Skip to main content
User Image

حسن بن جابر المدري الفيفي Hasan J. Alfaify

Assistant Professor

أستاذ الأدب والنقد المساعد، رئيس وحدة التطوير بكلية الآداب Assistant Professor of Classical Arabic Literature

العلوم اﻹنسانية واﻻجتماعية
1ب 48
blog

نبذة عن النثر في عصر الدول المتتابعة (نثر قديم [٣])

• نبذة عن النثر في عصر الدول المتتابعة (1)

نعني بعصر الدول المتتابعة تلك الدول التي استقلت كليا أو جزئيا في أواخر العصرين العباسي والفاطمي، وكان لها تأثير في الثقافة العربية عموما، وفي النثر على وجه الخصوص، وهي: 
أ- الدولة الزنكية، استمرت 58 سنة (521-579هـ/1126-1183م). 
ب- الدولة الأيوبية، استمرت حوالي 70 سنة (579-648هـ/1183-1250م). 
ج- الدولة المملوكية، استمرت 274 سنة (648-922هـ/1250-1517م). 
د- الدولة العثمانية، استمرت في الجزيرة العربية أكثر بقليل من 400 سنة (922- 1334هـ/1517-1916م).

بدأت الدولة الزنكية في الموصل شمال العراق ثم امتدت ليشمل حكمها الشام ومصر، ولكن حكمهم لم يتجاوز ستين عاما؛ إذ خلفهم الأيوبيون الذين أنهَوا الدولة الفاطمية في مصر عام 567هـ ثم ورثوا مناطق الزنكيين بعد حوالي 10 سنوات. لم تدُم سلطنة الأيوبيين بدورها أكثر من عدة عقود؛ لتصعد قوة جديدة هي قوة المماليك التي حكمت أجزاء واسعة من المشرق العربي من 648- 922هـ (2)، حينما قضت عليهم الدولة العثمانية لتحكم العالم العربي حوالي أربعة قرون، فالحجاز مثلا عاشت تحت الحكم العثماني ما بين 922- 1334هـ/ 1517-1915م.

ذلك هو الإطار الزماني، أما الإطار المكاني، فهو موطن حكم هذه الدول، وهو بلاد الشام ومصر، في المقام الأول، وبعض أرجاء الجزيرة العربية كالحجاز واليمن. أما ما كان خارج هذه البلاد في العصر العثماني فلا يدخل في إطار البحث، لأن المراكز الثقافية والفكرية والأدبية الكبرى كانت في أرض الشام ومصر في الدرجة الأولى.

• الحالة الثقافية العامة لتلك العصور

ظلت اللغة العربية هي اللغة الرسمية للزنكيين والأيوبيين والمماليك، مع أن أصولهم غير عربية، ولذا اهتم قادة تلك الدول جميعهم بإنشاء المدارس العربية، وحث الطلبة على العلم، ورصد المكافآت المغرية للمبرّزين، وتكريم العلماء، وتوفير المناخ الطيب لإنتاجهم. وكان بناء المساجد يساير حركة بناء المدارس. والمساجد في عهدهم مواطن للعلم والدرس إلى جانب كونها للعبادة. وقد عُرف الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي بولعه بإنشاء المدارس المنظمة، وعمارة المساجد، حتى إنه استقدم من سنجار أحد المهندسين المهرة ليبني له المدارس الفائقة في حلب وحماة وحمص وبعلبك ويشرف على صيانتها. كما عرف بحبه للحديث الشريف، فأنشأ له مدارس خاصة، وأوقف عليها أوقافاً كبيرة، وولى مشيختها أكابر المحدثين في زمانه، كالحافظ ابن عساكر صاحب كتاب (‏تاريخ دمشق).

أما صلاح الدين الأيوبي فقد تجاوز نور الدين زنكي في الإنفاق على التعليم وإنشاء المدارس في مصر والشام، وقد حملت جميعاً اسم «المدرسة الصلاحية»، واشتهر صلاح الدين بأنه أعظم مشيد لدور العلم في العالم الإسلامي بعد نظام المُلك السُّلْجوقي، وأصبحت دمشقُ في عهده تُدعى «مدينة المدارس». وقد وصف ابن جبير في رحلته، هذه المدارس، بأنها قصور أنيقة، ومن أحسن مدارس الدنيا منظراً.

وسار خلفاء صلاح الدين على سنته، فابتنوا مدارس كانت كل منها تنسب إلى بانيها، مثل: الظاهرية والصاحبية والعادلية والأشرفية والناصرية، وحتى نساء بني أيوب شُدْنَ عدداً من المدارس، كان منها «الشامية» و«الخاتونية»، وكذلك فعل كبارُ تجارِ العصر.

جاء عصرُ المماليك، وراح الحكام يتنافسون في إنشاء المدارس، والعناية بما أنشأه أسلافهم منها، حتى إن ابن بطوطة عجب من كثرتها، وذكر أنه لا يحيط بحصرها لكثرتها. وذكر من هذه المدارس: الظاهرية والمنصورية ومدرسة السلطان حسن، والسلطان برقوق، والمؤيد شيخ، وسواها.

● أسباب ازدهار النثر في عهد الزنكيين والأيوبيين والمماليك

لقد زاد عدد العلماء والشعراء والكتاب والمؤلفين زيادة كبيرة في عهد الدول الثلاث، وحافظ النثر العربي على مستوى جيد من الجودة، وذلك لعدة أسباب، من أهمها:

1. بقاء اللغة العربية لغة رسمية للدولة في المعاملات والمراسلات، وكونها لغة الثقافة والعلوم والفنون والآداب.
2. الاستقرار الأمني الذي تمتعت به بلاد مصر والشام في عهد الأيوبيين والمماليك.
3. بناء المدارس والمساجد ودُور العلم في معظم المدن المهمة في مصر والشام والحجاز.
4. رعاية الحكام للعلماء والأدباء، وتوفير المناخ العلمي والحياة الكريمة لهم مع الإجلال والاحترام.
5. الاهتمام بديوان الإنشاء، وذلك بإيجاد الكثير من الإغراءات والحوافز للمثقفين مما أدى إلى التنافس في التحصيل والمعرفة والثقافة، وكان لديوان الإنسشاء أثرٌ بالغ في النهضة العلمية، وازدهار الثقافة عموما، والنثر على وجه الخصوص.
6. هروب العلماء والأدباء والكتّاب إلى مصر والشام والحجاز، من شرقي العالم الإسلامي إثر اجتياح التتار، ومن الأندلس بعد اجتياح الإسبان لبلادهم وطردهم منها.

● نتيجة العوامل السابقة
كان من نتيجة هذه العوامل أن استطاع العلماء تعويض المكتبة العربية الإسلامية بعض ما ضاع منها حرقاً أو إتلافاً أو سرقة أو إهمالا، وكانوا في تأليفهم يعتمدون على ما وصل إليهم من العصور السابقة، فيقومون بتصنيفه وترتيبه وتدوينه في كتب جامعة تقرب من الموسوعات. وكثرت في هذا العصر الشروح والحواشي والذيول، حتى سمي بعصر التَّحْشِيَة. لكن هذه الحقبة الخصبة نسبياً لم تستمر في عهد العثمانيين، وإنما اتخذ الشعر والتأليف مسارا آخر، فيه من العُقْم أكثر مما فيه من الخِصَب.

● أسباب تراجع النثر العربي في العصر العثماني
أما في العصر العثماني فقد تدهورت الثقافة العربية عموما، وتراجع النثر العربي خصوصا، بشكل مريع، وذلك لعدة أسباب، من أهمها:

1. لم تعد العربية اللغة الحكومية المعتمدة، بل غدت التركية لغة الدولة الرسمية، بها تكتب المراسلات والمعاهدات والمعاملات، ثم تأتي بعدها في المقام الثاني اللغة الفارسية، وتدرّس في المدارس، ويتحدث بها كثير من المثقفين والحكّام، ثم تأتي العربية بوصفها خيارا ثالثا قليل الأهمية ولا يجد أي دعم يُذكر.

2. العربية لغة القرآن والإسلام، لذا لم تحاربها الدولة العثمانية، ولم تمنع من تعلّمها، ولكنها لم تولِها أي اهتمام، وقد بقيت العربية لغة رسمية للمهاملات في الأقطار العربية لأمد غير قصير ولكن العثمانيين أبطلوا اللغة العربية من ديوان الإنشاء العربي في أواخر عهدهم، وأحلوا اللغة التركية محلّها، فتدهورت الثقافة العربية، وانعدمت الحوافز، وساءت الكتابة بوجه عام.

3. انقطع إنفاق الدولة على المدارس العربية كلها، ولم يُنشئ الحكامُ مدارسَ جديدة، ولم يعتنوا كما ينبغي بالمدارس الموجودة، فذوت تلك المدارس وأخذ عددها يتناقص يوماً بعد يوم. وحل محلها كتاتيب صغيرة تعلِّم القرآن الكريم وتجويده ومبادئ القراءة والكتابة والحساب. حتى إذا أوغل الحكم العثماني في الزمن، رانََ الجهلُ على البلاد العربية المحكومة، وصار من النادر وجود من يحسن القراءة والكتابة فيها فضلا عن العلماء والأدباء الأفذاذ.

4. استولى السلاطين العثمانيون على خير ما في خزائن مصر والشام والحجاز من الكتب، كما أخذوا خيرة علماء العربية، ومَهَرَة الصناع والحرفيين إلى العاصمة اصطنبول. وكان ذلك سبباً في تراجع الاهتمام باللغة وعلومها، فتدهورت منابع العلم وتفشى اللحنُ والعامية والجهل والأمية؛ بعد أن أصبحت بلاد العرب شبه خالية من نجوم العلم والمعرفة والإبداع.

--------------------------

بدأت مسيرة انحدار النثر الفني منذ وقت مبكر، أي منذ أيام ابن العميد (ت360هـ) والصاحب بن عباد (ت385هـ) الذي حرص على اعتماد السجع في أسلوبه، والحريري (516هـ) الذي أشاع في مقاماته حب مطاردة السجع والجناس والزخارف في شتى صورها ليوظفها في كتابته بأي شكل كان. ويقتفي الخطيب الحصكفي (ت551هـ) خطا أرباب التعقيد والتصنع واصطياد المحسنات اللفظية أو المعنوية من الذين سبقوه زماناً، فإذا هو يبزّهم ويخرُج إلى الناس برسائل وخطب لا تحوي من المعاني المبتكرة مثل ما تحوي من هذه القشور اللفظية.

● فنون النثر في عصور الدول الممتابعة:

مجالات النثر كثيرة، ولعلها أرحب مما هي في الشعر وأوسع دائرة وأكثر حرية، فبالنثر يستطيع الإنسان التعبير عما يريد بيسر وسهولة أكثر من الشعر المنظوم الموزون. وحصراً لمجالات النثر يمكن القول: إنها تدور في: رسائل وكتابات ديوانية رسمية، ورسائل ومكاتبات إخوانية، ومقامات أدبية، وخطب منبرية، ومؤلفات علمية. ويمكن القول كذلك: إن معظم الكتابات الديوانية، والرسائل الإخوانية، والمقامات الأدبية، والخطب المنبرية، طبعت بطابع العصر الذي كتبت فيه، وحملت سماته وصفاته، من كُلفة وتصنع مقبول، إلى كلفة وتصنع ومبالغة في اصطياد المحسنات البديعية على حساب المعنى، سواء أكتبت تلك الآثار في العصر الأيوبي أم المملوكي أم العثماني. وإن في تقليب آثار هذه العهود شاهداً على هذا الحكم.

أما المؤلفات العلمية، فإن أكثرها لم يكن يعبأ بتلك المحسنات، لأنها تبعد القارئ عن فهم المراد من المعنى، وعن الوقوف على دقائق الأمور التي يتحدث المؤلف عنها.

وأنه لمن العسير في هذا المقام استعراض أسلوب كل مؤلفات هذه الحقبة وقد تجاوزت الآلاف عدداً، والمئات علوماً وفروعاً. وقد عوض مؤلفوها المكتبة العربية التي نهب الصليبيون كثيراً منها، ثم أحرق المغول ما تبقى فيها، وضاع منها ما ضاع بفعل الكوارث والخلافات الفكرية والمذهبية، كما أن هذه الحقبة تعد أغنى حقبة في الحركة التأليفية في العصور العربية.

لقد ضاع أكثر الأصول التي نقلوا منها واعتمدوا عليها، ولم يبق إلا ما تركه أبناء هذه العصور، وخير مثل على ذلك تلك الأصول التي اعتمد عليها ابن منظور (ت711هـ) أو جلال الدين السيوطي (ت911هـ) أو مؤلفو الموسوعات كالقلقشندي (ت 821هـ) في مؤلفه «صبح الأعشى» أو العمري (ت748هـ) في «مسالك الأبصار في ممالك الأمصار»، أو النويري (ت732هـ) في «نهاية الأرب في فنون الأدب»، وغير ذلك كثير. ويكفي القول إن كتاب حاجي خليفة «كشف الظنون» وحده، ذكر أسماء ثلاثمئة علم، في خمسة عشر ألف كتاب، ألفها عشرة آلاف عالم، معظمهم كان من أبناء هذه العصور.

● خصائص النثر وأعلامه في عصر الدول المتتابعة:

من أشهر الكتّاب الذين عاشوا في العصر الأيوبي والمملوكي: 
1- القاضي الفاضل عبد الرحيم البيساني (ت596هـ). 
2- العماد الأصبهاني (ت597هـ). 
3. محيي الدين بن عبد الظاهر (ت 692 هـ). 
4. ضياء الدين بن الأثير الجزري (ت637هـ).

● ظاهرة ابن الأثير
مثّل ابن الأثير صوتا شاذا يحارب طريقة القاضي الفاضل والعماد الأصبهاني، وينعى على المتكلفين طريقتهم، ويقف في وجه هذه الأساليب، المتصنعة ولاسيما في كتابه «المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر»، وقد امتازت كتابته هو ممن ذكروا بالتجديد، وكانت أفكاره في كتابه المذكور ثورة في الإنشاء الأدبي في عصره، إذ خالف الأساليب المتبعة وحمل على أصحابها، ولدى التدقيق في أسلوب ابن الأثير يتضح اعتماده في شتى كتاباته العامة والخاصة والإخوانية والديوانية الرسمية أو التأليفية على أسلوبين اثنين: أسلوب مسجّع، وأسلوب مطلق. أما السجع فغلب على نثره الديواني، وهو كتاب في الديوان، وعلى نثره الإخواني. وأما المطلق فقد استخدمه في تصانيفه، ولاسيما في كتاب «المثل السائر»، وفيه ابتعد عن السجع واللعب بالعبارات والإكثار من المحسنات اللفظية. لقد وظّف ابن الأثير الألفاظ في خدمة المعاني، وأتى بآراء جديدة، تكاد تكون اليوم معتمدة وأساسية لدى معظم النقاد المعاصرين، منها: أن السجع يكون مقبولاً إذا كان طبيعياً ومعتدلاً، وأن يكون فيه اللفظ تابعاً للمعنى، وأن غرائب الألفاظ تشين الكتابة الأدبية وينبغي تحاشيها، وأن الكلفة والتصنع في تأليف العبارة يوديان بقيمتها وأثرها. وفي الحق، إن ابن الأثير حاول أن يعدل بتلك الأساليب المنتشرة في ذلك العصر نحو الاتجاه السليم، لكن طغيان التقليد والتصنع جعل محاولته زوبعة في فنجان.

أما في العصر العثماني، فقد سبق القول إن اللغة العربية انزوت في كتاتيب ومدارس صغيرة، وغدت اللغة الثالثة بعد التركية والفارسية، إضافة إلى إلغاء ديوان الإنشاء أصلاً، وإحلال اللغة التركية محل العربية، وعدم تشجيع السلاطين على العلم والأدب والإجادة في التعبير. وعم الفقر والجهل مختلف الربوع، مما أدى إلى تدهور الكتابة، بل تدهور العلم في شتى ألوانه وضروبه، اللهم إلا بعض قبسات مضيئة في هذا العصر القاتم.

----------------------------------

● القاضي الفاضل (3)
يعد من أبرز كتّاب العصرين الفاطمي والأيوبي: وهو عبد الرحيم البيساني (526هـ - 596هـ). ولد بمدينة عسقلان في فلسطين، وانتقل إلى مصر. عمل في دواوين الفاطميين في آخر عهدهم ثم عينه السلطان صلاح الدين وزيرًا ومستشارًا له تقديرا لبلاغته وفصاحته ورأيه الثاقب، وقد برز القاضى الفاضل في صناعة الإنشاء، وفاق المتقدمين، وله فيه الغرائب مع الإكثار.

● ومما قيل عنه: 
- يقول صلاح الدين: لا تظنوا أني فتحت البلاد بالعساكر إنما فتحتها بقلم القاضي الفاضل. 
- ويقول النويري في (نهاية الأرب): "إلى القاضي الفاضل انتهت صناعة الإنشاء ووقفت، وبفضله أقرت أبناء البيان واعترفت، من بحر علمه رويت ذوو الفضائل واغترفت..."
- وقال عنه العماد الأصفهانى: "رَبُّ القلمِ والبيان، واللسنِ واللسان، والقريحةِ الوقادةِ والبصيرةِ النقادة، والبديهةِ المعجزة ...".

● نماذج من نثر القاضي الفاضل: 
1- يقول من رسالة عن صلاح الدين إلى الخليفة ببغداد، يزف إليه البشرى بفتح بيت المقدس

"أدام الله الديوان العزيز النبوي الناصري، ولا زال مظافر الحد بكل جاحد غني التوفيق، عن رأي كل رائد، موقوف المساعي على اقتناء مطلقات المحامد، مستيقظ النصر والسيف في جفنه راقد، وارد الجود والسحاب على الأرض غير وارد، متعدد مساعي الفضل وإن كان لا يلقى إلا بشكر واحد، ماضي حكم القوم بعزم لا يمضي إلا بنسل غوي وريش راشد، ولا زالت غيوث فضله إلى الأولياء أنواء إلى المرابع، وأنوارًا إلى المساجد، وبعوث رعبه إلى الأعداء خيلًا إلى المراقب، وخيالا إلى المراقد... فاز من بين المقدس بذكر لا يزال الليل به سميرًا، والنهار به بصيرًا والشرق يهتدي بأنواره، بل إن أبدي نورًا من ذاته هتف به الغرب بأن واره؛ فإنه نور لا تكنه أغساق السدف، وذكر لا تواريه أوراق الصحف، وكتاب الخادم هذا، وقد أظفر الله بالعدو الذي تشظت قناته شفقًا، وطارت فرقه فرقًا.... وعثرت قدمه وكانت الأرض لها حليفة، وغضت عينه وكانت عيون السيوف دونها كسيفة، ونام جفن سيفه، وكانت يقظته تريق نطف الكرى من الجفون، وجدعت أنوف رماحه وطالما كانت شامخة بالمنى أو راعفة بالمنون، وأضحت الأرض المقدسة الطاهرة وكانت الطامث، والرب المعبود الواحد، وكان عندهم الثالث، فبيوت الشرك مهدومة، ونيوب الفكر مهتومة، وقد ضربت عليهم الذلة والمسكنة، وبدل الله مكان السيئة الحسنة، ونقل بيت عبادته من أصحاب المشأمة إلى أصحاب الميمنة"

2- نصٌّ من رسالة للقاضي الفاضل يصف فيها قلعة حمص:

"والشيخ الفقيه قد شهد ما يشهد به من كونها نجماً في سحاب، وعُقاباً في عُقلب، وهامة لها الغمامة عمامة، وأنملة إذا خضبها الأصيل كان الهلال منها قُلامه، عاقدة حَبوة صالحها الدهر على أن لا يحلها بفرعه، عاهدة عِصمةً، صالحها الزمن على ألا يروعها بخلعه، فاكتنفت بها عقارب منجنيقات لا تطبع طبع حمص في العقارب، وضربت حجارة بها الحجارة فأظهرت فيها العداوة المعلومة بين الأقارب، فلم يكن غير ثالثة من الحد إلا وقد أثرت فيها حُدرياً بضربها، ولم تصل السابع إلا والحجران تنذر بنقبها، واتسع الخرق على الراقع وسقط سعدها عن الطالع، إلى موحد هو إليها الطالع، وفتحت الأبراج فكانت أبواباً، وسيرت الجبال فكانت سراباً، فهنالك بدت نقوب يرى قائم دونها ما وراءها، وخشيت فيها النار، فلولا الشعاع من الشعاع أضاءها". (4)

● خصائص كتابة القاضي الفاضل
1- يهتم بألوان البديع ويُكثر من التشخيص والجناس.
2- يستخدم التورية كثيرًا.
3- يضمن نصوصه اقتباسات من القرآن الكريم.
4- يستخدم الجناس المقلوب كقوله (الحمد لله الذي صدقه وعدَه، وأورثه الأرض وحدَه، وجدد علاه، وأعلى جده، وأسعد نجمه، وأنجم سعده، ووعده نجحه، وأنجح وعده، وأورده وصفه، وأصفى ورده).

-----------------------------------------------------
(1) المقال مقتبس في معظمه من موضوع في موقع (المعرفة) كتبه: بكري الشيخ أمين، محمود سالم، بعنوان: الأدب العربي في عصر الدول المتتابعة، هنا http://cutt.us/Ow03M ، ولكني أضفت إليه وعدلت عليه ليقدم المعلومة للمهتمين بالنثر القديم في ذلك العصر بطريقة مختصرة.
(2) هنا موضوع كامل عن أصل المماليك وتاريخهم http://cutt.us/MYU9T 
(3) انظر ما كتبه عنه شوقي ضيف هنا، ومعظم الحديث نه القاضي الفاضل ونصوصه وخصائصه الفنية هي من شوقي ضيف في كتابه (النثر ومذاهبه في الأدب العربي)
http://almerja.net/reading.php?i=0&ida=559&id=556&idm=19980 
(4)- النص من الموسوعة العالمية للشعر العربي
http://www.adab.com/literature/modules.php…