لفت انتباهي ملحوظة نشرها الأخ الكريم ماجد البلوشي في إحدى تغريداته حول ضعف توزيع الكتب المتعوب عليها في الكويت …ولقد ذكرتني هذه التغريدة بحالة النشر العربي الخليجي مقارنة بالنشر في دول عربية أخرى أقل اقتصادا وأضعف حالا،

 

ففي معرض الرياض الدولي للكتاب لا تتجاوز دور النشر الخليجية أربع أو خمس ممرات متخصصة غالبا في الكتبالتراثية أو كتب الأطفال، وباستثناء مراكز بحثية أو دور نشر أثبتت وجودها بقوة المال والبزنس (جرير والعبيكان مثلا) أو بتميز وجودة المحتوى (مركز المسبار االأماراتي) باستثنائهما وباستثناء بعض الدور الناجحة فلا نكاد نقارن وفرة وتدفق النشر الخليجي مقارنة بدور النشر السورية -المغاربية-المصرية-اللبنانية،

 

أعتقد أن السبب في أن ضعف النشر في دول الخليج هو بسبب ضعف دورة الفعل الثقافي اقتصاديا ، أي أن الكتاب (ما يوكل عيش ) )في العالم العربي عموما وفي الخليج خصوصا، وتكاد تنتهي علاقة القارىء بالكتاب حين انتهائه من القراءة …

فكرتي هنا هي تحويل الفعل القرائي إلى بزنس ثقافي يدر مالا ومنافع على كل من المؤلف والقارئ، وهو الأمر الذي نكاد نفتقده إلا قليلا في عالمنا الخليجي..

بمعنى ان الكتاب لا تنتهي مهمة تسويقه عند طبعه وعمل عقد توزيع مع المكتبات والمخازن وانتظار القارىءليشتريه ويقرأه ،  بل لابد من ايجاد فعاليات ثقافية تحف و تحتفل بالكتاب وبالفعل الثقافي ..

 بحيث تصبح هذه الفعاليات 1) جزءا من عملية التسويق للكتاب 2) جزءا من الثقافة القرائية للمجتمع 3) بزنس يدر منافع مالية ودعائية لكل المشتركين في عملية قراءة الكتاب (المؤلف-الناشر -القارئ)

 

إنه من الواضح أن مناسبات قراءة الكتب وأندية القراءة لم تصبح بعد جزءا من ثقافتنا الاجتماعية ،،،  كما لا تتبناها المؤسسات الثقافية في بلادنا بشكل مكثف يجعل المجتمع يأخذ هذه الفعاليات بعين الجدية ويحولها الى منشط له موظفوه وخبراؤه وميزانياته…

ومازالت القراءة وعوالمها حكرا على النخب (الأندية الأدبية و الاجتماعات الثقافية المصغرة) بدلا من ان تتمدد وتذهب بنفسها للمتلقي وترفه عنه وتاخذه الى عالمها الجميل..

 وهذا ما يجعل سوق الكتاب في خليجنا يكاد يقتصر على فئات صغيرة من المجتمع،، أهمهم  طلاب الجامعات والنخب الأكاديمية ، وشراذم من دود الكتب الذين ينتهي الكتاب في أيديهم كما ينتهي القرش في جيب البخيل…

 

ليس أنهم بخيلون يا خنت حيلي …ولكنهم افراد مساكين لاحيلة لهم و لا مجال لأن تتحول ادمغتهم المحشوة بالكتب إلى أنشطة فعلية تنعكس على الآخرين في شكل محاضرة أو نادي محبي مؤلف أو نادي قارئي كتاب ما، أو مجموعة قرائية ملتزمة ….

 

 إن عدم تحول الكتاب من مرحلة الأوراق التي خرج من دماغ مؤلف ما الى دماغ قارىء ما، إلى صناعة ضخمة من الدعاية وعمل الأنشطة على هوامش هذا الكتاب، إن بقاء ثقافة الكتاب على وضعها القديم دون تحويلها الى بزنس، هو  ما جعل سوق الكتاب الخليجي يضعف بشكل عام…وهو ما جعل صناعة الكتاب مخسرة بدلا من أن يكون مكسبا للكاتب، والقارئ الذي يأخذ اسم الكتاب ويبحث عن نسخة الكترونية مهربة منه …(هذا ما افعله انا شخصيا ويا للخجل) …

 يجب ان لا تنتهي عملية القراءة عند انتهاء القارىء من كتابه بل يجب ان تمتد وتتحول الى مناشط ثقافية ولو صغيرة بحيث يصبح فعل شراء الكتاب امرا استثماريا اكثر منه مجرد شراء كتاب..

 

تخيلوا لو أن ناشرا ما اعتنى بمجموعة كتب لكاتب ما، فعمل حفلة توقيع للكتاب على شرفه في مكان عام (ما) مع بعض الحاجات الترفيهية المصاحبة وبعض النسخ المجانية ، وأصبحت هذه الفعاليات عادة يبادر إليها الناس ويجدونها ممتعة ومسلية وليس مفتعلة أو مليئة بالنخبوية والنفخة ..كم سيكون ذلك جميلا وكم من عائلة ستغير خطة ترفيهها من التسوق في المول الى زيارة نادي الكتاب أو الذهاب للفعالية الثقافية  …

 

أتخيل أن جذب القراء إلى جنة القراءة بالسلاسل أمرا  ليس سلا، ويحتاج الكثير من الابتكار والمبادرة والتضحية من الناشر، ولكن ثمرة هذه الفكرة حلوة وضخمة للجميع ليس اقلها ان هناك فرصا للعمل والاستثمار ستصبح متاحة لأصحاب الأعمال المتعددة _ وعلى الأخص الدعاية والإعلان والعلاقات العامة_  

 

وستعود هذه المنفعة على الكل بفائدة عظمى…فيتعلم القارئ مفهوم استثمار الكتاب …ويصبح للكاتب شأنه وقدره واحترامه….ويربح الناشرون الذين هم أقل رجال الأعمال مكسبا في خليجنا الحزين…