تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
User Image

محمد بن ابراهيم علي الغبان

Associate Professor

عضو هيئة تدريس

اللغات وعلومها
جامعة الملك سعود. ص. ب 87907 الرياض 11685
مدونة

قراءات في تداعيات التدخل العسكري الروسي في سوريا على اسرائيل

التدخل الروسي الاخير في سوريا اثار جدلا واسعا في اوساط الباحثين والسياسيين الإسرائيليين حول الاهداف الاستراتيجية، والدوافع التي جعلت روسيا تتدخل عسكريا في سوريا والعمل بها بشكل وقح امام العلن. ويرى بعض المحللين الإسرائيليين بأن انقاذ الاسد هو ليس إلا ذريعة لغاية استراتيجية اكبر، من خلالها تنصب روسيا نفسها كقوة عظمى عالمية. بحسب هذا الرأي، فإن روسيا تسعى لأن تكون لاعب رئيسي في الشرق الأوسط وبالذات في ظل استمرارية ضعف ونفاق السياسة الأمريكية. ويرى البعض الآخر بأن تدخل روسيا في سوريا هو تدخل مرحلي، غايته اعادة استقرار سوريا من خلال الحفاظ على حكم الأسد وإلحاق الضرر بالدولة الإسلامية- داعش، ومن ثم تقليص التهديد الجهادي الرئيسي على روسيا.  أما بالنسبة للموقف الإسرائيلي من الحرب السورية، فالواضح أمامنا أنه ومنذ اندلاع الحرب الأهلية في سوريا واسرائيل لم تتدخل علنا بمجريات الأحداث الداخلية، لكنها تتحرك ضد كل محاولة تهريب سلاح من سوريا لحزب الله اللبناني، وترد احيانا على مصادر اطلاق بعض القذائف التي تسقط خطأ داخل حدودها في الجولان. ويرى المراقبون الإسرائيليون بأن سياسة اسرائيل تجاه الأسد سببت اشكالية من الجانب الأمني لإسرائيل. فبقاء الرئيس السوري يعزز بقاء حزب الله وايران بسوريا عموما، وبهضبة الجولان بشكل خاص. فلو نجحت الآمال في سقوط الأسد أثناء الأحداث، دون أي تدخل اسرائيلي، لما كان لروسيا أي دور تلعبه حاليا في سوريا.  
وإذا اخذنا في الاعتبار عند تحليل درجات التهديد على أمن اسرائيل، سنجد هناك داعش المتواجدة بعيدا عن الحدود الاسرائيلية وقوتها العسكرية لا تزال ضعيفة في هذه المرحلة مقارنة بقوة اسرائيل، فهي لا تشكل تهديد عسكري استراتيجي في هذه المرحلة على اسرائيل. بعكس ذلك، حزب الله، الذي تزود بقدرات حربية واستخباراتية متطورة، تخوله من تغطية اسرائيل كافة بصواريخ وقذائف بعيدة المدى، اضافة الى احتمالية زيادة  قوته عقب العمليات الروسية، في حال تسرب وسائل قتالية روسية إليه سرا أو علانية.
لكن عندما نتحدث عن ايران والأسد، فإن التدخلات الروسية تستوجب تحليل القضية على مستوى المنظومة وليس على مستوى اللاعبين. فروسيا قبلت أن تتورط في المستنقع السوري وتبدأ في توفير الحماية لتلك المنظومة "الشيعية"، او " الدبلوماسية الراديكالية،" التي تظم ايران، سوريا، وحزب الله.  ولقد اكد زعيم حزب الله على استقرار حكم الاسد كشرط من اجل بقاء "معسكر المعارضة الراديكالي." ولذلك، تستثمر ايران جهودا رفيعة بهدف الحفاظ على حكم الاسد، من خلال يقينها، بأن سوريا هدف استراتيجي لها أمام العالم "العربي- السني" وامام اسرائيل، وخوفا من أن عزل الاسد سيضر بشكل مأساوي "في معسكرها" بصفة عامة وبحزب الله بصفة خاصة. إن اعضاء المعسكر الشيعي وروسيا يتشاركون المعلومات الاستخباراتية والدراسات الاساسية، التي يستند اليها التنسيق بين القوة الجوية الروسية والقوة الارضية لإيران- سوريا- حزب الله. واذا نجحت هذه المنظومة في إعادة حكم الاسد كما كان عليه قبل 2011، فإن اسرائيل ستجد نفسها في وضع استراتيجي ضعيف، لان التدخلات الروسية من شأنها أن تمنح ترخيص لأنشطة ايران داخل سوريا في السنوات القادمة، وايضا لتواجد قوات حزب الله المزودة بما لذ وطاب من انواع السلاح الروسي، في ارجاء سوريا.
منذ الثورة الخمينية واسرائيل تقف امام تهديد من جانب طهران، التي تسعى جاهدة للهيمنة الاقليمية. هذا التهديد تواكبه محاولات ايرانية في مواصلة التسلح بالسلاح النووي، وتطوير منظومة صواريخها (مؤخرا ايران اعلنت عن تطوريها صاروخ جديد من طراز ارض-ارض بعيد المدى، وايضا كشفت عن خندق ارضي يستخدم كقاعدة لصواريخ بالستية مداها 1700 كلم) واخيرا تواجد عسكري في حدود اسرائيل مع سرويا ولبنان. ورغم نلك، امتنعت اسرائيل حتى اللحظة من شن عملية عسكرية من شأنها ان تساهم في اسقاط حكم الأسد وبالتالي إلغاء تواجد ايران وحزب الله في سوريا.
ختاما، يرى الساسة الاسرائيليون بأن استمرار التدخل الروسي في سوريا يضع اسرائيل امام خياران رئيسيان: 1-  العمل على تقوية العلاقات مع الدول العربية السنية وتركيا- بإشراك واشراف امريكي. فالغضب والاحباط الذي تشعر به تلك الدول جراء المسار احادي-الجانب للروس من شأنه بأية طريقة ان يبرز اسرائيل كلاعب استراتيجي يشارك في منظومة القوى التي تضعف دراماتيكيا تهديد "المعسكر الراديكالي" المتواجد شمال اسرائيل. 2-  في حال فشل الائتلاف "الغربي" في القيام بعملية نوعية ضد الأسد وداعش تؤدي إلى اسقاطهما، فعلى اسرائيل التحرك نحو تحالف اسرائيلي-روسي ينتج عنه بناء نظام جديد في سوريا وشراكة اسرائيلية- روسية- سورية. على كل حال، ان اسقاط الاسد يعتبر هدف استراتيجي لإسرائيل ولكل المنطقة، فإبعاد الاسد سيؤدي الى سقوط استراتيجي لإيران وحزب الله في سوريا خصوصا والشرق الأوسط عموما.
 
د. محمد الغبان- اللغة العبرية والدراسات اليهودية
malghbban@ksu.edu.sa