الأطفال و البيكا (شهوة الغرائب)
(ابني يأكل ورق يا دكتور، والآخر يأكل قطع الصابون أم الثالث فيموت على الطباشير.. هل هذا طبيعي يا دكتور؟).. سؤال يتكرر علينا كثيراً، وهي حالة معروفة تسمى بشهوة الغرائب (البيكا-Pica).
البيكا هي سلوك أكل الأشياء غير المغذية،والاسم مشتق من الاسم اللاتيني ل(طائر العقعق) والمعروف بنهمه على أكل أي شئ وكل شيء، وقد تكون هذه الحالة طبيعية ومؤقتة في مرحلة عمرية معينة، ولكنها غير طبيعية بعد انقضاء تلك المرحلة، وقد تمر دون مضاعفات، وأحياناً يكون لها مضاعفات خطيرة.
حسب تصنيف الأمراض العقلية الخامس تصنف البيكا أو شهوة الغرائب ضمن اضطرابات التغذية السلوكية وهو اضطراب يصيب الأطفال بشكل رئيسي بعد عمر السنتين (وقد يصيب الكبار كذلك)، عرضه الرئيسي هو الإصرار على تناول أشياء غير مغذية، وتكون غير مقبولة اجتماعياً/ثقافياً مثل التربة والطباشير وقطع الاسمنت وقشوردهان الجدران والصابون والورق وحتى شعر الرأس (وكلها لها مصطلحات طبية متعارف عليها)، لمدة تزيد عن الشهر.
من الطبيعي أن يضع الطفل الأشياء الغريبة في فمه في مرحلة الحبو والزحف كجزء من تطوره الذهني لمعرفة الأشياء الغريبة حوله، ثم يتناقص هذا السلوك تدريجياً حتى يختفي في حدود السنة الثانية من العمر. استمرار هذا السلوك بعد السنة الثانية قد يعني وجود مشكلة سلوكية/نفسية في الغالب أو عضوية ولكن بنسبة أقل.
ولكن ما هو سبب هذه الحالة؟
نعم قد يكون السبب عضوياً نتيجة سوء التغذية أو نقص عنصر غذائي معين مثل الحديد والزنك (غير مثبت علمياً بصورة قاطعة)، ولكن السبب في الغالب يكون سلوكياً/نفسياً أكثر منه سبباً عضوياً خاصة لدى الأطفال الذين لديهم إعاقات ذهنية أو تأخر في النمو العقلي على اختلاف أسبابه (حيث لايستطيع الطفل التفريق بين ماهو غذائي وما ليس كذلك)، وكذلك الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد. وتفسره بعض النظريات بأنه قد يحدث كاستجابة للإحساس بالغضب أو التوتر أو الغيرة أو كوسيلة لجذب انتباه الوالدين. وقد تعكس الحالة وجود إهمال للطفل في الأسرة. أما عند البالغين فقد يكون لها سبب نفسي مثل الوسواس القهري أو الفصام. وتصيب هذه الحالة الحوامل كذلك لفترة مؤقتة من الحمل، وإن كانت لاتشكل اضطراباً سلوكياً لأنه يزول تدريجياً مع تقدم الحمل.
في الغالب لايشتكي هؤلاء الأطفال من أي أعراض واضحة إلا في مراحل متقدمة عندما تظهر عليهم بعض المضاعفات والتي تعتمد على نوع المادة المتناولة وكميتها، وتشمل قائمة المضاعفات ما يلي:
- سوء التغذية وفقر الدم كنتيجة وليست كسبب للحالة
- حصول العدوى بالميكروبات أو الديدان التي قد يبتلعها الطفل مع ما يأكله من التربة أو الأشياء الملوثة
- التسمم ببعض العناصر الضارة الموجودة في التربة أو رقائق دهان الجدران وغيرها مثل الرصاص التي قد تؤثر على الجهاز العصبي للأطفال
- الإسهال أو الإمساك حسب المادة المتناولة
- حصول انسداد في الأمعاء نتيجة الابتلاع المتكرر لبعض الأجسام الغريبة التي لايمكن للجسم هضمها فتتراكم مع الزمن وتسبب الانسداد
- إصابات في الفم أو الأسنان نتيجة أكل أشياء غير طبيعية
وتتحسن أغلب هذه الحالات مع العمر، ويعتبر العلاج النفسي والسلوكي عن طريق الأخصائي النفسي هو حجر الأساس في هذه الحالات، بعد استبعاد وجود نقص في بعض العناصر الغذائية مثل الحديد والزنك. وتشمل بعض تقنيات العلاج السلوكي:
- استبدال الشئ الغريب ببديل صحي مثلاً استبدال الخشب بالخضروات المقرمشة
- تشتيت انتباه الطفل عنها
- نهية عن الفعل بقول كلمة "لا" مرة واحدة مع التصفيق العالي، ثم المدح والتعزيز الإيجابي عند الاستجابة.
ولعل الأهم من العلاج هو الوقاية، وذلك يمتابعة الطفل جيداً في مرحلة تعلم الحركة والتقاط الأشياء من الأرض، مع ابعاد الأشياء الخطيرة عن محيط حركته، وتشتيت انتباهه عنها.
د أحمد بن علي الصرخي
تم نشر هذا المقال على شكل تغريدات في تويتر على الرابط
https://twitter.com/aalsarkhy/status/1257046098851618816