تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
User Image

الـدكـتـور عـمـر بـن عـبـدالـعـزيـز آل الـشـيـخ

Associate Professor

عضو هيئة تدريس

كلية الطب
كلية الطب
مدونة

قيـمة الجـامعــات

تتضمن المقترحات الخاصة بالتعليم العالي في المملكة المتحدة بعض النقاط الإيجابية في ظل الأزمة المالية الراهنة.

Nature (2016)

من المتوقع أن تسفر سياسات التقشف التي تتبناها حكومة المملكة المتحدة عن استقطاعات كبيرة من ميزانية عدد من الأقسام في مختلف الجامعات. وبغرض مواجهة هذه الاحتمالات، قام الباحثون البريطانيون ـ إلى جانب لجنة العلوم والتكنولوجيا البرلمانية، التي تتمتع بنفوذ كبير ـ بممارسة ضغوط هائلة، لإبراز القضية في إطار أن مجرد وضْع ميزانية للأبحاث غير قابلة للزيادة سيمثل خيانة لاحتياجات البلاد بعد خمس سنوات، إلا أن مدى نجاح هؤلاء الباحثين، ونظرة الحكومة إليهم باعتبارهم فئة جديرة بالاستثناء لن يتضح قبل رؤية إعلان خطط الإنفاق، الذي كان من المخطَّط صدوره في 25 نوفمبر الماضي. وقد سعت دورية Nature إلى سبر أغوار هذه الاحتمالات المثيرة للقلق في أحد مقالاتها.

لم تقف الأمور عند هذا الحد؛ فقد شرعت الحكومة البريطانية ـ في نوفمبر الماضي ـ في إجراء مشاورات بشأن إعادة الهيكلة المقترحة لطريقة الحكومة في إدارة التمويل في التعليم العالي (انظر: go.nature.com/c97sww)، حيث أعلنت في هذه المشاورات عن رغبتها في إلغاء مجلس تمويل التعليم العالي في إنجلترا (HEFCE)، وهو الهيئة المنوط بها توزيع 1.6 مليار جنيه إسترليني (ما يعادل 2.4 مليار دولار أمريكي) من أموال الأبحاث المرتبطة بالجودة على الجامعات، بحيث تظل هذه الأموال الأساسية خاضعة لإدارة منفصلة عن إدارة التمويلات الأكثر مرونة، وتتولاها المجالس البحثية بالمملكة المتحدة، وهذا غالبًا من خلال منظمة لتمويل الأبحاث، تكون مسؤولة عن كلا النوعين من التمويلات.

ربما لم تحظ تلك التغيرات ـ على وجه التحديد ـ بالطرح الملائم، إلا أن هذه الحزمة من المقترحات تتضمن جوانب أخرى تتمتع بمزايا بالغة الأهمية؛ حيث تسعى الحكومة من خلالها إلى معالجة مشكلتين أساسيتين في منظومة التعليم العالي في المملكة المتحدة، وهما: الإهمال النسبي لمعايير الجودة الخاصة بالتدريس، وأوجه القصور في الإسهام في الحراك الاجتماعي. وتعكس هذه المقترحات جانبًا إيجابيًّا آخر، يتمثل في دعم الحكومة لاستمرار العمل بموجب منظومة "إطار التميز البحثي" REF كآلية لتقييم جودة الأبحاث، ودرجة تأثيرها، بغض النظر عن اقتراح إلغاء مجلس تمويل التعليم العالي في إنجلترا، الذي حقق نجاحًا ملحوظًا في تطبيق هذه الآلية. وتمثل الاستفادة من منظومة "إطار التميز البحثي" ـ كوسيلة للتقييم ـ مطلبًا أساسيًّا بلا شك، على الأقل لأهمية نتائجه في دعم قضية الاستثمار الحكومي في مجال الأبحاث.

«تقدِّم الآثار الناجمة عن دراسات الحالة الحججَ والأدلة المطلوبة لدعم الأبحاث العلمية في جميع التخصصات».

صحيح أن العديد من الأكاديميين كانوا يكنون كراهية شديدة لمنظومة "إطار التميز البحثي"، نظرًا إلى ما تتطلّبه من تقديم كميات هائلة من المعلومات؛ للحصول على التمويل، إلا أن البحث في نتائج تطبيق هذه الوسيلة، وفي الآراء النقدية السابقة المقدَّمة من الأعضاء الدوليين لفِرَق التقييم (انظر: go.nature.com/q919oe)، يؤكدان على ما تتمتع به المنظومة من نقاط قوة متعددة. وإذا أخذنا ـ على سبيل المثال ـ قاعدة بيانات ما يقرب من 7,000 دراسة حالة عن الآثار المجتمعية للبحث الأكاديمي (انظر:http://impact.ref.ac.uk/casestudies)، سنجد أن تنوع هذه الآثار في مجالات مختلفة، مثل الصحة، والاستدامة، والتعليم، والنمو الاقتصادي في المملكة المتحدة وخارجها، يُعتبر تنوعًا مؤثرًا ملفتًا للنظر.

لا يوجد سبب لافتراض أن تحديد هذه النتائج يمثل وضعًا معكوسًا، أو ـ بعبارة أخرى ـ يمثل ’عربة‘ الآثار التي تجر ’قاطرة‘ الأبحاث، حيث لم تقم فِرَق التقييم في منظومة "إطار التميز البحثي" بمَنْح دراسات الحالة المجتمعية سوى %20 فحسب من إجمالي التقييم، بينما خصصت %65 للأداء الأكاديمي. كما أنه لا يمكن لأحد أن يدّعي ـ على أسس منطقية مقبولة ـ حتمية توقُّع النتائج، واشتراطها كأساس لتمويل الأبحاث في المستقبل. فالمنطق الذي يقبله العقل هو أن المجتمع العلمي قادر على تقديم المساعدة؛ لضمان أقصى قدر من العوائد على أموال دافعي الضرائب، وذلك بأن يصبح هذا المجتمع على دراية كاملة بمسارات تأثير الأبحاث، وتوسيع نطاق رؤيته للدور المنوطة به الأبحاث. وهو ما يمكن أن يحدث وفقًا لدراسات الحالة، حتى في المجالات البحثية الأساسية التي لا يمكن الاستغناء عنها.

في الإطار ذاته، تقدِّر إحدى الدراسات التي أجراها خبراء مستقلون بمؤسسة "راند أوروبا" RAND Europe بأن صياغة التقارير الخاصة بتأثير الأبحاث الأكاديمية في منظومة "إطار التميز البحثي" تكلف الجامعات حوالي 55 مليون جنيه إسترليني (انظر:go.nature.com/dzwbjn). ولعل هذا ما يبرر مخاوف الأكاديميين والسياسيين من أعباء النفقات، ولكن بمقارنة هذه التكاليف بالميزانية العامة التي ترتبط بها (1.6 مليار جنيه إسترليني)، تصبح هذه التكاليف التي تعادل %3.4 فحسب من الميزانية الكلية صفقةً رابحة، خاصة إذا وضعنا في الاعتبار أن نظام التقييم قد يصبح أكثر فعالية، إضافة إلى مزايا تشجيع هذه التأثيرات.

تتجه الحكومة بقوة ـ من منطلق وعيها الكامل بهذه الأعباء ـ إلى توفير وسيلة أقل تكلفة لتقييم كل من التأثيرات الأكاديمية والمجتمعية باستخدام المقاييس المتعارَف عليها، إلا أن التوضيحات الصادرة عن فِرَق التقييم التابعة لمنظومة "إطار التميز البحثي"، وعن التحليلات التي أجرتها مؤسسة "راند" عن تقييم التأثيرات (go.nature.com/yysa6m)، وعن أحد التقييمات المستقلة للمقاييس المعمول بها في مجال الأبحاث (go.nature.com/rfrgql)، تشير جميعها إلى ضرورة التخلي عن هذا التوجه، حيث تمثل المراجعة العميقة والواعية لنمطي التأثير الطريقة الوحيدة لتحقيق العدالة لكليهما.

إنّ الآثار الناجمة عن دراسات الحالة تقدِّم الحجج والأدلة المطلوبة لدعم الأبحاث العلمية في جميع التخصصات. وتعمد بعض الهيئات والمصالح الحكومية إلى نشر هذه الأدلة على هذا الأساس. ولذلك.. يجب على القراء المعنيين بالتعليم العالي في المملكة المتحدة أن يعربوا عن آرائهم بشأن هذه المقترحات قبل 15 يناير 2016 على الرابط التالي: (go.nature.com/l3rrtx).
المصدر:http://arabicedition.nature.com/journal/2016/01/527133