شرح نونية أبي البقاء الرُّندي في رثاء الأندلس. (شعر قديم [3])
شرح نونية أبي البقاء الرُّندي في رثاء الأندلس.
نشرتها: ميّ عمرو. في نوفمبر 29, 2012
في منتديات مدرسة رابود الثانوية - منتدى تعليمي
في الرابط أدناه
----------------------------
التعريف بالشاعر :
هو أبو البقاء صالح بن يزيد الرندي الأندلسي ، ولد سنة (604هـ) . كان حافظا للحديث ، فقيها ، بارعا في منظوم الكلام ومنثوره ، ومن الأغراض التي طرقها المدح والغزل والوصف والزهد ، وكان أبو البقاء مصنفا ، ألف في الفرائض ( تقسيم الإرث ) نظما ونثرا ، وله أيضا مقامات بديعة ، ومن أشهر كتبه : الوافي في نظم القوافي ، ومختصر في الفرائض ، وتوفي أبو البقاء سنة 684هـ .[/b
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المناسبة :
نظم أبو البقاء هذه القصيدة بعد ضياع عدد من المدن الأندلسية ، وسقوطها بيد الإسبان فقال هذه القصيدة يستنصر أهل أفريقيا من بني مرين ، بعد أن أخذ بعض ملوك بني الأحمر بالتنازل عن عدد من القلاع والمدن للإسبان استرضاء لهم ، وأملا في أن يبقى له حكمه على غرناطة ، وكان ذلك نذيرا بسقوط الأندلس ، وزوال ملك المسلمين فيها ، بسبب تناحرهم واستعانتهم بعدوهم .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الاضاءة النقدية :
تعد هذه القصيدة من روائع ما قيل في الشعر العربي في رثاء الممالك والمدن ، ومما زاد في شهرتها ارتباطها بتلك الأحداث المؤلمة التي عصفت بدولة الإسلام في الأندلس ، ونستطيع أن نتبين من خلال النص الوارد بين أيدينا أهم السمات لشعر رثاء الممالك :-
1- صدق العاطفة : ويتضح ذلك من خلال ما ورد في هذه القصيدة من معان معبرة ، وإضفاء طابع الحزن عليها .
2- سهولة الألفاظ ، والإبتعاد عن التعقيد اللفظي والمعنوي وذلك لأن الموقف موقف بكاء ، ولا يحتمل ذلك .
3- تضمين الحكمة لأخذ العبر من الأمم السابقة كما ورد في الأبيات الثلاثة الأولى ، وذكر أحوال الأمم السابقة مثل : قوم عاد ، والفرس ......... وغيرهم .
4- استخدام المحسنات البديعية من طباق وجناس دون تكلف ، مثل قوله : ( سره ، ساءته ) ، ( ومُلك ومَلك )
5- استخدام اسلوب الاستفهام بكثرة لأغراض بلاغية في القصيدة كما في البيت الرابع عشر حيث أفاد الاستفهام معنى التحسر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرح :
( 1 ) يفتح الشاعر قصيدته بذكر حكمة بالغة ومؤثرة لا تعبر عما يكابده ويلاقية من الأسى والحرمان والحزن قائلا : إن كل أمر في هذه الحياة إذا تم بدأ بالنقصان ،ـ فيجب على كل مخلوق ألا يعتبر شيء في هذه الحياة ، فإن نعيمها زائل.
* ( يعتبر البيت حكمة ) ( ”تم ، نقصان )طباق إيجاب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
( 2 ) يقول الشاعر :- إن أمور هذا الكون وحوادثه دول وحالات غير ثابتة ومتقلبة الأحوال ، فمن سره زمن ساءته أزمان والدهر لا يبقى على حالة واحدة ، ويوضح معنى هذا البيت قول الشاعر :-
في ذمة الله إن الدهر خوان منغص العيش أفراح وأحزان
* ( تقديم ضمير الشأن ”هي“ للتخصيص فهو يريد أن يلفت انتباه السامع قائلا : هي الأمور كما شاهدتها دول / فهو كان يستطيع القول شاهدت جميع الأمور دول ) ( سره – ساءته ) طباق إيجاب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
( 3 ) يقول الشاعر :- إن هذه الدار وهذا الدهر لا يبقى أحدا فيه فهو يغني الجميع كذالك لا يبقى على حال واحدة ، فمرة يغمرنا بالأفراح ومرة يسبل علينا ثوب الهموم والأحزان ، فكل نعيم في هذه الدنيا مصيره الزوال ويوضح معنى هذا البيت قول الشاعر :-
ألا كل ما خلا الله باطل وكل نعيم لا محالة زائل
* ( شبه الدار بالإنسان الذي يتحرك فيعطي ويترك فالاستعارة مكنية ) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ
( 4 ) يبدأ الشاعر في هذه الأبيات بالتدليل على ما ذكره سابقا من زوال نعم الدنيا وأن دوام الحال من المحال فيتساءل للاعتبار أين ذهب أصحاب الممالك السابقة من الملوك الذين حكموا الأرض أصحاب الطول ، الذين لبسوا التيجان والأكاليل.
* ( أين الملوك ذوو التيجان ) ( اين منهم أكاليل وتيجان ) استفهام إنكاري تعجبي . ( التيجان ) ( تيجان) جناس تام .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ
( 5 ) يواصل الشاعر استدلاله وذكره للأمثلة على ما قاله (ارم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد ) يقول الشاعر متعجبا ( أين ما آتاه وشاده هؤلاء الملوك من حضارة وبنيان وأين ما تحدثنا به الكتب التاريخية من عجائب الأمور ويقول : أين ما بناه وشادة شداد في إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد وأين ما حكمه وخططه الفرس وأين إيوان كسرى وقصره العظيم .
* في هذا البيت يوجد استفهام انكاري تعجبي ، بين ( شاده ، شدّاد ) جناس ناقص ) ،( ساسه ، ساسان ) جناس ناقص .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
( 6 ) يقول الشاعر :- أين ما ملك قارون من الأموال والذهب وأين قوم عاد وشداد وقحطان الذين اشتهروا في زمانهم وزماننا هذا والذين سطرتهم كتب التاريخ لعظمتهم .
* يوجد في هذا البيت استفهام انكاري تعجبي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ
( 7 ) بعد أن تسائل الشاعر أين ذهب هؤلاء جميعا ! وهل استطاعت حضارتهم وما كانوا فيه من النعيم أن تدوم وتبقى ؟ إنها الآن أثر بعد ولم تغن عنهم أموالهم وتيجانهم شيئا وبين مصيرهم جميعا بأنه الموت والفناء فقد أتاهم أمر من الله وقضي عليهم.
* شبه الموت بإنسان يأتي ويذهب على سبيل الاستعارة المكنية .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ
( 8 ) يواصل الشاعر بيان مصير هؤلاء الملوك قائلا :- إن كل من الملوك وملكهم صارا وكأنهما لم يكونا ، وكان ذلك الملك ما هو إلا خيال وحلم.
* (مُلك ، ملك) يوجد جناس ناقص .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــ
(9) في هذا البيت يسلي الشاعر نفسه ويعزيها عما حل بديار المسلمين من دمار وتخريب ليأخذ المسلمون العبرة من ذلك ويتعظوا بما حدث ويقول إن هذا الأمر ليس غريبا فقد دار وانقلب الزمان على دارا وقاتله كما أم (من الإمامة) الناس وتولاهم ولاكن لم يحميه إيوانه وقصره العظيم منهم ومن كيدهم (يريد أن يقول أن ضياع دولة المسلمين في الأندلس ليس غريبا فقد حصل ذلك أيضا للعديد من الممالك والملوك).
* (دار الزمان) شبه الزمان بالشيء الذي يغدر وينقلب على صاحبه وحذف المشبه به على سبيل الاستعارة المكنية .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(10) يقول الشاعر إن مصائب الدهر وحوادثه الضخمة والشديدة عزاء لما أصابه ، ولكن ما حل بالإسلام ليس له عزاء لشدة وعظم المصيبة فلا يستطيع أي انسان نسيان هذه المصيبة .
* (سلوان – سلوان) جناس تام .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ
(11) يدلل الشاعر على ما قاله في البيت السابق فيصور هول المصيبة وشدتها لدرجة تصدع الجبال الراسيات (أحد وثهلان) حتى كادت أن تسقط .
* (هوى له أحد وانهد ثهلان) كناية على شدة وقع المصيبة وهولها .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(12 - 13 - 14) يبدأ الشاعر بذكر ما أصاب ديار الإسلام في الأندلس متحسرا على تلك المدن التي ضاعت من ليديهم لاسيما (بلنسية- مرسية- شاطبة- جيّان- قرطبة- حمص) ويبين ما حل بها من مصائب وأهوال ويعدد مناقب هذه المدن وفضائلها قائلا : أين قرطبة التي كانت تزخر بالعلوم والمعارف والتي أخرجت الكثير من العلماء الذين أصبح لهم شأن كبير في سبيل الرقي والازدهار، وأين حمص وروابيها وإزهارها وأنهارها العذبة المليئة بالخير العميم.
* الأسلوب في البيت استفهامي غرضه التحسر والتعجب).
رثاء الممالك
أولاً من حيث المضمون :
الفكرة العامة :
حزن وأسى لما حل بمسلمي الأندلس من بلاء عظيم ودعوة لاستنهاض الهمم لنجدتهم .
الأفكار الرئيسة :
- التغيير ديدن الحياة والتقلب قانونها الأساسي الذي لا تحيد عنه . (1 – 2)
- سقوط الأندلس في يد الفرنجة ، وما حل بها من مصائب ونكبات . (3 – 6)
- استنهاض همم المسلمين لنجدة مسلمي بلاد الأندلس . (7 – 10)
- وصف معاناة مسلمي بلاد الأندلس وما أصابهم . (11- 12)
- دعوة المسلمين للوحدة ، واستنفار الهمم لرفع الذل عن أهل الأندلس . (13- 15)
- خطاب لإنسانية المسلم ، ووصف ما حل بالمسلمين في الأندلس . (16)
الحقائق :
- انتهاء حكم المسلمين في الأندلس . (حقيقة تاريخية)
- ضعف المسلمين زمن انتهاء حكم المسلمين في الأندلس . (حقيقة تاريخية)
الآراء :
لكل شيء إذا ما تم نقصان / لا يغر بطيب العيش إنسان / الأمور دول / من سره زمن ساءته أزمان / دهى الجزيرة أمر لا عزاء له / هوى له أحد وانهد نهلان / تبكي الحنيفية البيضاء من أسف / بكى لفراق الأهل هيمان / ديار من الإسلام خالية / قد أقفرت / لها بالكفر عمران / المحاريب تبكي / / المنابر ترثي / كأنها في مجال السبق عقبان / حاملين سيوف الهند مرهفة / كأنها في ظلام النقع نيران / راتعين وراء البحر في دعة / لهم بأوطانهم عز وسلطان / كم يستغيث بنو المستضعفين وهم أسرى وقتلى فما يهتز إنسان / ماذا التقاطع في الإسلام بينكم / أنتم يا عباد الله إخوان / ……… أما على الخير أنصار وأعوان / ذلة قوم بعد عزهم / أحال حالهم كفر وطغيان / حيارى لا دليل لهم / عليهم من ثياب الذل ألوان / لهالك الأمر واستهوتك أحزان / تقرق أرواح وأبدان / يذوب القلب من كمد / إن كان في القلب إسلام وإيمان .
المفاهيم :
عزاء / الإلف / الكفر / الغرور / هيمان / الرثاء / الدعة / طغيان / المحراب / المنبر / الأسير .
المبادئ :
لكل شيء إذا ما تم نقصان / لا يغر بطيب العيش إنسان .
القيم والاتجاهات :
مساعدة المسلمين / تجنب الأشياء التي قد تضر بالإنسان / المحافظة على المساجد / نجدة المستغيث / عدم الركون لطيب العيش / استخلاص العبر من سقوط المدن الأندلسية في يد الأسبان / الأخذ بمادة الإسلام والشريعة الإسلامية / العمل على إعادة المساجد والمنابر لحضن الإسلام / الاتحاد لمقاومة الأعداء وعدم التنازع والتفرقة / الدعوة إلى الجهاد الإسلامي / عدم الاغترار بطيب العيش / إعداد القوة والجيش لمواجهة الأعداء / عدم السعي وراء نعيم الحياة الزائل / مساعدة الإخوان ومناصرتهم / نبذ الخلافات بين المسلمين .
المواقف
- موقف الشاعر من الحياة : لا تبقى على حال ( كل شيء إذا ما تم نقصان ) ، ( الأمور كما شاهدتها دول )
- موقف الشاعر من سقوط الأندلس : مصدوم لما حدث لها ( دهى الجزيرة أمر لا عزاء له ) ، ( ديار من
الإسلام خالية )
- موقف الشاعر من الحكام العرب : يأخذ عليهم تخاذلهم ( راتعين وراء البحر في دعة ) ، ( كم يستغيث بنو
المستضعفين …… فما يهتز إنسان ) ، ( أنتم يا عباد الله إخوان ) .
- موقف الشاعر من مسلمي الأندلس : مكلوم بما أصابهم ( حيارى لا دليل لهم) ، ( عليهم مـن ثياب الذل
ألوان ) ، ( لو رأيت بكاهم عنـد بيعهم لهالك الأمر واستهوتك
أحزان ) ، ( يذوب القلب من كمد ) .
العاطفة :
سيطرت على الشاعر في هذا النص مزيج من العواطف الدينية والوطنية التي يشيع فيها صدق التأثر وروعة الحماسة ، فقد عبر تعبيراً صادقاً عن موقف عاناه وتجربة عاشها وتأثر بها .
ثانياً : من حيث الشكل :
المفردات : ( بالإضافة لما فسر في الكتاب )
يغر / عزاء / هوى / الإلف / أقفرت / المحراب / المنبر / ترثي / عيدان / عتاق / مرهفة / راتعين / سرى / التقاطع / همم / هالك / طغيان / استهوتك / حيل .
التراكيب :
يغر بـ / عزاء لـ / هوى لـ / تبكي من / تبكي لـ / تبكي على /خالية من / راتعين في / سرى بـ / التقاطع في / يذوب من / أنصار على / دليل على …..
الأساليب :
التوكيد : قد أقفرت / فقد سرى بحديث القوم ركبان / أنتم إخوان /
تقديم ما حقه التأخير :
- تقديم المفعول به : دهى الجزيرة أمر /
-تقديم شبه الجملة : لها بالكفر عمران / كأنها في ظلام النقع نيران / لهم بأوطانهم عز / سرى بحديث
القوم ركبان / عليهم من ثياب الذل ألوان / لمثل هذا يذوب القلب .
النفي : لا عزاء له / فما يهتز لإنسان / لا دليل لهم .
النهي : لا يغر بطيب العيش لإنسان /
النداء : يا راكبين / يا من لذلة قوم بعد عزهم / يا عباد الله /
الاستفهام : أ عندكم نبأ من أهل أندلس ؟ / ماذا التقاطع في الإسلام بينكم ؟ / ألا نفوس هم أبيات لها همم
؟ / أما على الخير أنصار وأعوان ؟
الشرط : لكل شيء إذا ما تم نقصان / من سره زمن ساءته أزمان / لو تراهم حيارى لا دليل لهم ……/
لو رأيت بكاهم عند بيعهم لهالك الأمر / إذا كان في القلب إسلام وإيمان …….
كم الخبرية : كم يستغيث بنو المستضعفين .
التشبيه : كما بكى لفراق الإلف هيمان / كأنها في مجال السبق عقبان / كأنها في ظلام النقع نيران / كما
تفرق أرواح وأبدان .
دلالة الألفاظ :
طيب العيش / يغر / دهى الجزيرة / أمر كما شاهدتها / من سره زمن ساءته أزمان / هوى له أحد / تبكي الحنيفية البيضاء / لها بالكفر عمران / المحاريب تبكي / المنابر تبكي / عتاق الخيل ضامرة / سيوف الهند / راتعين وراء البحر في دعة / التقاطع في الإسلام / سرى بحديث القوم ركبان / فما يهتز إنسان .
ألوان الجمال :
من سره زمن ساءته أزمان / هي الأمور كما شاهدتها دول / تبكي الحنيفية البيضاء / ديار من الإسلام خالية / لها بالكفر عمران / ديار الإسلام قد أقفرت / المحاريب تبكي / المنابر تبكي / كأنها في مجال السبق عقبان / راتعين وراء البحر / كأنها في ظلام النقع نيران / عليهم من ثياب الذل ألوان / هالك الأمر واستهوتك أحزان / يذوب القلب من كمد .
ثالثاً : التكامل مع فروع اللغة العربية
قواعد اللغة العربية
- الشرط وأجزاءه : ( بالرجوع إلى الأساليب اللغوية )
- كم الخبرية : كم يستغيث بنو المستضعفين .
- اسم الفاعل : جامدة / راكبين / راتعين/ ضامرة .
- اسم المفعول : مرهفة / مستضعف .
- المصادر : العيش / أمر / أسف / فراق / كفر / سبق / عزّ / التقاطع / الإسلام / الخير / طغيان / بُكاهم /
بيع / كمد / إيمان / الذُل .
الإملاء :
- الهمزة المتطرفة : شيء / البيضاء / نبأ / عزاء / وراء .
- الهمزة المتوسطة : ساءته / رأيت
- الأسماء والأفعال المنتهية بألف : دهى / بكى / أسرى / قتلى / حيارى .
القراءة الناقدة
أهمية الموضوع :
تتقلص الأراضي الإسلامية ، تقطّع ، تنهب ، فنفخر بماضينا المجيد ، تسبى أراضينا وممتلكاتنا وكرامتنا ، فنعتز بالكرم العربي الفريد ، تغتال رجولتنا ، فنهلل ، لقد كتبت عند الله مع الشهداء المكرمين …… نملك موسوعة من عبارات الكذب والإدعاء والنفاق ، تفوق في امتدادها امتداد تاريخنا المشرف والمهين .
نختلق أسباباً لانحدارنا وتهاوينا ، لكننا ننزه ذاتنا أن نكون لذلك سبباً ، نهاجم من يقوم بدراستنا ، خشية أن يهتدي إلى الكامن فينا ……… فمتى نؤمن أن لا علاج بدون تشخيص ؟ !
الأفكار :
جاءت أفكار النص في مجملها تخدم الموضوع الذي تناوله الشاعر ، يبدأ نصه بحكمة وبمبدأ ( لكل شيء إذا ما تم نقصان ) ، ( من سره زمن ساءته أزمان ) في إشارة إلى أن الموضوع المتحدث عنه يشير إلى التغيير من الحسن إلى السيئ ) وينتقل للحديث عن لب الموضوع : ما أصاب ويصيب بلاد الأندلس من مصائب عظيمة تصعب المواساة فيها ( دهى الجزيرة أمر لا عزاء له ) ، اهتزت لهولها جبال شبه الجزيرة العربية ، وبكت الشريعة الإسلامية آسفة على فقدان مواقع لها ( بكت الحنيفية البيضاء من أسف …… علـى ديار من الإسلام خالية ) وحلول الكفر بدل الإيمان فيها ، وبالغ شاعرنا فأبكى المحاريب والمنابر على الإسلام المفقود في الأندلس.
ثم وجه حديثه للجيوش الإسلامية المدججة بالسلاح والقادرة على إحداث التغيير وجلب النصر ( يا راكبين عتاق الخيل ضامرة ) ، ( حاملين سيوف الهند مرهفة ) والذين يعيشون بسبب هذه القوة حياة رغد ودعة ( راتعين وراء البحر في دعة ) ، ( لهم بأوطانهم عز وسلطان ) حتى أنهم ما عادوا يهتمون بأنباء المسلمين في البلدان الأخرى ، رغم أن المسافرين يتناقلون هذه الأنباء والأحداث ( سرى بحديث القوم ركبان ) ، ويتحدثون عن استغاثة الأندلسيين دون استجابة (كم يستغيث بنو المستضعفين وهم أسرى وقتلى فما يهتز إنسان)
ويوج لومه إلى البلدان الإسلامية المتنافرة (ماذا التقاطع في الإسلام بينكم) ، رغم ما يدعو إليه الإسلام من إخاء. ويتساءل ألا توجد( نفوس أبيات لها همم ) تعيد الإسلام إلى الأندلس . ويتحدث عن حال الأندلسيين بعدما حل بهم (يا من لذلة قوم بعد عزهم) وعن حيرتهم بدون قائد أو مرشد لهم (حيارى لا دليل لهم) يهربون من الأسر والبيع كعبيد (لو رأيت بكاهم عند بيعهم لهالك الأمر واستهوتك أحزان) ويقدم مثالاً لذلك (أم وطفل حيل بينهما كما تفرق أرواح وأبدان) وهي مواقف تذيب قلوب المسلمين حزناً وأسى ، فهل بقي مسلمون ومؤمنون ……….
أسلوب وطريقة العرض:
كتب الشاعر نصه في القرن الهجري السابع، تدفعه مشاعر الألم لما يحل بالإسلام والمسلمين في الأندلس، لذا جاءت عاطفته مزيجاً من العاطفة الذاتية والدينية، واستخدم ألفاظاً دالة على المعاناة والحزن، ولأن غرض الشاعر استثارة همم الأمة الإسلامية لنصرة إخوانهم فقد استخدم مفردات سهلة مألوفة، وإن احتوت على ألفاظ جديدة علينا، فمرد ذلك المسافة الزمنية بين وقت كتابة القصيدة وتلقي السامع لها.
يبدأ الشاعر نصه برأي ومبدأ وحكمة، فعبارته تحوى الثلاثة، يقول (لكل شيء إذا ما تم نقصان) فبعد أن يصل الشيء في مراحل نموه إلى تمام النضج والكمال حتى يبدأ في التناقص، قدرة وكمالاً وهذا ما فهمه المسلمون والصحابة من قوله تعالى على لسان رسوله: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) فاستشعروا قرب انتقال الرسول إلى الرفيق الأعلى فكأننا في بداية حياتنا نصعد إلى أعلى منحنى النمو والكمال والتمام فمتى وصلنا القمة نبدأ بالانحدار، أي يتناقص هذا الكمال هبوطاً إلى الانتهاء، وينطبق هذا المبدأ على الإنسان، كما ينطبق على الدول وهذا ما ذكره ابن خلدون في مقدمته ……… وقدم شبه الجملة (لكل شيء) للتعميم، واستخدم اسم الشرط (إذا) الذي يؤكد ما بعده (النقصان بعد التمام) ، و (ما) بعد (إذا) زائدة، والتضاد بين ( تم ) و (نقصان) لتوضيح المعنى ولا يفيد – هنا – الشمول، وأصل أسلوب الشرط: ( إذا ما تم كل شيء بدأ نقصه )، أو ما شابه، وتأتي النتيجة، أو التطبيق لهذا المبدأ (فلا يغر بطيب العيش إنسان) و (لا) ناهية، و (يغر) فعل مضارع مجزوم بلا الناهية وعلامة جزمه سكون مقدر للتعذر بسبب التقاء ساكنين: حرف الراء الأول والثاني المدغم، والراء آخر الفعل المضارع، والعرب استبدلت بالسكون الثاني في هذا الموقع أحد أمرين: ضم الراء الثانية (فلا يغرُّ) أو فتحها (لا يغرَّ) والفتح أخف في النطق وأدل على حدوث تغيير في الإعراب ناجم عن دخول لا الناهية، وحتى لا يحدث التباس بلا النافية، التي لا تعمل في الفعل المضارع، وقدم (طيب العيش) للتحديد ، وقيل بل لضبط الوزن ، وربما للأمرين معاً . وجاءت (إنسان) نكرة للتعميم .
ويكمل (هي الأمور – كما شاهدتها – دول) و (هي) ضمير الشأن أو القصة أو الحكاية ……… مبتدأ مبني في محل رفع والجملة الاسمية (الأمور دول) في محل رفع الخبر، وقيل : بل هي مبتدأ، والأمور: بدل منها ودول خبر المبتدأ، و(أل) في (الأمور) جنسية لا عهدية، فلا تكسبها تعريفاً، و (شاهد) الشيء رآه، أو عايشه أوعاصره، أو تأمله وحلله، فاكتشف أنها لا تبقى على حال، أو كما يقولون: (بقاء الحال من المحال ) ……… ويصل من خلال خبرته إلى تعميم أو مبدأ (من سره زمن ساءته أزمان) ومع أن الأفعال المستخدمة ماضوية إلى أنها من خلال صوغها في مبدأ أو تعميم اكتسبت معنى الاستمرار ( الماضي والحاضر والمستقبل ) واستخدم (زمن) مع ( سره ) و ( أزمان ) مع ساءته ليشير إلى طول فترة الشقاء، وقصر فترة السعادة.
ونقف مع الشاعر عند هذا التقديم الذي يرى فيه أن من الطبيعي أن يخلف الكمال نقصاناً وأن الحزن يفوق السرور في امتداده الزمني وفي الإحساس به، وكأنه يقول: إن ما حدث في الأندلس يتفق مع طبيعة الأمور، ومع المبادئ الكونية، ونتساءل: إذا كانت هذه سنة الحياة، فأين التناقض، ولماذا نحزن نستاء من الأشياء العادية والمتوقعة. إن إدراك هذه المبادئ يخفف من إحساسنا بالمصيبة، ويجعلنا أكثر تقبلاً لها، ورضا بواقعنا الجديد لكننا نحزن عند وفاة عزيز علينا، مع إدراكنا أن الموت حق ………… ومع هذا فنحن لسنا مع هذا التقديم – رغم موافقتنا على المبادئ المذكورة – لأنه يتنافى واستثارة الهمم لرفض ما حل بالأندلس، والتصدي له بالقوة ، وهذا أحد أغراض الشاعر من نصه . فليس هذا الموقع المناسب للاستشهاد بالمبادئ المذكورة. وربما رأى البعض أن الحديث في البيتين السابقين موجه إلى الحكام والقادة والخلفاء المسلمين، فحالكم هذا من قوة وعز ورفاهية حال غير دائم، وسيأتيكم زمن تحتاجون فيه إلى مساعدة الآخرين، وربما تستغيثون استغاثاتم ، فاتعظوا، وانهضوا لنصرة إخوانكم، فالبيتان بهذه الرؤية، يحملان معاني الحث والاستنهاض.
وينتقل بعد ذلك إلى عرض ما حل بالأندلس فيقول : (دهى الجزيرة أمر لا عزاء له) و (دهى) أصابها بداهية، أي مصيبة عظيمة، وقصد بالجزيرة الأندلس، وجاءت (أمر) نكرة لتفيد التضخيم، وهي نكرة غير محضة بسبب وصفها بـ (لا عزاء له) والعزاء: المواساة والتسرية للتخفيف عن المصاب، و (لا) نافية للجنس، أي نافية لأي عزاء ممكن أو محتمل والعبارة تشير إلى عظم المصيبة التي حلت، وهي داهية لا ينحصر أثرها في بلاد الأندلس، بل يمتد إلى كل البقاع الإسلامية، فنرى جبل أحد قد هوى وجبل ثهلان انهد . ويختلف معنى (هوى) عن معنى (انهد) ، فـ (هوى) تعني سقط من أعلى إلى أسفل ، وتحطم بسبب سقوطه، و (هوى) أيضاً ثكل ، أما (انهد) فتعني: وهن وضعف، كما تعني انكسر بشدة وبصوت، والانكسار مادي ومعنوي، وإذا كان (أحد) يرتبط بذاكرة الإسلام والمسلمين وشهد انتصار المسلمين وهزيمتهم، فنحن لا نجد مناسبة لاختيار جبل (ثهلان) إلا إتمام القافية والميزان الشعري وقد يرى البعض أن جبل ( أحد ) ليس الاختيار الأنسب، لأنه ارتبط في أذهان المسلمين بالهزيمة، لا بالنصر . وقد يكون سبب الاختيار يرتبط بحجم الجبلين (أحد وثهلان) وكونهما من أضخم جبال شبه الجزيرة العربية ، أي يفترض أن يكونا أكثر تحملاً من غيرهما .
ويكمل الشاعر (تبكي الحنيفية البيضاء من أسف كما بكى لفراق الألف هيمان) و (الحنيفية) كناية عن الإسلام ، دين الحق والعدل والخير و (البيضاء) كناية عن سماحتها ونقائها وعطائها والإسلام يبكي حزناً وأسى على ما أصاب مدن الأندلس من انهيارات وضياع، ويشبهه بألم الفراق الذي يصيب الهيمان (شديد الحب والوجد) إذا فارقه أليفه (حبيبه) الذي يألفه، وهي مقارنة نرى أن الشاعر لم يوفق فيها، فرغم وجه الشبه الذي سعى إليه الشاعر (شدة الألم وعظم المصاب) إلا أن مقارنة سقوط مدن الأندلس ، بفراق المحب ليست بالاختيار الأنسب لإظهار عظم المصاب ، فلسنا في موقف استحضار صورة محب فقد حبيبه …… فاختيار الصورة المقدمة للمشابهة لا يحقق مشاعر الحزن والأسى بل قد تستحضر نفوراً واستهجاناً، من هذه العلاقة التي قد توحي بالعشق والخروج عن روح الإسلام …………
ويبين الشاعر سبب بكاء (الحنيفية البيضاء من أسف) فيقول مكملاً على ديار من الإسلام خالية….) و (ديار) جمع دار وتعني – هنا – المدن، وقدم (من الإسلام) لتحديد سبب البكاء ، وقيل لضرورة الوزن ولعله للأمرين معاً، و (خالية) لا تفي بالغرض ، وربما كان الأفضل (أخليت) أو أوجدت على الإخلاء لن خالية قد تفيد لم يصلها الإسلام سابقاً ، لكنه يعود ليوضح مضمون خالية: (قد أقفرت)، و (أقفرت) تعني كانت عامرة ثم تحولت ، فوزن (أفعل) من معانيه الصيرورة أي صارت قفراً، وبعد أقفرت محذوف تقديره (من الإسلام) .
ويكمل (ولها بالكفر عمران) وشبه الجملة (لها) في محل رفع خبر مقدم، ولا يصلح (بالكفر) خبراً لعمران ، ونحن لسنا مع وصف حال الكفر (عمران) فالعمران للبناء وتحسن الحال والتمدن ، ولا نعتقد بأن الشاعر رأى ذلك.
ويكمل الشاعر : (حتى المحاريب تبكي وهي جامدة ، حتى المنابر ترثي وهي عيدان) و ( حتى ) – هنا – ابتدائية غائية، فقد تأثرت كل الموجودات حتى وصل التأثر للمحاريب فأخذت تبكي، والمحراب موضع الإمام، والمنبر: مكان يرتفع يرتقيه الخطيب أو الواعظ، يكلم فيه الجميع ، والمحاريب والمنابر مواضع في المساجد، ومن الطبيعي أن تتأثر ، بل وتأثرها يسبق غيرها من الموجودات خاصة وأنه لم يحدد موقع هذه المحاريب والمنابر ، فجعلها بذلك في كل بقعة إسلامية وقيل بل منابر جوامع الأندلس ، ونحن نرى أن الشاعر لم يوفق في استخدام (حتى) في هذا الموضع لأن المحاريب – لارتباطها بالإسلام – الأسرع تأثراً، و (حتى) – لغائيتها – تجعل ما بعدها نهاية ، فآخر من تأثر المحاريب والمنابر …… وقد يقول قائل، أن ما ذهب إليه الشاعر: أن التأثر تجاوز الإنسان بل والكائنات الحية ووصل إلى الجماد، والمحاريب والمنابر الجامدة تأثرت وعبرت عن مشاعرها ، ولكن الأجسام غير الحية كثيرة، وكان بإمكانه اختيار غيرها …… حتى الصخور أو الجبال …… بكت.
ومن ناحية أخرى فقد وفق في جعل المحاريب تبكي، والبكاء للأحياء، بل للعاقل منها والمحاريب جامدة صلبة ، كما وفق في ربط المنابر (مواقع الخطابة) بالرثاء؛ والرثاء إظهار المناقب والإشادة بإنجازات وشخصية الفقيد ، والعيدان الأغصان أو الأخشاب ، وهي الأصول التي تصنع منها المنابر .
ويكمل (يا راكبين عتاق الخيل ضامرة كأنها في مجال السبق عقبان)، والشاعر هنا يوجه حديثه إلى خلفاء المسلمين ، أو إلى المقاتلين من فرسان الإسلام ، والمدافعين عن الإسلام وثراه ، وعتاق الخيل أروعها وأفضلها ، أي أكثرها أصالة وقدرة ودربة لذا فهي نحيفة ضامرة ، يملؤها النشاط والحيوية، وهي في سرعتها واندفاعها كأنها عقبان ، والعقبان مفردها عقاب من الطيور الجارحة التي تتصف بالقوة وسرعة الانقضاض على فرائسها ، ونحن نعتقد أن بعد (مجال السبق) محذوف ، تقديره للحاق بالفريسة أو بالعدو و ( مجال السبق ) قد يكون وجه الشبه ، فهما يتشابهان في سرعتهما أثناء السباق ، وقد يقصد بـ ( مجال السبق ) أرض المعركة ، ويكون وجه الشبه سرعة الانقضاض ودقته . و(راكبين) نداء منصوب لأنه شبيه بالمضاف . وعطف عليه (وحاملين سيوف الهند مرهفة كأنها في ظلام النقع نيران) ، و (سيوف) كـ (عتاق) تعرب مفعولاً به منصوباً لاسم الفاعل و (سيوف الهند) مشهورة بصلابتها وبترها وتمكن الفارس من مقبضها . ومع أن التعبير بـ ( سيوف الهند ) يحمل كل هذه الدلالات إلا أن الشاعر يبين حالها بقوله (مرهفة) أي مدققة الحد براقة .
ويكمل رسم صورته ، فيجعل هذه السيوف تخوض المعركة ، ويحتدم القتال ، ويرتفع الغبار ويحجب نور الشمس فتظلم الدنيا ، وتبقي السيوف الهندية التي يحملونها برهافتها وحدتها هي مصدر الضوء الوحيد بل النور القوي وكأنها بحركتها وتوزعها وانتقالها نيران نار كبيرة متسعة .
والشاعر جعل هذه الفئة من المسلمين تمتلك قوة عسكرية قوية وضاربة : سلاح الفرسان (عتاق الخيل) والسيوف الهندية المرهفة البتارة ، وأضاف نتيجة منطقية لهذه القوة العسكرية (راتعين وراء البحر في دعة لهم بأوطانهم عز وسلطان) و (راتعين ) متنعمين بالخيرات الوفيرة والقادرين على تحقيق رغباتهم و (وراء البحر) إشارة إلى جميع المسلمين خارج الأندلس وقيل المقصود الذين يعيشون في شمال أفريقيا فهم الأقرب والأقدر على تقديم المساعدة ، وإن كانوا متفرقين في دويلات الطوائف ولكننا لا نزعم بأنه يقصد أهل شبه الجزيرة العربية ، فما كانت الخلافة في تلك الفترة فيهم ولعله يقصد الفاطميين في مصر فهم الذين امتدت دولتهم وتمتعت برفاهية ، وكان بإمكانهم – لو أرادوا - تقديم المساعدة المطلوبة ، ويبقى الاحتمال الأقوى أنه يقصد مسلمي شمال أفريقيا . و (الدعة) : السكينة والراحة، ووفرة أسباب الحياة، وهذه الحياة نتيجة طبيعية لـ (لهم بأوطانهم عز وسلطان) و (العز) القوة والمنعة وهي جالبة لما بعدها (السلطان) .
والأبيات الثلاثة السابقة مع أنها تتحدث عن القوة العسكرية والرفاهية التي يعيشها المسلمون المعنيون (أبناء شمال إفريقيا أو ما عداهم ………) إلا أنها تحمل بذور اتهامات لهم بالابتعاد والانقطاع عن المسلمين . لذا يكمل باستفهام يفيد الاستنكار الممزوج ببعض اللوم وبعض الاستهزاء ( أعندكم نبأ من أهل أندلس ، فقد سرى بحديث القوم ركبان ) وقدم شبه الجملة (عندكم) لأنها موضع الاستنكار …… ألا يكن لديكم أنباء …… وأنتم سادة القوم، وجاء (نبأ) نكرة ليفيد القلة (أي نبأ)، وأهل الأندلس أصحابه وأبناءه الذين يعيشون فيه ويعمروه ………… وقد يبدو الاستفهام حتى الآن حقيقياً ويحتاج إلى إجابة ، لكن التكملة توحي بما ذهبنا إليه من الغرض من الاستفهام يقول (فقد سرى بحديث القوم ركبان) فالحديث عما جرى ويجري في الأندلس يتناقله الركبان (الذين ينتقلون من مكان إلى آخر راكبين) والمقصود التجار والرحالة ورجال العلم الذين مروا بالأندلس أو انطلقوا منها أو سمعوا من الأقوام التي يمرون بها ما حدث ويحدث في الأندلس ، فكيف لا تصل هذه الأنباء إلى الحكام المسلمين الراتعين في دعة ، وأكد الشاعر قوله بـ (قد) . و (سرى) سار ليلاً وتفيد أيضاً معنى الانتشار و (حديث القوم) الحديث الدائر عن القوم، أو حديثهم عن ذاتهم.
هو أبو البقاء صالح بن يزيد الرندي الأندلسي ، ولد سنة (604هـ) . كان حافظا للحديث ، فقيها ، بارعا في منظوم الكلام ومنثوره ، ومن الأغراض التي طرقها المدح والغزل والوصف والزهد ، وكان أبو البقاء مصنفا ، ألف في الفرائض ( تقسيم الإرث ) نظما ونثرا ، وله أيضا مقامات بديعة ، ومن أشهر كتبه : الوافي في نظم القوافي ، ومختصر في الفرائض ، وتوفي أبو البقاء سنة 684هـ .[/b
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المناسبة :
نظم أبو البقاء هذه القصيدة بعد ضياع عدد من المدن الأندلسية ، وسقوطها بيد الإسبان فقال هذه القصيدة يستنصر أهل أفريقيا من بني مرين ، بعد أن أخذ بعض ملوك بني الأحمر بالتنازل عن عدد من القلاع والمدن للإسبان استرضاء لهم ، وأملا في أن يبقى له حكمه على غرناطة ، وكان ذلك نذيرا بسقوط الأندلس ، وزوال ملك المسلمين فيها ، بسبب تناحرهم واستعانتهم بعدوهم .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الاضاءة النقدية :
تعد هذه القصيدة من روائع ما قيل في الشعر العربي في رثاء الممالك والمدن ، ومما زاد في شهرتها ارتباطها بتلك الأحداث المؤلمة التي عصفت بدولة الإسلام في الأندلس ، ونستطيع أن نتبين من خلال النص الوارد بين أيدينا أهم السمات لشعر رثاء الممالك :-
1- صدق العاطفة : ويتضح ذلك من خلال ما ورد في هذه القصيدة من معان معبرة ، وإضفاء طابع الحزن عليها .
2- سهولة الألفاظ ، والإبتعاد عن التعقيد اللفظي والمعنوي وذلك لأن الموقف موقف بكاء ، ولا يحتمل ذلك .
3- تضمين الحكمة لأخذ العبر من الأمم السابقة كما ورد في الأبيات الثلاثة الأولى ، وذكر أحوال الأمم السابقة مثل : قوم عاد ، والفرس ......... وغيرهم .
4- استخدام المحسنات البديعية من طباق وجناس دون تكلف ، مثل قوله : ( سره ، ساءته ) ، ( ومُلك ومَلك )
5- استخدام اسلوب الاستفهام بكثرة لأغراض بلاغية في القصيدة كما في البيت الرابع عشر حيث أفاد الاستفهام معنى التحسر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرح :
( 1 ) يفتح الشاعر قصيدته بذكر حكمة بالغة ومؤثرة لا تعبر عما يكابده ويلاقية من الأسى والحرمان والحزن قائلا : إن كل أمر في هذه الحياة إذا تم بدأ بالنقصان ،ـ فيجب على كل مخلوق ألا يعتبر شيء في هذه الحياة ، فإن نعيمها زائل.
* ( يعتبر البيت حكمة ) ( ”تم ، نقصان )طباق إيجاب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
( 2 ) يقول الشاعر :- إن أمور هذا الكون وحوادثه دول وحالات غير ثابتة ومتقلبة الأحوال ، فمن سره زمن ساءته أزمان والدهر لا يبقى على حالة واحدة ، ويوضح معنى هذا البيت قول الشاعر :-
في ذمة الله إن الدهر خوان منغص العيش أفراح وأحزان
* ( تقديم ضمير الشأن ”هي“ للتخصيص فهو يريد أن يلفت انتباه السامع قائلا : هي الأمور كما شاهدتها دول / فهو كان يستطيع القول شاهدت جميع الأمور دول ) ( سره – ساءته ) طباق إيجاب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
( 3 ) يقول الشاعر :- إن هذه الدار وهذا الدهر لا يبقى أحدا فيه فهو يغني الجميع كذالك لا يبقى على حال واحدة ، فمرة يغمرنا بالأفراح ومرة يسبل علينا ثوب الهموم والأحزان ، فكل نعيم في هذه الدنيا مصيره الزوال ويوضح معنى هذا البيت قول الشاعر :-
ألا كل ما خلا الله باطل وكل نعيم لا محالة زائل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ
( 4 ) يبدأ الشاعر في هذه الأبيات بالتدليل على ما ذكره سابقا من زوال نعم الدنيا وأن دوام الحال من المحال فيتساءل للاعتبار أين ذهب أصحاب الممالك السابقة من الملوك الذين حكموا الأرض أصحاب الطول ، الذين لبسوا التيجان والأكاليل.
* ( أين الملوك ذوو التيجان ) ( اين منهم أكاليل وتيجان ) استفهام إنكاري تعجبي . ( التيجان ) ( تيجان) جناس تام .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ
( 5 ) يواصل الشاعر استدلاله وذكره للأمثلة على ما قاله (ارم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد ) يقول الشاعر متعجبا ( أين ما آتاه وشاده هؤلاء الملوك من حضارة وبنيان وأين ما تحدثنا به الكتب التاريخية من عجائب الأمور ويقول : أين ما بناه وشادة شداد في إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد وأين ما حكمه وخططه الفرس وأين إيوان كسرى وقصره العظيم .
* في هذا البيت يوجد استفهام انكاري تعجبي ، بين ( شاده ، شدّاد ) جناس ناقص ) ،( ساسه ، ساسان ) جناس ناقص .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
( 6 ) يقول الشاعر :- أين ما ملك قارون من الأموال والذهب وأين قوم عاد وشداد وقحطان الذين اشتهروا في زمانهم وزماننا هذا والذين سطرتهم كتب التاريخ لعظمتهم .
* يوجد في هذا البيت استفهام انكاري تعجبي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ
( 7 ) بعد أن تسائل الشاعر أين ذهب هؤلاء جميعا ! وهل استطاعت حضارتهم وما كانوا فيه من النعيم أن تدوم وتبقى ؟ إنها الآن أثر بعد ولم تغن عنهم أموالهم وتيجانهم شيئا وبين مصيرهم جميعا بأنه الموت والفناء فقد أتاهم أمر من الله وقضي عليهم.
* شبه الموت بإنسان يأتي ويذهب على سبيل الاستعارة المكنية .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ
( 8 ) يواصل الشاعر بيان مصير هؤلاء الملوك قائلا :- إن كل من الملوك وملكهم صارا وكأنهما لم يكونا ، وكان ذلك الملك ما هو إلا خيال وحلم.
* (مُلك ، ملك) يوجد جناس ناقص .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــ
(9) في هذا البيت يسلي الشاعر نفسه ويعزيها عما حل بديار المسلمين من دمار وتخريب ليأخذ المسلمون العبرة من ذلك ويتعظوا بما حدث ويقول إن هذا الأمر ليس غريبا فقد دار وانقلب الزمان على دارا وقاتله كما أم (من الإمامة) الناس وتولاهم ولاكن لم يحميه إيوانه وقصره العظيم منهم ومن كيدهم (يريد أن يقول أن ضياع دولة المسلمين في الأندلس ليس غريبا فقد حصل ذلك أيضا للعديد من الممالك والملوك).
* (دار الزمان) شبه الزمان بالشيء الذي يغدر وينقلب على صاحبه وحذف المشبه به على سبيل الاستعارة المكنية .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(10) يقول الشاعر إن مصائب الدهر وحوادثه الضخمة والشديدة عزاء لما أصابه ، ولكن ما حل بالإسلام ليس له عزاء لشدة وعظم المصيبة فلا يستطيع أي انسان نسيان هذه المصيبة .
* (سلوان – سلوان) جناس تام .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ
(11) يدلل الشاعر على ما قاله في البيت السابق فيصور هول المصيبة وشدتها لدرجة تصدع الجبال الراسيات (أحد وثهلان) حتى كادت أن تسقط .
* (هوى له أحد وانهد ثهلان) كناية على شدة وقع المصيبة وهولها .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(12 - 13 - 14) يبدأ الشاعر بذكر ما أصاب ديار الإسلام في الأندلس متحسرا على تلك المدن التي ضاعت من ليديهم لاسيما (بلنسية- مرسية- شاطبة- جيّان- قرطبة- حمص) ويبين ما حل بها من مصائب وأهوال ويعدد مناقب هذه المدن وفضائلها قائلا : أين قرطبة التي كانت تزخر بالعلوم والمعارف والتي أخرجت الكثير من العلماء الذين أصبح لهم شأن كبير في سبيل الرقي والازدهار، وأين حمص وروابيها وإزهارها وأنهارها العذبة المليئة بالخير العميم.
* الأسلوب في البيت استفهامي غرضه التحسر والتعجب).
رثاء الممالك
أولاً من حيث المضمون :
حزن وأسى لما حل بمسلمي الأندلس من بلاء عظيم ودعوة لاستنهاض الهمم لنجدتهم .
الأفكار الرئيسة :
- التغيير ديدن الحياة والتقلب قانونها الأساسي الذي لا تحيد عنه . (1 – 2)
- سقوط الأندلس في يد الفرنجة ، وما حل بها من مصائب ونكبات . (3 – 6)
- استنهاض همم المسلمين لنجدة مسلمي بلاد الأندلس . (7 – 10)
- وصف معاناة مسلمي بلاد الأندلس وما أصابهم . (11- 12)
- دعوة المسلمين للوحدة ، واستنفار الهمم لرفع الذل عن أهل الأندلس . (13- 15)
- خطاب لإنسانية المسلم ، ووصف ما حل بالمسلمين في الأندلس . (16)
الحقائق :
- انتهاء حكم المسلمين في الأندلس . (حقيقة تاريخية)
- ضعف المسلمين زمن انتهاء حكم المسلمين في الأندلس . (حقيقة تاريخية)
الآراء :
لكل شيء إذا ما تم نقصان / لا يغر بطيب العيش إنسان / الأمور دول / من سره زمن ساءته أزمان / دهى الجزيرة أمر لا عزاء له / هوى له أحد وانهد نهلان / تبكي الحنيفية البيضاء من أسف / بكى لفراق الأهل هيمان / ديار من الإسلام خالية / قد أقفرت / لها بالكفر عمران / المحاريب تبكي / / المنابر ترثي / كأنها في مجال السبق عقبان / حاملين سيوف الهند مرهفة / كأنها في ظلام النقع نيران / راتعين وراء البحر في دعة / لهم بأوطانهم عز وسلطان / كم يستغيث بنو المستضعفين وهم أسرى وقتلى فما يهتز إنسان / ماذا التقاطع في الإسلام بينكم / أنتم يا عباد الله إخوان / ……… أما على الخير أنصار وأعوان / ذلة قوم بعد عزهم / أحال حالهم كفر وطغيان / حيارى لا دليل لهم / عليهم من ثياب الذل ألوان / لهالك الأمر واستهوتك أحزان / تقرق أرواح وأبدان / يذوب القلب من كمد / إن كان في القلب إسلام وإيمان .
المفاهيم :
عزاء / الإلف / الكفر / الغرور / هيمان / الرثاء / الدعة / طغيان / المحراب / المنبر / الأسير .
المبادئ :
لكل شيء إذا ما تم نقصان / لا يغر بطيب العيش إنسان .
مساعدة المسلمين / تجنب الأشياء التي قد تضر بالإنسان / المحافظة على المساجد / نجدة المستغيث / عدم الركون لطيب العيش / استخلاص العبر من سقوط المدن الأندلسية في يد الأسبان / الأخذ بمادة الإسلام والشريعة الإسلامية / العمل على إعادة المساجد والمنابر لحضن الإسلام / الاتحاد لمقاومة الأعداء وعدم التنازع والتفرقة / الدعوة إلى الجهاد الإسلامي / عدم الاغترار بطيب العيش / إعداد القوة والجيش لمواجهة الأعداء / عدم السعي وراء نعيم الحياة الزائل / مساعدة الإخوان ومناصرتهم / نبذ الخلافات بين المسلمين .
المواقف
- موقف الشاعر من الحياة : لا تبقى على حال ( كل شيء إذا ما تم نقصان ) ، ( الأمور كما شاهدتها دول )
- موقف الشاعر من سقوط الأندلس : مصدوم لما حدث لها ( دهى الجزيرة أمر لا عزاء له ) ، ( ديار من
الإسلام خالية )
- موقف الشاعر من الحكام العرب : يأخذ عليهم تخاذلهم ( راتعين وراء البحر في دعة ) ، ( كم يستغيث بنو
المستضعفين …… فما يهتز إنسان ) ، ( أنتم يا عباد الله إخوان ) .
- موقف الشاعر من مسلمي الأندلس : مكلوم بما أصابهم ( حيارى لا دليل لهم) ، ( عليهم مـن ثياب الذل
ألوان ) ، ( لو رأيت بكاهم عنـد بيعهم لهالك الأمر واستهوتك
أحزان ) ، ( يذوب القلب من كمد ) .
العاطفة :
سيطرت على الشاعر في هذا النص مزيج من العواطف الدينية والوطنية التي يشيع فيها صدق التأثر وروعة الحماسة ، فقد عبر تعبيراً صادقاً عن موقف عاناه وتجربة عاشها وتأثر بها .
المفردات : ( بالإضافة لما فسر في الكتاب )
يغر / عزاء / هوى / الإلف / أقفرت / المحراب / المنبر / ترثي / عيدان / عتاق / مرهفة / راتعين / سرى / التقاطع / همم / هالك / طغيان / استهوتك / حيل .
التراكيب :
يغر بـ / عزاء لـ / هوى لـ / تبكي من / تبكي لـ / تبكي على /خالية من / راتعين في / سرى بـ / التقاطع في / يذوب من / أنصار على / دليل على …..
الأساليب :
التوكيد : قد أقفرت / فقد سرى بحديث القوم ركبان / أنتم إخوان /
- تقديم المفعول به : دهى الجزيرة أمر /
-تقديم شبه الجملة : لها بالكفر عمران / كأنها في ظلام النقع نيران / لهم بأوطانهم عز / سرى بحديث
القوم ركبان / عليهم من ثياب الذل ألوان / لمثل هذا يذوب القلب .
النفي : لا عزاء له / فما يهتز لإنسان / لا دليل لهم .
النهي : لا يغر بطيب العيش لإنسان /
النداء : يا راكبين / يا من لذلة قوم بعد عزهم / يا عباد الله /
الاستفهام : أ عندكم نبأ من أهل أندلس ؟ / ماذا التقاطع في الإسلام بينكم ؟ / ألا نفوس هم أبيات لها همم
؟ / أما على الخير أنصار وأعوان ؟
الشرط : لكل شيء إذا ما تم نقصان / من سره زمن ساءته أزمان / لو تراهم حيارى لا دليل لهم ……/
لو رأيت بكاهم عند بيعهم لهالك الأمر / إذا كان في القلب إسلام وإيمان …….
كم الخبرية : كم يستغيث بنو المستضعفين .
التشبيه : كما بكى لفراق الإلف هيمان / كأنها في مجال السبق عقبان / كأنها في ظلام النقع نيران / كما
تفرق أرواح وأبدان .
دلالة الألفاظ :
طيب العيش / يغر / دهى الجزيرة / أمر كما شاهدتها / من سره زمن ساءته أزمان / هوى له أحد / تبكي الحنيفية البيضاء / لها بالكفر عمران / المحاريب تبكي / المنابر تبكي / عتاق الخيل ضامرة / سيوف الهند / راتعين وراء البحر في دعة / التقاطع في الإسلام / سرى بحديث القوم ركبان / فما يهتز إنسان .
من سره زمن ساءته أزمان / هي الأمور كما شاهدتها دول / تبكي الحنيفية البيضاء / ديار من الإسلام خالية / لها بالكفر عمران / ديار الإسلام قد أقفرت / المحاريب تبكي / المنابر تبكي / كأنها في مجال السبق عقبان / راتعين وراء البحر / كأنها في ظلام النقع نيران / عليهم من ثياب الذل ألوان / هالك الأمر واستهوتك أحزان / يذوب القلب من كمد .
قواعد اللغة العربية
- الشرط وأجزاءه : ( بالرجوع إلى الأساليب اللغوية )
- كم الخبرية : كم يستغيث بنو المستضعفين .
- اسم الفاعل : جامدة / راكبين / راتعين/ ضامرة .
- اسم المفعول : مرهفة / مستضعف .
- المصادر : العيش / أمر / أسف / فراق / كفر / سبق / عزّ / التقاطع / الإسلام / الخير / طغيان / بُكاهم /
بيع / كمد / إيمان / الذُل .
- الهمزة المتطرفة : شيء / البيضاء / نبأ / عزاء / وراء .
- الهمزة المتوسطة : ساءته / رأيت
- الأسماء والأفعال المنتهية بألف : دهى / بكى / أسرى / قتلى / حيارى .
أهمية الموضوع :
تتقلص الأراضي الإسلامية ، تقطّع ، تنهب ، فنفخر بماضينا المجيد ، تسبى أراضينا وممتلكاتنا وكرامتنا ، فنعتز بالكرم العربي الفريد ، تغتال رجولتنا ، فنهلل ، لقد كتبت عند الله مع الشهداء المكرمين …… نملك موسوعة من عبارات الكذب والإدعاء والنفاق ، تفوق في امتدادها امتداد تاريخنا المشرف والمهين .
نختلق أسباباً لانحدارنا وتهاوينا ، لكننا ننزه ذاتنا أن نكون لذلك سبباً ، نهاجم من يقوم بدراستنا ، خشية أن يهتدي إلى الكامن فينا ……… فمتى نؤمن أن لا علاج بدون تشخيص ؟ !
الأفكار :
جاءت أفكار النص في مجملها تخدم الموضوع الذي تناوله الشاعر ، يبدأ نصه بحكمة وبمبدأ ( لكل شيء إذا ما تم نقصان ) ، ( من سره زمن ساءته أزمان ) في إشارة إلى أن الموضوع المتحدث عنه يشير إلى التغيير من الحسن إلى السيئ ) وينتقل للحديث عن لب الموضوع : ما أصاب ويصيب بلاد الأندلس من مصائب عظيمة تصعب المواساة فيها ( دهى الجزيرة أمر لا عزاء له ) ، اهتزت لهولها جبال شبه الجزيرة العربية ، وبكت الشريعة الإسلامية آسفة على فقدان مواقع لها ( بكت الحنيفية البيضاء من أسف …… علـى ديار من الإسلام خالية ) وحلول الكفر بدل الإيمان فيها ، وبالغ شاعرنا فأبكى المحاريب والمنابر على الإسلام المفقود في الأندلس.
ثم وجه حديثه للجيوش الإسلامية المدججة بالسلاح والقادرة على إحداث التغيير وجلب النصر ( يا راكبين عتاق الخيل ضامرة ) ، ( حاملين سيوف الهند مرهفة ) والذين يعيشون بسبب هذه القوة حياة رغد ودعة ( راتعين وراء البحر في دعة ) ، ( لهم بأوطانهم عز وسلطان ) حتى أنهم ما عادوا يهتمون بأنباء المسلمين في البلدان الأخرى ، رغم أن المسافرين يتناقلون هذه الأنباء والأحداث ( سرى بحديث القوم ركبان ) ، ويتحدثون عن استغاثة الأندلسيين دون استجابة (كم يستغيث بنو المستضعفين وهم أسرى وقتلى فما يهتز إنسان)
ويوج لومه إلى البلدان الإسلامية المتنافرة (ماذا التقاطع في الإسلام بينكم) ، رغم ما يدعو إليه الإسلام من إخاء. ويتساءل ألا توجد( نفوس أبيات لها همم ) تعيد الإسلام إلى الأندلس . ويتحدث عن حال الأندلسيين بعدما حل بهم (يا من لذلة قوم بعد عزهم) وعن حيرتهم بدون قائد أو مرشد لهم (حيارى لا دليل لهم) يهربون من الأسر والبيع كعبيد (لو رأيت بكاهم عند بيعهم لهالك الأمر واستهوتك أحزان) ويقدم مثالاً لذلك (أم وطفل حيل بينهما كما تفرق أرواح وأبدان) وهي مواقف تذيب قلوب المسلمين حزناً وأسى ، فهل بقي مسلمون ومؤمنون ……….
كتب الشاعر نصه في القرن الهجري السابع، تدفعه مشاعر الألم لما يحل بالإسلام والمسلمين في الأندلس، لذا جاءت عاطفته مزيجاً من العاطفة الذاتية والدينية، واستخدم ألفاظاً دالة على المعاناة والحزن، ولأن غرض الشاعر استثارة همم الأمة الإسلامية لنصرة إخوانهم فقد استخدم مفردات سهلة مألوفة، وإن احتوت على ألفاظ جديدة علينا، فمرد ذلك المسافة الزمنية بين وقت كتابة القصيدة وتلقي السامع لها.
يبدأ الشاعر نصه برأي ومبدأ وحكمة، فعبارته تحوى الثلاثة، يقول (لكل شيء إذا ما تم نقصان) فبعد أن يصل الشيء في مراحل نموه إلى تمام النضج والكمال حتى يبدأ في التناقص، قدرة وكمالاً وهذا ما فهمه المسلمون والصحابة من قوله تعالى على لسان رسوله: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) فاستشعروا قرب انتقال الرسول إلى الرفيق الأعلى فكأننا في بداية حياتنا نصعد إلى أعلى منحنى النمو والكمال والتمام فمتى وصلنا القمة نبدأ بالانحدار، أي يتناقص هذا الكمال هبوطاً إلى الانتهاء، وينطبق هذا المبدأ على الإنسان، كما ينطبق على الدول وهذا ما ذكره ابن خلدون في مقدمته ……… وقدم شبه الجملة (لكل شيء) للتعميم، واستخدم اسم الشرط (إذا) الذي يؤكد ما بعده (النقصان بعد التمام) ، و (ما) بعد (إذا) زائدة، والتضاد بين ( تم ) و (نقصان) لتوضيح المعنى ولا يفيد – هنا – الشمول، وأصل أسلوب الشرط: ( إذا ما تم كل شيء بدأ نقصه )، أو ما شابه، وتأتي النتيجة، أو التطبيق لهذا المبدأ (فلا يغر بطيب العيش إنسان) و (لا) ناهية، و (يغر) فعل مضارع مجزوم بلا الناهية وعلامة جزمه سكون مقدر للتعذر بسبب التقاء ساكنين: حرف الراء الأول والثاني المدغم، والراء آخر الفعل المضارع، والعرب استبدلت بالسكون الثاني في هذا الموقع أحد أمرين: ضم الراء الثانية (فلا يغرُّ) أو فتحها (لا يغرَّ) والفتح أخف في النطق وأدل على حدوث تغيير في الإعراب ناجم عن دخول لا الناهية، وحتى لا يحدث التباس بلا النافية، التي لا تعمل في الفعل المضارع، وقدم (طيب العيش) للتحديد ، وقيل بل لضبط الوزن ، وربما للأمرين معاً . وجاءت (إنسان) نكرة للتعميم .
ويكمل (هي الأمور – كما شاهدتها – دول) و (هي) ضمير الشأن أو القصة أو الحكاية ……… مبتدأ مبني في محل رفع والجملة الاسمية (الأمور دول) في محل رفع الخبر، وقيل : بل هي مبتدأ، والأمور: بدل منها ودول خبر المبتدأ، و(أل) في (الأمور) جنسية لا عهدية، فلا تكسبها تعريفاً، و (شاهد) الشيء رآه، أو عايشه أوعاصره، أو تأمله وحلله، فاكتشف أنها لا تبقى على حال، أو كما يقولون: (بقاء الحال من المحال ) ……… ويصل من خلال خبرته إلى تعميم أو مبدأ (من سره زمن ساءته أزمان) ومع أن الأفعال المستخدمة ماضوية إلى أنها من خلال صوغها في مبدأ أو تعميم اكتسبت معنى الاستمرار ( الماضي والحاضر والمستقبل ) واستخدم (زمن) مع ( سره ) و ( أزمان ) مع ساءته ليشير إلى طول فترة الشقاء، وقصر فترة السعادة.
ونقف مع الشاعر عند هذا التقديم الذي يرى فيه أن من الطبيعي أن يخلف الكمال نقصاناً وأن الحزن يفوق السرور في امتداده الزمني وفي الإحساس به، وكأنه يقول: إن ما حدث في الأندلس يتفق مع طبيعة الأمور، ومع المبادئ الكونية، ونتساءل: إذا كانت هذه سنة الحياة، فأين التناقض، ولماذا نحزن نستاء من الأشياء العادية والمتوقعة. إن إدراك هذه المبادئ يخفف من إحساسنا بالمصيبة، ويجعلنا أكثر تقبلاً لها، ورضا بواقعنا الجديد لكننا نحزن عند وفاة عزيز علينا، مع إدراكنا أن الموت حق ………… ومع هذا فنحن لسنا مع هذا التقديم – رغم موافقتنا على المبادئ المذكورة – لأنه يتنافى واستثارة الهمم لرفض ما حل بالأندلس، والتصدي له بالقوة ، وهذا أحد أغراض الشاعر من نصه . فليس هذا الموقع المناسب للاستشهاد بالمبادئ المذكورة. وربما رأى البعض أن الحديث في البيتين السابقين موجه إلى الحكام والقادة والخلفاء المسلمين، فحالكم هذا من قوة وعز ورفاهية حال غير دائم، وسيأتيكم زمن تحتاجون فيه إلى مساعدة الآخرين، وربما تستغيثون استغاثاتم ، فاتعظوا، وانهضوا لنصرة إخوانكم، فالبيتان بهذه الرؤية، يحملان معاني الحث والاستنهاض.
وينتقل بعد ذلك إلى عرض ما حل بالأندلس فيقول : (دهى الجزيرة أمر لا عزاء له) و (دهى) أصابها بداهية، أي مصيبة عظيمة، وقصد بالجزيرة الأندلس، وجاءت (أمر) نكرة لتفيد التضخيم، وهي نكرة غير محضة بسبب وصفها بـ (لا عزاء له) والعزاء: المواساة والتسرية للتخفيف عن المصاب، و (لا) نافية للجنس، أي نافية لأي عزاء ممكن أو محتمل والعبارة تشير إلى عظم المصيبة التي حلت، وهي داهية لا ينحصر أثرها في بلاد الأندلس، بل يمتد إلى كل البقاع الإسلامية، فنرى جبل أحد قد هوى وجبل ثهلان انهد . ويختلف معنى (هوى) عن معنى (انهد) ، فـ (هوى) تعني سقط من أعلى إلى أسفل ، وتحطم بسبب سقوطه، و (هوى) أيضاً ثكل ، أما (انهد) فتعني: وهن وضعف، كما تعني انكسر بشدة وبصوت، والانكسار مادي ومعنوي، وإذا كان (أحد) يرتبط بذاكرة الإسلام والمسلمين وشهد انتصار المسلمين وهزيمتهم، فنحن لا نجد مناسبة لاختيار جبل (ثهلان) إلا إتمام القافية والميزان الشعري وقد يرى البعض أن جبل ( أحد ) ليس الاختيار الأنسب، لأنه ارتبط في أذهان المسلمين بالهزيمة، لا بالنصر . وقد يكون سبب الاختيار يرتبط بحجم الجبلين (أحد وثهلان) وكونهما من أضخم جبال شبه الجزيرة العربية ، أي يفترض أن يكونا أكثر تحملاً من غيرهما .
ويكمل الشاعر (تبكي الحنيفية البيضاء من أسف كما بكى لفراق الألف هيمان) و (الحنيفية) كناية عن الإسلام ، دين الحق والعدل والخير و (البيضاء) كناية عن سماحتها ونقائها وعطائها والإسلام يبكي حزناً وأسى على ما أصاب مدن الأندلس من انهيارات وضياع، ويشبهه بألم الفراق الذي يصيب الهيمان (شديد الحب والوجد) إذا فارقه أليفه (حبيبه) الذي يألفه، وهي مقارنة نرى أن الشاعر لم يوفق فيها، فرغم وجه الشبه الذي سعى إليه الشاعر (شدة الألم وعظم المصاب) إلا أن مقارنة سقوط مدن الأندلس ، بفراق المحب ليست بالاختيار الأنسب لإظهار عظم المصاب ، فلسنا في موقف استحضار صورة محب فقد حبيبه …… فاختيار الصورة المقدمة للمشابهة لا يحقق مشاعر الحزن والأسى بل قد تستحضر نفوراً واستهجاناً، من هذه العلاقة التي قد توحي بالعشق والخروج عن روح الإسلام …………
ويبين الشاعر سبب بكاء (الحنيفية البيضاء من أسف) فيقول مكملاً على ديار من الإسلام خالية….) و (ديار) جمع دار وتعني – هنا – المدن، وقدم (من الإسلام) لتحديد سبب البكاء ، وقيل لضرورة الوزن ولعله للأمرين معاً، و (خالية) لا تفي بالغرض ، وربما كان الأفضل (أخليت) أو أوجدت على الإخلاء لن خالية قد تفيد لم يصلها الإسلام سابقاً ، لكنه يعود ليوضح مضمون خالية: (قد أقفرت)، و (أقفرت) تعني كانت عامرة ثم تحولت ، فوزن (أفعل) من معانيه الصيرورة أي صارت قفراً، وبعد أقفرت محذوف تقديره (من الإسلام) .
ويكمل (ولها بالكفر عمران) وشبه الجملة (لها) في محل رفع خبر مقدم، ولا يصلح (بالكفر) خبراً لعمران ، ونحن لسنا مع وصف حال الكفر (عمران) فالعمران للبناء وتحسن الحال والتمدن ، ولا نعتقد بأن الشاعر رأى ذلك.
ويكمل الشاعر : (حتى المحاريب تبكي وهي جامدة ، حتى المنابر ترثي وهي عيدان) و ( حتى ) – هنا – ابتدائية غائية، فقد تأثرت كل الموجودات حتى وصل التأثر للمحاريب فأخذت تبكي، والمحراب موضع الإمام، والمنبر: مكان يرتفع يرتقيه الخطيب أو الواعظ، يكلم فيه الجميع ، والمحاريب والمنابر مواضع في المساجد، ومن الطبيعي أن تتأثر ، بل وتأثرها يسبق غيرها من الموجودات خاصة وأنه لم يحدد موقع هذه المحاريب والمنابر ، فجعلها بذلك في كل بقعة إسلامية وقيل بل منابر جوامع الأندلس ، ونحن نرى أن الشاعر لم يوفق في استخدام (حتى) في هذا الموضع لأن المحاريب – لارتباطها بالإسلام – الأسرع تأثراً، و (حتى) – لغائيتها – تجعل ما بعدها نهاية ، فآخر من تأثر المحاريب والمنابر …… وقد يقول قائل، أن ما ذهب إليه الشاعر: أن التأثر تجاوز الإنسان بل والكائنات الحية ووصل إلى الجماد، والمحاريب والمنابر الجامدة تأثرت وعبرت عن مشاعرها ، ولكن الأجسام غير الحية كثيرة، وكان بإمكانه اختيار غيرها …… حتى الصخور أو الجبال …… بكت.
ومن ناحية أخرى فقد وفق في جعل المحاريب تبكي، والبكاء للأحياء، بل للعاقل منها والمحاريب جامدة صلبة ، كما وفق في ربط المنابر (مواقع الخطابة) بالرثاء؛ والرثاء إظهار المناقب والإشادة بإنجازات وشخصية الفقيد ، والعيدان الأغصان أو الأخشاب ، وهي الأصول التي تصنع منها المنابر .
ويكمل (يا راكبين عتاق الخيل ضامرة كأنها في مجال السبق عقبان)، والشاعر هنا يوجه حديثه إلى خلفاء المسلمين ، أو إلى المقاتلين من فرسان الإسلام ، والمدافعين عن الإسلام وثراه ، وعتاق الخيل أروعها وأفضلها ، أي أكثرها أصالة وقدرة ودربة لذا فهي نحيفة ضامرة ، يملؤها النشاط والحيوية، وهي في سرعتها واندفاعها كأنها عقبان ، والعقبان مفردها عقاب من الطيور الجارحة التي تتصف بالقوة وسرعة الانقضاض على فرائسها ، ونحن نعتقد أن بعد (مجال السبق) محذوف ، تقديره للحاق بالفريسة أو بالعدو و ( مجال السبق ) قد يكون وجه الشبه ، فهما يتشابهان في سرعتهما أثناء السباق ، وقد يقصد بـ ( مجال السبق ) أرض المعركة ، ويكون وجه الشبه سرعة الانقضاض ودقته . و(راكبين) نداء منصوب لأنه شبيه بالمضاف . وعطف عليه (وحاملين سيوف الهند مرهفة كأنها في ظلام النقع نيران) ، و (سيوف) كـ (عتاق) تعرب مفعولاً به منصوباً لاسم الفاعل و (سيوف الهند) مشهورة بصلابتها وبترها وتمكن الفارس من مقبضها . ومع أن التعبير بـ ( سيوف الهند ) يحمل كل هذه الدلالات إلا أن الشاعر يبين حالها بقوله (مرهفة) أي مدققة الحد براقة .
ويكمل رسم صورته ، فيجعل هذه السيوف تخوض المعركة ، ويحتدم القتال ، ويرتفع الغبار ويحجب نور الشمس فتظلم الدنيا ، وتبقي السيوف الهندية التي يحملونها برهافتها وحدتها هي مصدر الضوء الوحيد بل النور القوي وكأنها بحركتها وتوزعها وانتقالها نيران نار كبيرة متسعة .
والشاعر جعل هذه الفئة من المسلمين تمتلك قوة عسكرية قوية وضاربة : سلاح الفرسان (عتاق الخيل) والسيوف الهندية المرهفة البتارة ، وأضاف نتيجة منطقية لهذه القوة العسكرية (راتعين وراء البحر في دعة لهم بأوطانهم عز وسلطان) و (راتعين ) متنعمين بالخيرات الوفيرة والقادرين على تحقيق رغباتهم و (وراء البحر) إشارة إلى جميع المسلمين خارج الأندلس وقيل المقصود الذين يعيشون في شمال أفريقيا فهم الأقرب والأقدر على تقديم المساعدة ، وإن كانوا متفرقين في دويلات الطوائف ولكننا لا نزعم بأنه يقصد أهل شبه الجزيرة العربية ، فما كانت الخلافة في تلك الفترة فيهم ولعله يقصد الفاطميين في مصر فهم الذين امتدت دولتهم وتمتعت برفاهية ، وكان بإمكانهم – لو أرادوا - تقديم المساعدة المطلوبة ، ويبقى الاحتمال الأقوى أنه يقصد مسلمي شمال أفريقيا . و (الدعة) : السكينة والراحة، ووفرة أسباب الحياة، وهذه الحياة نتيجة طبيعية لـ (لهم بأوطانهم عز وسلطان) و (العز) القوة والمنعة وهي جالبة لما بعدها (السلطان) .
والأبيات الثلاثة السابقة مع أنها تتحدث عن القوة العسكرية والرفاهية التي يعيشها المسلمون المعنيون (أبناء شمال إفريقيا أو ما عداهم ………) إلا أنها تحمل بذور اتهامات لهم بالابتعاد والانقطاع عن المسلمين . لذا يكمل باستفهام يفيد الاستنكار الممزوج ببعض اللوم وبعض الاستهزاء ( أعندكم نبأ من أهل أندلس ، فقد سرى بحديث القوم ركبان ) وقدم شبه الجملة (عندكم) لأنها موضع الاستنكار …… ألا يكن لديكم أنباء …… وأنتم سادة القوم، وجاء (نبأ) نكرة ليفيد القلة (أي نبأ)، وأهل الأندلس أصحابه وأبناءه الذين يعيشون فيه ويعمروه ………… وقد يبدو الاستفهام حتى الآن حقيقياً ويحتاج إلى إجابة ، لكن التكملة توحي بما ذهبنا إليه من الغرض من الاستفهام يقول (فقد سرى بحديث القوم ركبان) فالحديث عما جرى ويجري في الأندلس يتناقله الركبان (الذين ينتقلون من مكان إلى آخر راكبين) والمقصود التجار والرحالة ورجال العلم الذين مروا بالأندلس أو انطلقوا منها أو سمعوا من الأقوام التي يمرون بها ما حدث ويحدث في الأندلس ، فكيف لا تصل هذه الأنباء إلى الحكام المسلمين الراتعين في دعة ، وأكد الشاعر قوله بـ (قد) . و (سرى) سار ليلاً وتفيد أيضاً معنى الانتشار و (حديث القوم) الحديث الدائر عن القوم، أو حديثهم عن ذاتهم.