Skip to main content
User Image

صالح بن عبدالعزيز النصار

Professor

عضو هيئة تدريس

التعليم
مبنى 15، الدور الثاني، رقم (2أ 86)
blog

قراءة في مفاهيم الوطنية والمواطنة والإرهاب

قراءة في مفاهيم الوطنية والمواطنة والإرهاب
 
أ.د. صالح بن عبدالعزيز النصـار
كلية التربية- جامعة الملك سعود
 
حظيت مفاهيم الوطنية والمواطنة والإرهاب في الآونة الأخيرة بحضور اجتماعي وزخم إعلامي لم تعهد له مثيلاً من قبل، ومع ذلك، فإن هذه المفاهيم الثلاثة لم تحظ بعد بتجلية الفروقات بينها، أو توضيح مدى الترابط أو التأثير والتأثر فيما بينها. وإذا كان الفرق واضحاً بين مفهومي الوطنية والإرهاب، فإن تداخلاً كبيراً بين مفهومي الوطنية والمواطنة لا يزال عالقاً في ذهن كثير من المتابعين، بل إن كثيراً من الباحثين والمؤلفين يستخدمون المفهومين بشكل ترادفي للدلالة على معنى واحد. وتبرز أهمية التفريق بين هذين المفهومين عندما تتوجه الجهود الرسمية والتربوية لغرسهما في نفوس الناشئة، ولتربية الناس عليهما، كما أنهما يشكلان قاعدة مهمة في الوصول إلى تحديد مفهوم الإرهاب وما يندرج تحته من معتقدات وسلوكيات.  وفي حقيقة الأمر، فإن الوطنية تشير إلى شعور الفرد بحبة لمجتمعه ووطنه، واعتزازه بالانتماء إليه، واستعداده للتضحية من أجله، وإقباله طواعية على المشاركة في أنشطة وإجراءات وأعمال تستهدف المصلحة العامة. بمعنى أن الوطنية شعور قلبي ووجداني يُترجم في المحبة والولاء والميل والاتجاه الإيجابي والدافعية الذاتية للعمل الخلاق. أما مفهوم "المواطنة" فيشير إلى الجانب السلوكي الظاهر المتمثل في الممارسات الحية التي تعكس حقوق الفرد وواجباته تجاه مجتمعه ووطنه، والتزامه بمبادئ المجتمع وقيمه وقوانينه، والمشاركة الفعالة في الأنشطة والأعمال التي تستهدف رقي الوطن والمحافظة على مكتسباته.  
وفي ضوء هذا التفريق بين مفهومي الوطنية والمواطنة، فإن المواطنين يتمايزون فيما بينهم في وطنيتهم ومواطنتهم بحسب تربيتهم وثقافتهم وإيمانهم وتأثير التعلم في سلوكهم. فمن المواطنين من لا يوجد لديه انتماء وطني كما لا يوجد لديه سلوك مواطنة إيجابي، بمعنى أن الوطنية والمواطنة تقلّ لديه إلى حد وصفه بأنه سلبي في مواطنته وغير منتم في وطنيته، وهذا الصنف من الناس لا يقدم الخير لأمته، ولا يشجع من يعمل الخير، ولا يلتزم بسلوك الجماعة السوي، ومع أنه لا يضمر الشر لوطنه إلا أنه أقرب الناس إلى الانقلاب على الوطن في أية لحظة. ومن المواطنين من يرتفع لديه مستوى سلوك المواطنة، إلا أن انتماءه للوطن منخفض، فهو قد لا يشعر بانتمائه للوطن إلا أنه يتقيد بأنظمته ويؤدي ما عليه من حقوق إما رغبة أو رهبة. من جهة أخرى، من المواطنين من يرتفع لديه مستوى الوطنية إلا أن سلوك المواطنة عنده منخفض، فهو يشعر بانتمائه للوطن ويعتز بذلك، لكنه يقصر في أداء ما عليه من حقوق تجاهه، كما لا يلتزم بالسلوك والقوانين التي يقرها ولي الأمر أو ترتضيها الجماعة. أما الصنف الرابع من المواطنين فهو من يرتفع لديه مستوى الوطنية (الانتماء للوطن) كما يرتفع عنده أيضا مستوى المواطنة، فالفرد هنا معتز بوطنه منتم إليه متمسك بالسلوك السوي للمواطنة، بحيث إنه يعرف واجباته وحقوقه، وكل ما يكفله له النظام من حقوق سواء من الدولة أو من جهات أخرى من المجتمع ويدخل في ذلك حقوقه في مدرسته وجامعته ودائرته أو مؤسسته التي يعمل فيها، ومصنعه الذي يشتغل فيه. كما يعرف هذا الصنف حقوق غيره من فئات المجتمع بدءً من ولاة الأمر والعلماء ومرورا بالفقراء وذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن وانتهاءً بحقوق الوافدين والمقيمين وغير المسلمين، وغير ذلك ممن لهم حقوق ينتظرون من الآخرين أداءها، وهم مع ذلك يلتزمون هذه الحقوق ويحثون الآخرين على الالتزام بها. وهذا الصنف من المواطنين هو النموذج الأفضل، وهو ما تسعى إلى تكوينه مناهج التربية الوطنية، وما تهدف إلى تنشئته الأمم والشعوب، وهو الورقة الرابحة في منظومة التنمية والتطوير التي تهدف إليها كل الأمم.  
بقي صنف خامس من المواطنين شاذ كلياً عن الأوصاف الأربعة السابقة. وهذا الصنف يوصف الأفراد فيه ليس بنقص الانتماء للوطن فحسب بل بما هو أكثر سلبية، وهو بغض وكره ذلك الوطن، كما أنهم في بعد المواطنة لا يكتفون بعدم ممارسة السلوك الصحيح للمواطنة، بل يسلكون سبلا تخريبية تنقض سلوك المواطنة والسلوك المدني بعامة، ومثال ذلك الصنف الخوارج المفسدون في الأرض والإرهابيون الضلاّل، فهم يبغضون الجماعة التي هي لحمة الوطن ويخرجون عليها وعلى ولاة الأمر، كما أنهم يسعون في الأرض فساداً، ويهدمون ما يعتز الوطن به من مكتسبات وإنجازات، فلم يبق لهم من وصف الوطنية والمواطنة شيء، وليس لهم إلا أن يوصفوا بالإرهابيين المفسدين في الأرض.
ومع بروز هذا الصنف في المجتمع فإن مسؤوليتنا تجاه وطننا تبدو أكبر. فمن جهة، يجب أن تتظافر كل الجهود للوصول إلى نموذج المواطن الذي يحب وطنه، ويعتز بانتمائه إليه، ويلتزم بمبادئه وقيمه وقوانينه وأخلاقه، ويتفانى في خدمته، ويشعر بمشكلاته ويساعد في حلها، ويسهم بشكل إيجابي في نمو الوطن وتطوره. ومن جهة أخرى، يجب إبراز ميزات هذا البلد الشرعية والمادية والحضارية، ومقدار الجهود التي بذلت في بنائه والمحافظة عليه، والتحديات التي تواجه قوته وبقائه، والدور الكبير الذي ينتظر أبناءه ورجاله في المحافظة على مدخراته وقدراته، ومحاولة الرقي به ليتبوأ المكانة اللائقة به.