Skip to main content
User Image

عبدالرحمن إبراهيم الحميد

أستاذ دكتور

blog

المحاسبة والمراجعة بين الواقع والاعتقادات الخاطئة

 
المحاسبة والمراجعة بين الواقع والاعتقادات الخاطئة


المحاسبة والمراجعة بين الواقع والاعتقادات الخاطئة
تعيش مهنة المحاسبة والمراجعة عالمياً أزمة ثقة حقيقية مردها بشكل أساسي وجود هوة كبيرة بين واقع منتجاتها وتوقعات المستفيدين من تلك المنتجات، فيعتقد كثير من مستخدمي القوائم المالية أنها دوماً صحيحة وخالية تماماً من الغش والخطأ والتلاعب ما دامت تمت مراجعتها من قبل محاسب قانوني معتمد، ويلام المختصون مباشرة دون تمحيص عند اكتشاف هذه التجاوزات أكثر من لوم مرتكبيها سواء بقصده أو بدونه، بينما واقع حال المهنة يختلف تماماً عن مثل هذه الاعتقادات، ولمحاولة تقليص فجوة سوء الفهم بين ما يقوم به المحاسبون والمراجعون وبين ما يعتقده المستفيد من منتجات المحاسبة يمكن تسليط الضوء على ثلاث نقاط أساسية: * يعتقد البعض أن المراجع القانوني المسؤول عن إعداد القوائم المالية، وهذا اعتقاد خاطئ، فهذه مهمة الإدارة نظاماً، ولا يجوز الجمع بين مهمة إعداد القوائم المالية ومراجعتها وإلا فقد المراجع استقلاله. * يعتقد البعض أيضاً أن جميع الأرقام في القوائم المالية صحيحة 100 في المائة وهذا اعتقاد خاطئ يتنافى مع أساسيات علم المحاسبة، فالمحاسبة أساساً تعتمد على قياس الأحداث المالية (أي ترجمتها إلى لغة الأرقام) لوحدة محاسبة مستمرة وإيصال نتائج القياس للمستفيدين. وعلى الرغم من المحاولات الجادة خلال المائة سنة الماضية للارتقاء بالقياس المحاسبي إلى مستوى العلمية إلا أن جلها باءت بالفشل، ومرد ذلك أن القياس المحاسبي يعتمد أساساً على فرضيات تنعكس في شكل معايير محاسبية، تشتق منها ما يعرف بالسياسات المحاسبية، فكلما عدلت السياسات المحاسبية اختلف معه نتائج القياس. * الهدف الأساسي لمهنة المراجعة زيادة ثقة المستفيد من القوائم المالية وذلك بإعطاء رأي مهني مستقل عن عدالة القوائم المالية حسب معايير المحاسبة المتعارف عليها، ولا يعني هذا التقرير أن المراجع يضمن 100 في المائة عدم وجود تجاوزات في القوائم المالية، ومسؤوليته محددة باتباعه المعايير المهنية، فشهادته ليست بصدق القوائم المالية وإنما عدالتها حسبما تقتضيه معايير المهنة، وذلك يرجع بشكل أساسي إلى أن المجتمع لا يعطي المراجع الوقت ولا المال ليقوم بفحص كامل ودقيق لجميع الأحداث المالية، وحتى لو أعطي مثل هذه الإمكانيات فلا يستطيع أي مهني أن يضمن 100 في المائة أن القوائم المالية صحيحة، لكونه يراجع مخرجات أساساً معتمدة على فرضيات، وتغيرها يغير من تلك الأرقام. * يتساءل البعض عن التجاوزات التي حصلت في بعض الشركات الأمريكية خلال العامين الماضيين على الرغم من الرقي الهائل في تنظيم المهنة، والجواب بدهي في ظل الحقائق السابقة، فلا يوجد نظام محاسبي مهما وضع من أنظمة رقابية حوله يستطيع منع الأشرار من تجاوزه، هذا لا يعني أنه لا يوجد خلل في هيكلية المهنة، ولكن تظل الحقيقة دائماً أن هناك احتمالا بوقوع حالات غش وخطأ وتلاعب مهما كانت قوة الأنظمة والمعايير المهنية، المهم أن يتم كشفها ومعاقبة مرتكبيها. مثل هذه الاعتقادات وغيرها زادت الفجوة بين المهنيين ومستخدمي القوائم المالية، وأعتقد أن توضيحها للعامة محاولة لتقليص الفارق بين ما يعتقده المستفيدون وبين واقع الحال، هذا لا يعني أنه لا توجد أخطاء مهنية سواء من منظميها أو ممتهنيها زادت هذه الفجوة اتساعاً. والله أعلم.