تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
User Image

محمد بن ابراهيم علي الغبان

Associate Professor

عضو هيئة تدريس

اللغات وعلومها
جامعة الملك سعود. ص. ب 87907 الرياض 11685
مدونة

احتضار اكاديمي في برنامج اللغة العبرية !

سعى المستشرقون اليهود والصهاينة ومن تبعهم إلى خدمة الصهيونية واهدافها باختلاف انواعها (استعمارية، سياسية، عسكرية، اقتصادية، دينية...الخ) من خلال دراساتهم الاستشراقية للغة والدين والثقافة والشخصية الاسلامية والعربية؛ ولعل اكبر شخصية اسلامية درستها اقلام أولئك المستشرقون اليهود هي شخصية صفوة خلق الله رسولنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم. فرغم سياسات اللطف واللين والعدل والمساوة التي اتبعها الرسول عليه والصلاة والسلام مع اليهود في تعامله معهم كونهم أحد الاطياف المكونة لمجتمع المدينة في بداية العهد النبوي وقيام دولة الاسلام؛ إلا أنه كان حذرا في تعاملاته معهم. فلقد جاء في الحديث الشريف أن الرسول الحنيف أمر صاحبه زيد بن ثابت بتعلم العبرية لعدم ثقته باليهود، فرغم أنهم لم يكونوا يتحدثون بالعبرية ذلك الوقت، إلا أنها كانت اللغة التي تكاتبون بها فيما بينهم (اليهودية-العربية وهي كتابة النص العربي بحروف عبرية مع ادخال بعض الكلمات العبرية ضمن المعاني المكونة لمحتوى النص).
 وفي العصر الوسيط، فإن العصر الذهبي في التاريخ اليهودي ، كما يسميه اليهود انفسهم، هو العصر الذي بلغت فيه الحضارة والثقافة اليهودية ذروتها اثناء فترة الحكم الاسلامي في الاندلس (القرن العاشر والحادي عشر الميلادي). فقبل ذلك كان اليهود يعيشون كأقليات دينية عرقية مضطهدة تحت الحكم الروماني، فلم يسمح لهم بممارسة ديانتهم ولا التحدث بلغتهم. ولكن بعد انتشار الاسلام في الاندلس حصل اليهود على حريتهم الدينية وحقوقهم في المواطنة حتى بلغوا مناصب مهمة في الدولة الاسلامية منها الوزير والحاجب. ولقد سكن اليهود في تلك الفترة مدريد، غرناطة، توليدو وقرطبة. ولما كان للمسلمين اليد العليا في السياسة، العلم، الحضارة، والاقتصاد، أثر ذلك كثيرا على اليهود وأدى الى تحول في الفكر والدين والحضارة اليهودية ايضا. فلقد تأثر يهود تلك الفترة بالمدارس والعلماء المسلمين في مجالات الدراسات الدينية والعلوم والطب والفلك والآداب وفقه اللغة وغيرها من العلوم. فكتبوا الشعر واصبحوا اطباء وعلماء وفلاسفة مشهورين امثال موسى بن ميمون وشموئيل النجيد ابن النغريلة ويحي الحريزي وغيرهم. 
وعلى عكس التاريخ والحقائق، يحاول اليهود انكار فضل الاسلام والمسلمين عليهم وقلب الحقائق وتزويرها. فتحت مسمى "مراكز الدراسات الشرقية"، وايضا عشرات الاقسام الاكاديمية لدراسات الشرق الأوسط حول العالم (خصوصا في الدول التي تتواجد فيها جماعات يهودية ذات نفوذ كأمريكا وأروبا واستراليا واسرائيل)  حشدت الصهيونية العالمية كل طاقاتها المالية والبحثية لتشويه صورة الإسلام والعرب أمام اصحاب القرار في الغرب؛ وأيضا في اوساط المجتمعات اليهودية نفسها. فروجوا، وللأسف نجحوا في ذلك، في القرن الماضي لفكرة ان "اليهود هم شعب بلا وطن، وأن فلسطين هي وطن بلا شعب"،  فضاعت فلسطين في بادي الأمر جراء انشغال العرب عنها بتحرير ورسم حدود بلدانهم ليتقاسمها الاستعمار البريطاني مع عصابات "البلماح" اليهودية الصهيونية المتطرفة؛ إلى ان فاق العرب لهذا الخطر القادم من الغرب ولكن بعد فوات الاوان. 
إن اهتمام الصهيونية بالاستشراق جعل الدراسات الشرقية ليست فقط متوفرة تقريبا في كل جامعة اسرائيلية تمنح فيها درجات علمية متقدمة وحسب، بل وحتى مختلف الاجهزة الامنية وقطاعاتها تعنى بدرجة كبيرة بالدراسات والابحاث المتعلقة بلغات وثقافات سكان الشرق الأوسط والأدنى من عرب وفرس وترك وكرد وبربر وغيرهم. إن القطاعات والمؤسسات الصهيونية تنفق ملايين الدولارات لدعم وتشجيع تلك الابحاث وتطويرها وجلب المختصين والعمل على الرفع من كفاءاتهم. إنهم لا يتعلمون ويدرسون اللغات الفصيحة والرسمية لشعوب المنطقة وحسب، بل يهتمون ايضا بدراسة وتعلم لغات الشارع على اختلاف الفئات العمرية، بل وحتى اللهجات الخاصة لقبائل وسكان المناطق النائية لتلك البلدان. وفي المقابل ماذا فعل العرب من جهتهم؟ مراكز الدراسات الشرقية تنتشر على استحياء في الجامعات العربية ونتاجاها العلمي السنوي مجتمعة لا يعادل ما ينتجه قسم الدراسات الشرقية في جامعة تل–ابيب وحدها! على سبيل المثال، في المملكة العربية السعودية يوجد مركز دراسات شرقية واحد فقط يعمل فيه اربع اساتذة متخصصون في الدراسات الاسلامية! ولماذا نذهب بعيدا، برنامج اللغة العبرية في جامعة الملك سعود الذي أسس منذ عشرون عاما، يعنى فقط بتدريس اللغة والشيء البسيط الذي لا يكاد يذكر عن ثقافتها! علما بأن علاقة اللغة بالثقافة اشبه بعلاقة الجسد بالروح، فكلاهما مكمل لوجود الآخر. إن برنامج اللغة العبرية لم يوظف كما ينبغي في نشر الوعي في المجتمع وتصحيح المفاهيم تجاه اليهود واليهودية والمجتمع الاسرائيلي في الداخل والخارج، بل حتى يتحفظ اعضائه من الحديث مع وسائل الاعلام المحلية والخارجية خشية ردة الفعل القاصرة من بعض اطياف المجتمع. وعلاوة على ذلك يعيش البرنامج وبقية برامج كلية اللغات الترجمة حالة "الاحتظار الأكلديمي" بسبب تعقيدات استقطاب الاساتذة المتخصصين لسد العجز الذي تعاني منه الكلية منذ زمن (اعلب البرامج كالصيني والتركي والفارسي يوجد فيها استاذين أو ثلاثة فقط لتدريس جميع المستويات!). إن جامعة الملك سعود تعد من اكبر المنابر العلمية في المنطقة وتتميز بعدد لا بأس به من اللغات وبمقدورها، كما عودتنا في مختلف الاصعدة، أن تستثمر الإمكانات والكفاءات التي تمتلكها لتحقيق الريادة في هذا المجال، الذي هو في الاساس أمانة دينية وضرورة أمنية.
باختصار، إننا وللأسف لازلنا نتجاهل الواقع الإستشراقي لليهود ونرفع شعار "أميتوا الباطل بالسكوت عنه"! لكن الحقيقة المؤلمة التي يجهلها أو يتجاهلها الكثير، هي أن ذلك الهروب لا يصب إلا في مصلحة العدو؛ فلا داعي للقول بأن الاستعمار الثقافي والفكري أشد فتكاً من الاستعمار العسكري. وليس من الحكمة أن تُرفع اقلامنا وتُجفف صحائفنا، في الوقت الذي لا تزال اقلامهم تكتب وصحفهم تبتل بحبر السم الذي تشوه به ديننا وتقافتنا امام ناظرنا.  
د. محمد الغبان- اللغة العبرية والدراسات اليهودية