تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
User Image

الـدكـتـور عـمـر بـن عـبـدالـعـزيـز آل الـشـيـخ

Associate Professor

عضو هيئة تدريس

كلية الطب
كلية الطب
مدونة

تقنيات التصوير الطبي: بُعد إضافي يتاح لتحليل العظام

إن الجمع بين تقنيتين - وهما التصوير المقطعي الحاسوبي، والتصوير بتبعثر الأشعة السينية بزاوية صغيرة - إضافة إلى وجود قدرة حاسوبية كبيرة، جعل من الممكن تحليل أنسجة العظام والأسنان بشكل ثلاثي الأبعاد على مقاييس متعددة.

بيتر فراتزل

Nature (2016)

في عدد 19 نوفمبر من دورية Nature الدولية، نُشرت ورقتان علميتان (بواسطة ليبي وآخرين، وشاف وآخرين ) عُرضت من خلالهما أساليب مختلفة لإظهار تركيب العظام والأسنان بشكل ثلاثي الأبعاد، على كل من المقياس العيني (الذي يُرى بالعين المجردة)، والمقياس النانو متري. وتُستمد تلك الأساليب من التصوير المقطعي الحاسوبي، وهو يُعتبر تقنية تصوير طبي، لها أساس علمي راسخ، يمكنها أن تنتج صورًا ثلاثية الأبعاد للعظام، ولكنها تحدد قيمة معامل قياسي واحد، مثل كثافة المعادن لكل فوكسل (بكسل ثلاثي الأبعاد) من الصورة. أما باستخدام التقنيات الجديدة، فإن كل فوكسل أصبح يحتوي على معلومات عن اتجاه وحجم جسيمات المعادن في عيِّنة العظام، أو السن. ويتم تحديد قوة العظام عن طريق معرفة تركيبها في جميع المقاييس، وبالتحديد عن طريق معرفة التباين الموضعي في حجم، وكمية، واتجاه جسيمات المعادن في العظام ؛ حيث إن صفائح المعادن التي تتكون من فوسفات الكالسيوم يبلغ سُمكها بضعة نانومترات فحسب، ونجدها مُتضمَّنة في مصفوفة من جزيئات الكولاجين (الشكل 1). وبالنظر إلى أن نسيج العظام يعاد تشكيله وتهيئته باستمرار، فإن اتجاه ألياف الكولاجين المعدنية يتغير بطرق معقدة في جميع أنحاء النسيج .

ورغم أن الفحص المجهري الإلكتروني النافذ يتيح دقة تصوير كافية لإظهار جسيمات المعادن، إلا أنه لا يسمح برسم خرائط للجسيمات عبر مسافة ملِّيمترات من المقاطع العظمية الكاملة. ولهذا السبب.. تُستخدم تقنية تُدعى تَبَعْثُر الأشعة السينية بزاوية صغيرة(SAXS)، كطريقة للمسح الطبي منذ التسعينات، بغرض دراسة العظام المأخوذة من العينات الحية للمرضى والحيوانات وفي هذه الطريقة يتم تحريك عينة العظام في بُعدين (محدَّدين بالمحورين x وy في الشكل 1) عبر حزمة ضيقة من الأشعة السينية، وفي كل موضع من ذلك المسح، يتم تجميع نمط تبعثر الأشعة السينية بزاوية صغيرة. وتلك الطريقة تتيح لنا إظهار مقياسين مختلفين في الوقت نفسه، هما: التركيب، وبخاصة اتجاه ألياف الكولاجين المعدنية لكل وحدة بكسل من المسح، إضافة إلى التغير في اتجاه الألياف عبر العينة العينية.

وعند استخدام جهاز كاشف للأشعة السينية ثنائي الأبعاد، كما حدث في بداية تطبيق تقنية المسح بتبعثر الأشعة السينية بزاوية صغيرة، فإن ذلك من شأنه أن يوفر معلومات فعَّالة رباعية الأبعاد، تتمثل في: خريطة عينية ثنائية الأبعاد لنسيج العظام، إضافة إلى معلومات ثنائية الأبعاد عن تركيب ألياف الكولاجين المعدنية لكل بكسل من الخريطة.ومن اليسير أن يتم توسيع المسح ليصبح خماسي الأبعاد، عن طريق تدوير مقطع العظام حول محور، وذلك من أجل تجميع معلومات ثلاثية الأبعاد عن ألياف الكولاجين المعدنية لكل وحدة فوكسل، بينما يتم الإبقاء على المسح ثنائي الأبعاد.

ومن المستحسَن توسيع المسح إلى ستة أبعاد، عن طريق تفعيل التخطيط العيني ثلاثي الأبعاد للعينة، لكن إعادة بناء البيانات سداسية الأبعاد يُعد تحديًا رقميًّا هائلًا، ويمكن حله فقط عن طريق استخدام تقديرات تقريبية معينة، فضلًا عن الحاجة إلى قدرة حاسوبية ضخمة، حيث إنه في تقنية التصوير المقطعي الحاسوبي التقليدية تتم إعادة بناء الأحجام من الصور ثنائية الأبعاد المأخوذة في المستوى x-y للعديد من زوايا الدوران φحول محور معروف (الشكل 1)، بينما في تقنية التصوير المقطعي بتبعثر الأشعة السينية بزاوية صغيرة، ينبغي تجميع بيانات ثنائية الأبعاد لتبعثر الأشعة عند كل موقع من المستوى x-y، وذلك للعديد من زوايا الدوران، وليس حول محور دوران واحد فحسب، بل حول العديد من المحاور؛ مما ينتج كمًّا هائلًا من القياسات التي تتطلب بدورها جهودًا حاسوبية ضخمة.

ولجَعْل تلك الجهود قابلة للإدارة، فإن ليبي وزملاءە استغلوا تماثلات معينة في ألياف الكولاجين المعدنية في العظام. وبشكل أكثر تحديدًا، فإنهم يفترضون أن ترتيبات جسيمات المعادن متماثلة دورانيًّا ـ أي أنها تبدو بالشكل نفسه بعد مقدار معين من الدوران ـ وذلك حول الاتجاه الذي تصطف شطره جزيئات الكولاجين في كل وحدة من ألياف الكولاجين. وهذا التماثل يفرض قيودًا على أنماط تبعثر الأشعة السينية بزاوية صغيرة، مما يساعد في إعادة بناء الصور ثلاثية الأبعاد باستخدام عملية تُدعى أحيانًا "مُوَتِّر التصوير المقطعي".

أما طريقة شاف وزملائه، فتقوم على فرضية أن الإشارات الناتجة عن تبعثر الأشعة السينية بزاوية صغيرة تختلف ببطء مع تغيُّر زاوية الدوران. وهذا يعني الحاجة إلى زوايا دوران أقل أثناء جمع البيانات، لأن قيم البيانات الموجودة بين زوايا الدوران يمكن استقراؤها داخليًّا، حيث استخدم الباحثون تقنيتهم لدراسة العاج في الجزء الداخلي لسن. وقد نجحت التقنيتان في إنتاج صور ثلاثية الأبعاد لعينات عينية، وفي كل منها تحتوي وحدة الفوكسل الواحدة على سهم يمثل الاتجاه السائد لألياف الكولاجين المعدنية في هذا الفوكسل.

كما توجد محاولة سابقة لتطوير مسح ثلاثي الأبعاد باستخدام التصوير المقطعي بتبعثر الأشعة السينية بزاوية صغيرة، حيث تم تصميمها خصيصًا للمواد التي يكون التماثل الدوراني لتركيبها حول محور واحد، مثل المواد المركبة المكوَّنة من ألياف متوازية. وهذه الطريقة تشبه الطريقة الخاصة بليبي وزملائه، ولكنها تقوم على فرضية أن كل الألياف تشير إلى الاتجاه نفسه في جميع أنحاء العينة، وهو الأمر الذي لا يُعَدّ صحيحًا في حالة العظام. هناك أيضًا طريقة جديدة، تم الإعلان عنها، تطبِّق المسح التقليدي باستخدام تقنية تبعثر الأشعة السينية بزاوية صغيرة على سلسلة متتالية من مقاطع العظام الرقيقة المُقطعة من كتلة واحدة. وبتجميع سلسلة بيانات المسح الناتجة من تبعثر الأشعة السينية بزاوية صغيرة، يمكن إعادة بناء صورة كاملة ثلاثية الأبعاد. أما العيب الواضح لتلك التقنية بالمقارنة بالتقنيات الجديدة المعلن عنها، فهو أن عينة العظام يتم إتلافها.

تمكَّن كل من ليبي وشاف وزملائهما من جمع أكثر من مليون نمط ناتج من تبعثر الأشعة السينية بزاوية صغيرة لإعادة بناء النماذج، بما يعادل ملايين من وحدات تيرابايت من البيانات، وهو قدر هائل بالفعل. إن تسجيل تلك البيانات باستخدام مصدر للأشعة السينية الناتجة عن مسرِّع إلكتروني تزامني (سنكرترون) قد استغرق يومًا كاملًا، أما الحسابات المطلوبة لمسح صورة مقطعية واحدة، فقد استغرقت عدة أيام لإجرائها. وهذا الكم المهول من البيانات يمكن السيطرة عليه، طالما أنه إثبات لمبدأ عمل تلك التقنيات فحسب، ولكنه سيشكل عائقًا عند إجراء الدراسات الإكلينيكية التي ستتطلب العديد من الصور المقطعية.

ومع ذلك.. فإن قابلية هذه التقنيات للتطبيق قد تمت برهنتها بالفعل. ومع التقدم المتوقع في تطوير مصادر الأشعة السينية، وأجهزة الكشف، والقدرات الحاسوبية، يمكن للمرء أن يتوقع أن تصبح تقنية التصوير المقطعي بتبعثر الأشعة السينية بزاوية صغيرة أداة مهمة لتحليل العظام، وعاج الأسنان، والأنسجة المعدنية الأخرى في الدراسات الحيوية والطبية.

 
المصدر: http://arabicedition.nature.com/journal/2016/01/527308a