Skip to main content
User Image

حسن بن جابر المدري الفيفي Hasan J. Alfaify

Assistant Professor

أستاذ الأدب والنقد المساعد، رئيس وحدة التطوير بكلية الآداب Assistant Professor of Classical Arabic Literature

العلوم اﻹنسانية واﻻجتماعية
1ب 48
blog

من لم يمُت بالغدر مات بالملح! (مهارات القراءة)

 (من كتاب ثمرات الأوراق. لابن حِجَّة الحَمَوي)
    
     لما خرج أبو جعفر المنصور يريد الحج بالناس، قال لعيسى بن موسى[1] الهادي: أنت تعلم أن الخلافة صائرة إليك، وأريد أن أسلم لك عمي وعمك[2]؛ عبد الله بن علي[3]، فخذه وأقتله وإياك أن تجبن في أمره. ثم مضى المنصور إلى الحج، وكتب إليه من الطريق يستحثه على ذلك، فكتب إليه: قد أنفذتُ أمرَ أمير المؤمنين. وكان الأمر بخلاف ذلك. فلم يشكّ أبو جعفر أنه قتله
 
     ودعا عيسى بن موسى كاتبه يونس، فقال له: إن المنصور دفع إليّ عمه وأمرني بقتله، فقال: له: يريد أن يقتلك به، فإنه أمرك بذلك سراً، ويدّعي به عليك علانية، والرأي أن تستره في منزلك ولا تطلع عليه أحداً، فإن طلبه منك علانية دفعته إليه علانية، ولا تدفعه إليه سراً أبداً. ففعل ذلك
 
     وقدم المنصور، فدس على عمومته من يحركهم أن يسألوا المنصور أن يهب لهم أخاهم عبد الله، ففعلوا ذلك، وكلموه، فأجاب، وقال: نعم، علي بعيسى بن موسى، فأتاه، فقال: يا عيسى، كنت دفعت إليك عمي وعمك عبد الله قبل خروجي إلى الحج وأمرتك أن يكون في منزلك مكرما. قال: قد فعلت ذلك. قال: قد كلمني فيه عمومتك، فرأيت الصفح عنه، فأتني به. قال يا أمير المؤمنين ألم تأمرني بقتله؟ قال: لا، بل أمرتك بحبسه عندك
 
     ثم قال المنصور لعمومته: إن هذا قد أقر لكم بقتل أخيكم، وأدّعى أني أمرته بذلك، وقد كذَب. قالوا فادعه إلينا نقتله قال شأنك فأخرجوه إلى صحن الدار واجتمع الناس واشتهر الأمر فقام أحدهم وشهر سيفه وتقدم إلى عيسى ليضربه فقال عيسى لا تعجلوا فإن عمي حي ردوني إلى أمير المؤمنين فردوه إليه فقال يا أمير المؤمنين إنما أردت بقتله قتلي هذا عمك حيا إن أمرتني بدفعه إليهم دفعته قال ائتنا به فأتى به فجعله في بيت فسقط عليه فمات.
 
     وكان المنصور قد وضع في أساس البيت ملحاً لما شرع في عمارته وأعده لهذا المعنى ولما جلس فيه عمه أجرى الماء في أساس البيت سرا بحيث لا يشعر به أحد فذاب المليح وسقط البيت وركب المنصور بعد موت عمه وفي خدمته عباس ابن المتوفي وكان يباسطه في كل وقت فقال له المنصور وهو يحادثه هل تعرف ثلاثة في أول أسمائهم عين قال لا أعرف إلا ما تقول العامة يا أمير المؤمنين إن عليا قتل عثمان وكذبوا والله وعبد الملك بن مروان قتل عبد الله بن الزبير وسقط البيت على عم أمير المؤمنين.
 
     قال فضحك المنصور وقال إذا سقط البيت على عمي فما ذنبي قال قلت ما لك ذنب يا أمير المؤمنين
    
     وقتل عبد الله كان بسبب البيعة التي تقدمت له مع السفاح وشرحها يطول[4].

-----------------------------------------------------

[1] - ابن أخ الخليفتين السفاح والمنصور، ووليّ عهد المنصور.

[2] - هو في الواقع عم أبيه موسى.

[3] - عبدالله بن علي بن عبدالله  بن عباس، عم الخليفتين السفاح والمنصور، وهو الذي هزم الجيش الأموي في العراق ثم استولى على مقر حكمهم في دمشق.

[4] - بعد موت السفاح ادّعى عمّه عبد الله أنه وليّ عهده، وبايعه أهل الشام بالخلافة، فقاتله المنصور، فهرب إلى العراق، ثم قُبض عليه لاحقا.