرجع إلى روح الكاتبين؛ فأبو العلاء يحرص أولًا وقبل كل شيء على عرض المعضلات الدينية والفلسفية، وابن شهيد يحرص على عرض المشكلات الأدبية والبيانية، ويتفق كلا الرجلين على التعريض بمعاصريه، وشرح ما أخذ على المتقدَّمين من أساطين العقل والبيان. والمسرح واحد تقريبًا؛ فهو عند ابن شهيد وادي الجن في الدنيا، وهو عند أبي العلاء وادي الإنس في الأخرة؛ أي الفردوس والجحيم. فالممثلون عند ابن شهيد جنٌ يُسَخِّرون، وعند أبي العلاء إنْسٌ تسخِّرهم الملائكة والشياطين، وكان لكل إنسان في عُرْفِهم مَلَكٌ وشيطان".