Skip to main content
User Image

حاتم عبد القادر عبيد

Professor

عضو هيئة تدريس

العلوم اﻹنسانية واﻻجتماعية
2أ 194 مبنى16 كلّية الآداب، قسم اللّغة العربيّة وآدابها
course

الجهة في الدرس اللّسانيّ 647 ع/طلاّب الدكتوراه

 

درس:  أ. د. حاتم عبيد
الجهة في الدرس اللّسانيّ
 

-نشير بدءا إلى أنّنا نترجم (modality) بالجهة ، وأنّ هناك ترجمات أخرى من قبيل  الموقف والجهيّة والتوجيه، وأنّ هذا المفهوم بسبب من مفاهيم أخرى مثل الزمن (tense) والمظهر (aspect) والوجه (mood). وأنّ التداخل بين هذه المفاهيم حاصل في أذهان كثير من الدارسين.
القضايا المجرّدة والقضايا الموجّهة: الجهة في كتب المنطق
-جاء حديث أرسطو عن الجهة في معرض تناوله القضايا الحمليّة. إذ ميّز بين نوعين من هذه القضايا: نوع يتمّ فيه التصريح بنوع العلاقة بين الموضوع والمحمول (ما يفهم من كيفيّة النسبة)، ونوع آخر لا يُصرّح فيه بذلك. وبناء على ذك تنقسم القضايا الحمليّة إلى:
أ- قضايا مجرّدة/خالصة  (pure proposition): يُكتفى فيها بتقرير علاقة مّا بين الموضوع والمحمول (كلّ مثقّف ملتزم بقضايا الإنسانيّة).
ب- قضايا موجّهة (modal proposition): وفيها تحديد لنوع العلاقة بين الموضوع والمحمول من جهة ضرورتها أو عدم ضرورتها و من جهة إمكانها أو استحالتها (كلّ مثقّف ملتزم بالضرورة بقضايا الإنسانيّة/كلّ مثقّف لا يمكن أن يكون إلاّ ملتزما بقضايا الإنسانيّة/كلّ مثقّف يستحيل ألاّ يكون ملتزما بقضايا الإنسانيّة). فالأحكام ههنا موجّهة بجهة مّا (الضرورة، الاحتمال...). والجهات التي ذكرها أرسطو أربع: الواجب/الضروري (the necessary) والممتنع/المستحيل (the impossible) والممكن (the possible)  والمحتمل  (the contingent).
هذه الجهات ستجد من بعد أرسطو من يعود إليها. وسنجد شرّاح أرسطو يختلفون في فهمها وفي تصنيفها. فالجهة في تعريف الفيلسوف الإغريقي  Diodore Cronos (القرن الرابع الميلادي) صارت مقترنة بمفهوم الزمن وبقيمة صدق الملفوظات. فالواجب هو "الذي يكون صادقا ولن يكون خاطئا". والممكن هو "الذي يكون صادقا أو سيكون صادقا" والممتنع هو "الذي يكون خاطئا. ولن يكون صحيحا" والمحتمل أو غير الواجب هو "الذي يكون خاطئا أو سيكون خاطئا".
وقد عاد مناطقة القرون الوسطى شأن توماس الإكويني (Thomas d'Aquin) وأبيلار (Abélard) إلى الجهات الأرسطيّة. وكانت إضافتهم تتمثّل في توسيع دائرة هذه الجهات. فعلى سبيل قد  ميّز هؤلاء بين نوعين من الجهات: جهات ال re (re تعني في اللاّتينيّة القول)، ويكون التوجيه فيها خاصّا بالأشياء، وجهات ال dicto  (dicto تعني في اللاّتينيّة العمل) التي يكون فيها التوجيه خارج المحتوى القضويّ.  ويمكن أن نوضّح ذلك بالمثال التالي:
  الأرض بالضرورة مدوّرة: فالتوجيه هنا جزء من المحتوى القضويّ للملفوظ (الأرض مدوّرة).
من الضروريّ أن تكون الأرض مدوّرة: فالتوجيه هنا لا يقع في المستوى الذي يقع فيه المحتوى القضويّ. بل هو مضاف من الخارج إلى المحتوى القضويّ.
أمّا المناطقة المحدثون فنجد عندهم بالإضافة إلى جهات الوجود الأرسطيّة، أصنافا أخرى من الجهات، من قبيل جهات المعرفة (epistemic modality) كقولك: قد يأتي زيد، وجهات الزمن (temporal modality)، كقولك:  تبيّن أنّ زيدا أتى، وجهات القيمة  (axiological modality)، كقولك:  سيكون من الجيّد أن يأتي زيد.
 
تعريف الجهة في الدرس اللّسانيّ:

  • نشير إلى أنّ دائرة الجهة في النظريّات اللّسانيّة الحديثة ضيّقة عند بعض الدارسين الذين ينطلقون من المنطق الأرسطيّ، واسعة عند فرق آخر إلى درجة يغدو فيها كلّ ملفوظ موجّها.

  • نشير أيضا إلى أنّ الجهة من أكثر المقولات النحويّة التي اختلف اللّسانيّون في تعريفها  وتأويلها، وفي ما يندرج فيها من ظواهر وأدوات لغويّة. لهذا اعتبر كينغ  الجهة موضوعا في منتهى التعقيد، ورأى أنّ الغموض يحفّ بها، وأنّها مركب زلوق، وأنّ التقدّم الذي أحرزته البحوث الدائرة عليها لم يُسلم إلى تعريفها تعريفا دقيقا. وهذا ما حدا بدارس يابانيّ آخر إلى القول بأنّ الجهة أمست صندوق قمامة يُلقي فيه اللّسانيّون بكثير من المقولات النحويّة. ولهذا أيضا قال دارس ثالث بأنّ مسالك تعريف الجهة وأنواعها كثيرة، وكذلك الأسماء التي نطلقها عليها. ولكنّ جميع تلك المسالك خاطئة (Heiko Narrog: On defining modality again: 165-166).

  • دعنا نتّفق أوّلا على أنّ الجهة مقولة دلاليّة أكثر منها مقولة نحويّة أو صرفميّة. وعلّة ذلك ترجع إلى أنّ النحو والصرف مقولات تختلف من لغة إلى أخرى، ولا وجود لمطابقة في هذين المستويين بين اللّغات. فلو عرّفنا الجهة على أنّها مقولة تشترك والأفعال الإنجليزية المساعدة (English modal verbs,) في عدد من الخصائص الصرفميّة والإعرابيّة، فإنّنا سنضيّق نطاق الجهة في لغات أخرى، ولن نصل إلاّ إلى تعريف يطابق اللّغة الإنجليزيّة.

  • على خلاف هذا، فإنّ تعريف الجهة تعريفا دلاليّا يمكن أن يمثّل أرضيّة مشتركة بين سائر اللّغات. وهذا التعريف أيضا يجعلنا نقول إنّ المتكلّمين مهما اختلفت أبنية اللّغات التي يتكلّمونها، يشتركون في مسار عرفانيّ يُمكّنهم من مقْولة اللّغة، ويحكم سير المقولات اللّغويّة. فمدار الأمر إذن على تجارب وحاجات مشتركة يعبّر عنها المتكلم، أي على عدد من المعاني يمكن أن يشترك فيها الناس على اختلاف لغاتهم. وليس الأمر متعلّقا بأبنية تُستخدم في الكشف عن تلك المعاني.

  • قولنا بأنّ الجهة من أمر الدلالة راجع إلى أنّ المعنى على خلاف الأبنية الإعرابية والصرفمية كونيّ.  وهذا يقودنا إلى القول بأنّ الجهة أمر مشترك بين اللّغات. ولكنّ طرق التعبير عنها وما يتاح داخل كلّ لغة من وسائل وأبنية، أمر تختلف فيه اللّغات.

يرى هايكو نارّوغ أنّ الجهة في الدرس اللّساني عرّفت تعريفات ثلاثا: فقد جعلت الجهة في تعريف أولّ رديفا للتعبير عن موقف المتكلّم وعن آرائه وعواطفه، وعدّت أيضا تعبيرا عن الذاتيّة. والجهة في تعريف ثان شيء/ظاهرة تحتوي على كلّ تعبير لغويّ يقع خارج القضيّة. أّما التعريف الثالث، فيربط الجهة بعدد من المفاهيم من قبيل (factivity) و(reality) و(validity). ويعني بذلك موقف المتكلّم من مدى صحّة الحالة التي تكون عليه الأشياء المحال عليها في الملفوظ

course attachements