دعوة الرضا من آل محمد
دعوة الرضا من آل محمد ( الدعوة العباسية في المرحلة السرية )
يعد مولد الدولة العباسية أحد أهم الأحداث في التاريخ الإسلامي، على مر العصور، لأنها تعد أطول دولة احتلت كرسي الخلافة؛ لمدة تزيد عن نصف الألفية، منذ أن اعتلى أبو العباس الحكم في 132هـ إلى أن احتضرت الخلافة بعد مرحلة من الضعف والتدني، وكان آخر خلفائها المستعصم عام 656هـ، الذي قتل على أيدي المغول، وقد أورد لنا التاريخ رجال دولة من الطراز الأول، مثل السفاح وأبو جعفر المنصور وهارون الرشيد وغيرهم، كما أن ميلاد هذه الدولة أُحيط بالاضطرابات السياسية وأزمة الشرعية والخلافات الفقهية، ويلاحظ أيضا ارتباط هذا الميلاد بواحدة من أنجح العمليات الاستخباراتية على مر التاريخ، والعمل الخفي لسنوات ممتدة بشكل يدعو لدراستها كحالة تحتاج لدراسة، كما أنها مثال مهم لدور القدر في إنجاح السياسات، ولا يمكن للمرء أن يربط كل هذه الخيوط بغفلة عن مؤسس الدولة العباسية وواضع لبنتها الأولى، أبو العباس، الملقب بالسفاح. لقد كانت الدولة الأموية تموج بالحركات الثورية من شيعة وخوارج وحركات انفصال سياسي على رأسها حركة عبد الله بن الزبير، وكانت هذه الدولة تسعى لاقتلاع جذور الفتن دون جدوى لأسباب تتعلق في الأساس بالتشكيك في شرعيتها، فهي دولة سلطوية بحتة لم يورد لنا التاريخ أنها كانت في أي مرحلة تقبل التسامح، باستثناء فترة حكم الخليفة الورع عمر بن عبد العزيز ونتوءات قليلة لبعض الخلفاء، مثل معاوية بن أبي سفيان عندما كان الأمر لا يتعرض لملكه مباشرة، ولكن هناك سببا آخر سمح باستمرار الدولة الأموية لفترة زمنية أطول، وهو غياب مفهوم رجل الدولة لدى الثائرين عليهم، فلم يذكر التاريخ شخصية معارضة فذة تملك الحنكة والقدرة على التخلص من هذا الحكم، وكان أقرب شخص لها هو عبد الله بن الزبير، ولكن التاريخ عكس عدم قدرته على لمّ الشمل بالشكل المناسب، كما أن قبضته على أنصاره ومؤيديه لم تكن قوية، وفي كل الأحوال فإن الطريق أمام حركات المعارضة السياسية كان معروفا، وهو مواجهة البطش الأموي؛ إما باتقاء شر الحاكم أو الخروج عليه، كما فعل الشيعة في مناسبات كثيرة، وانتهت ثوراتهم بالقتل والتشتيت في أغلبها.
لقد كان العباسيون يمثلون فصيلا ثوريا مختلفا بدأ باتقاء شر الحكام الأمويين وانتهى بالثورة المسلحة عليهم كلما اكتُشف أمرهم، فثوراتهم استمرت لسنوات طويلة في سرية تامة لا يُعرف عنها إلا القليل، ولكنها كانت تعمل من خلال الدعوة لشرعية جديدة وهي الدعوة لآل محمد، دون تخصيص، أي لم يفصحوا عن أي فرع من آل محمد يتم الدعوة له، وذلك حرصا على مساندة الشيعية والمتشيعين لقضيتهم لإزالة ملك بني أمية أولا، فضلا عن خطورة الإفصاح عن الهوية السياسية الجديدة على الساحة الثورية حتى لا يقوم بنو أمية بالقضاء عليهم، كذلك لجأ العباسيون إلى سياسة النفس الطويل حتى يسمحوا بترسيخ الفكرة الجديدة والعمل على أطراف الدولة، كما سنرى.
لقد بدأ العباسيون عملهم السياسي السري في الحميمة إحدى القرى القريبة من الشام، حيث بقي فيها علي بن عبد الله بن العباس بمباركة أموية، ولكن مع مرور الوقت بدأ العباسيون يدخلون في اللعبة السياسية ضد بني أمية، خاصة بعد تولية محمد بن علي بن عبد الله وابنه إبراهيم، الذي دأب على الانفتاح السري مع قادة في الكوفة ممن لهم ميول شيعية، وقد بدأ إبراهيم يسيطر على شبكة منظمة من العمل السري السفلي على محاور متعددة، ولعل أهم ما ميز التحرك العباسي، وكان سببا مباشرا في نجاحه، هو تغييرهم للتكتيك الثوري، فهم لم يسعوا للتغير من القلب أو المركز، بل لجأوا للتغير من الأطراف، فكل الثورات التي انتفضت جاءت من القلب؛ سواء في العراق أو الحجاز، ولكنها باءت كلها بالفشل، بالتالي تم توجيه النظر إلى الأطراف، وبالأخص خراسان، التي لم تكن بعد قد تشكلت هويتها السياسية، وهو ما لم يتوقعه بنو أمية على الإطلاق. وتعكس المصادر التاريخية أن العباسيين اتبعوا فكرة التنظيم العنقودي، حيث لم يعرف عضو الشبكة العامل في الشام ما يفعله زميله في الكوفة أو خراسان، وظلت الشبكة محبوكة في أيدي قلة قليلة للغاية، على رأسها شخصية سمتها كتب التاريخ أبا سلمة الخلال، الذي أصبح الرأس المدبر في الكوفة، خلفا لحميه، وسُمّي بوزير آل محمد، وكان هذا الشخص هو الذي ينقل التعليمات العباسية للفرق المختلفة، وكان السلاح الأساسي للدعوة يتمثل في محارب صنديد معروف في التاريخ الإسلامي باسم أبي مسلم الخُراساني، الذي قاد حربا ضروسا بعدما جمع نفرا كثيرا حوله، وواجه أحد أبطال الأمويين المعروفين بشعره العظيم، وهو نصر بن سيار، وانتهت المواجهات بهزيمة ساحقة للأمويين وسقوط خراسان وما حولها للمتشيعين لآل محمد، دون أن يعرفوا بالتحديد أي فرع.
تزامن مع ذلك تصعيد آخر، وهو أن الأمويين اكتشفوا أمر إبراهيم بن محمد في الحميمة، فأسند الرجل الولاية لأخيه أبي العباس، الذي كان دون الـ30 من عمره، وقد عمد الرجل إلى استبعاد أخيه أبي جعفر المنصور، وتُرجع بعض المصادر السبب في ذلك لكون أمه غير عربية، وقد هاجر الرجل مباشرة إلى الكوفة مع أهله وشيعته، وتزامن ذلك مع وصول جيوش أبي مسلم الخراساني إلى هناك، وبدأت الشبكة تكتمل معالمها وأطرافها، وبدأت الساحة ممهدة لزوال دولة بني أمية، واستبدال دولة فتية جديدة بها، وهنا يجدر بنا إبراز عدد من النقاط الرئيسة حول سقوط الدولة، التي نوردها فيما يلي:
أولا: كما ذكرنا آنفا، فالثورة جاءت من الطرف وليس المركز، فبنو أمية كانوا يسيطرون على المركز بشكل أفضل، وهو ما يعكس تقصيرا شديدا؛ فلم يسمعوا لواليهم نصر بن سيار، وهو يستغيث بشعره قائلا:
«أقول من التعجب ليت شعري أأيقاظ أمية أم نيام فإن يك قومنا أضحوا نياما فقل: قوموا فقد حان القيام» فجاء رد مروان بن محمد بقوله «إن الحاضر يرى ما لا يرى الغائب، فاحسم أنت هذا الداء الذي ظهر عندك»، وعندما فشل نصر بن سيار في ذلك كانت بداية النهاية لبني أمية وقصر نظر خليفتها.
ثانيا: لقد كانت السرّية عنصرا أساسيا في نجاح هذه الحركة السرية
ثالثا: إن العباسيين في ثورتهم لم يغيروا قاعدة الثورات الأساسية، التي تطورت بعد ذلك، وهو أن الفصيل الذي يكسب الثورة هو الفصيل الأكثر تنظيما، فلقد ركب العباسيون قوة الدفع الثورية بأقل جهد، فحصدوا أكبر النتائج، وذلك على عكس الشيعة الذين دفعوا بأكثر الجهد، وخرجوا بأقل النتائج، وهو ما يعكس العبقرية السياسية لرجال الدولة العباسية، وعلى رأسهم أبو العباس السفاح ؤاخيه ابو جعفر المنصور
دعوة الرضا من آل محمد ( الدعوة العباسية في المرحلة السرية ) …
نجح جنكيز خان في إقامة إمبراطورية كبيرة ضمن أقاليم الصين الشمالية، واستولت على العاصمة…
في البداية يدرس المقرر قيام الدولة العباسية وظروف نشأتها والعوامل التي ساعدت على…