تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
User Image

د. وليد بن سعد الزامل

Associate Professor

مدير مركز بحوث كلية العمارة والتخطيط

كلية العمارة والتخطيط
مبنى رقم 32 - الدور الثاني - مكتب رقم 2109
مدونة

التخطيط واستيعاب أنماط معيشة الفقراء

التخطيط واستيعاب أنماط معيشة الفقراء

كتبت في عام 2010 رسالة ماجستير بعنوان (تعامل الحكومات مع المناطق العشوائية: تحليل التجربة المصرية كحالة دراسية). تناول البحث مناقشة دور الحكومة في تلبية احتياجات السكان الفقراء، وتبني فكرة بناء إطار مبدئي لمشروع استيطاني يمكن استنباطه من خلال فهم الظروف المادية والاجتماعية والاقتصادية الموجودة بالفعل في المناطق العشوائية. ويأتي البحث في سياق محاولة إعادة صياغة النظرة الاستراتيجية للمناطق العشوائية باعتبارها مناطق سلبية بالمطلق دون إدراك البنية الاجتماعية والاقتصادية التي أسهمت في تكوين البنية العمرانية. لذلك، فتح ذلك البحث - بالنسبة لي - آفاقا أكثر شمولية في التعامل مع المناطق العشوائية والأحياء الفقيرة بعيدا عن الحلول القاصرة على إزالتها، أو إخفائها عن الأنظار!

يبدأ الإطار المقترح بمحاولة فهم أسباب نشوء المناطق العشوائية بداية من تحليل التوزيع السكاني على المستوى الإقليمي ونسب التركز السكاني والهجرة في المدن الكبرى وأثر ذلك في زيادة معدلات الطلب على الإسكان الميسر. ثم تتناول الدراسة تحليل أنماط الإسكان والتوزيع المكاني للعشوائيات في مصر وهكذا وصولا إلى تحليل تفصيلي للبيئة العمرانية في المناطق العشوائية وأثر الجوانب الاجتماعية والاقتصادية في تشكيل الأنماط العمرانية ويشمل ذلك تحليل النسيج العمراني، والطرق والفراغات، وأحجام قطع الأراضي، وخصائص البلوك التخطيطي، وحجم ونوعية الخدمات والمرافق.

كما يحلل البحث أنماط معيشة المجتمع والخصائص الاجتماعية ومصادر الدخل الاقتصادية التي يعتمد عليها السكان.

إن أبرز الاستنتاجات والدروس التي خرجت بها من ذلك البحث هو استيعاب مدى قدرة هؤلاء السكان على تشكيل بيئتهم العمرانية بشكل يتوافق إلى حد ما مع أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية من حيث حجم الأسرة، والقدرة على تحمل التكاليف، والقرب من الخدمات ومصادر العمل. لقد مارس هؤلاء السكان أساليب مختلفة لإدارة التفاوض مع الحكومة من أجل توفير الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء، وفي النهاية تمكنوا من الحصول على معظم المرافق الأساسية. لقد كانت الطرق داخل هذه المناطق العشوائية ضيقة ومتعرجة وغير مناسبة لحركة السيارات، وهناك بعض الفراغات بين الكتل العمرانية تخصص للعب الأطفال واجتماعات الأهالي. وفي معظم الأحوال، توفر هذه العشوائيات مصادر اقتصادية يعيش من خلالها السكان، حيث تجدهم يعملون في تربية المواشي أو بيع المنتجات الغذائية أو أعمال النسيج أو حتى فرز النفايات. كما يتعاون السكان مع بعضهم البعض لتلبية احتياجاتهم الضرورية أو إدارة شؤون حياتهم. في الواقع، هذه العشوائيات تنسج لنا حكاية مجتمع قادر على العيش والتكيف وإدارة شؤونه في أصعب الظروف.

يؤسس البحث إطارا للارتقاء بالمناطق العشوائية وبناء نموذج استيطاني جديد بعيدا عن حلول الأبراج السكنية أو الوحدات المكررة. لذلك، يمكن أن يترجم هذا النموذج الاحتياجات الاقتصادية ويعكس خصائص النسيج الاجتماعي ليضعها في قالب استيطاني جديد وهو ما يضمن نجاح مشاريع الإسكان لفقراء الحضر. ويدعم هذا النموذج مبدأ (الارتقاء التشاركي) بين السكان والقطاع الخاص والمؤسسات الأهلية. كما يسهم في تخفيف العبء المالي على الحكومات وفي الوقت ذاته يتيح الفرصة للسكان للبقاء في نفس المكان؛ أو الانتقال إلى مشروع استيطان بديل يوفر كافة ظروف ومتطلبات الحياة الكريمة. الخلاصة، من المهم أن نفهم أولا كيف يعيش الفقراء حتى نوفر لهم بيئة قادرة على استيعابهم؟