تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
User Image

محمد بن ابراهيم علي الغبان

Associate Professor

عضو هيئة تدريس

اللغات وعلومها
جامعة الملك سعود. ص. ب 87907 الرياض 11685
مدونة

الكوشر" والحلال من الطعام في اليهودية والإسلام

 
د. محمد بن ابراهيم الغبان- استاذ مساعد في لغات وثقافات الشرق الأدنى –اللغة العبرية والدراسات اليهودية - كلية اللغات والترجمة بجامعة الملك سعود.
حلل الإسلام طعام أهل الكتاب من اليهود والنصارى وقرن ذلك بضوابط وشروط ينبغي علينا كمسلمون معرفتها. في الحقيقة، يلتبس على الكثير من اتباع الديانات غير اليهودية، ومنهم نحن المسلمين، مفهوم التعبير "כשרות " – كشروت-  والصفة منه "كوشر أو كاشير" في اللغة العبرية. فالبعض يترجم كوشر إلى حلال ظنا منه أن المعنى ينحصر فقط في طريقة ذبح الحيوان. بينما الذبح في اليهودية "שחיטה"- شحيطا- له مفهوم آخر ويعتبر جزء من عملية الكشروت وليس الكل. فمثلا يجب في الاسلام ذكر "بسم الله الله أكبر" على البهيمة قبل الذبح، وفي اليهودية يجب ذكر " تباركت يا الله ربنا ملك العالم الذي قدسنا بوصاياه وأمرنا بالذبح"، وهناك قوانين خاصة بالذبح تتشابه وتختلف في الأحكام الفقهية الخاصة بالذبح بين اليهودية والإسلام. ولكن سنركز الحديث هنا على التعبير "كوشر" وليس الذبح.
يرتبط التعبير– كشروت- في اللغة العبرية بالنظام العام الذي يحدد ما يحل وما يحرم أكله من أنواع الطعام المختلفة. ولا يختص المصطلح فقط بالديانة اليهودية، بل يشمل أنواع معينة من الأطعمة الموجودة في ديانات وثقافات اخرى. ورغم أن حكم تحريم الأطعمة المحرمة في اليهودية ليس من ضمن الأحكام التي تندرج تحت قائمة "يقتل ولا يتجاوز"، أي التي تلزم اليهودي بتنفيذها وحتى ولو كان فيها موته، إلا أن هناك حالات كثير جدا عبر التاريخ ليهود فضلوا فيها الموت عن الخروج على قانون الكشروت في الطعام. أما يهود اليوم فهم لا يحافظون إلا على جزء من احكام الأطعمة، والأغلبية لا تنظر حتى إلى تلك الاحكام التي يعتبرها فقه الشريعة اليهودية من الأمور شديدة الحرمة. فمثلا، بعض اليهود يحرص على عدم أكل لحم الخنزير، لكنهم لا يحرصون على أن يكون اللحم الذي يأكلونه يوافق تعاليم الشريعة اليهودية في الذبح وفي تجفيف الدم، وهناك يهود آخرون يحافظون على الكشروت في منازلهم ولكنهم لا يكترثون بها خارج المنزل.
وحسب الشريعة اليهودية، فهناك نظام شامل وقوانين متفرعة منه تتعلق بكشروت الغذاء على الحيوان. هذا النظام مبني على قائمة تضم الحيوانات التي يجوز والتي لا يجوز أكلها في التوراة. والطعام المستخلص من الكائن الحي، يكون حكمه حكم الحيوان المستخلص منه. فمثلا، لا يحل أكل البيض والحليب إلا اذا كان أصلهما من ضمن قائمة الحيوانات المحللة اكلها في التوراة. ويستثنى من ذلك أكل العسل رغم أن اليهودية تحرم أكل النحل.
وتحلل اليهودية أكل البهائم التي يتوفر فيها شرطان اساسيان هما أن تكون مشقوقة الظلف وأن تجتر، وما دون ذلك من البهائم فلا يجوز أكلها. فالجمل رغم أنه حيوان مجتر إلا أن أكل لحمه محرم لأن له خف وليس حافر ،  والخنزير له حافر مشقوق ولكنه ليس بمجتر. وهناك سبع حيوانات فقط من غير البهم يجوز أكلها: الأيل، والظبي، الغزال الإفريقي، الماعز الجبلي، المها، الجاموس، والوعل. وأما طعام البحر فلا يحل منه إلا الاسماك ذات القشور والزعانف؛ وما عدا ذلك كالجمبري، الحبار ، الأخطبوط، جراد البحر والمحار وغير ذلك فيحرم أكله. وأما الطيور فجميعها حلال إلا الكاسر والجارح والهدهد وذو الإصبع الكبير(النعام) وذو المخلب. وأخيرا حشرات الأرض كلها نجس ويحرم أكلها باستثناء انوع محددة من الجراد. أما اليرقات او الديدان التي تنموا داخل الثمار فيجب إزالتها حتى يحل أكل الثمرة.
وتحرم اليهودية أيضا أكل الحيوان أو أي جزء منه قبل الذبح والتأكد من موت الحيوان، ويحرم أكل الدم أو شربه، لذلك لا يحل أكل الحيوان إلا بعد اخراج الدم منه بطرق خاصة طبقا للشريعة اليهودية، وتحرم اليهودية اكل الشحوم الموجودة في أحشاء البقر والضأن والماعز ولا يجوز اكل لحم الحيوان الا بعد ازالة تلك الشحوم عنه، ويحرم أيضا أكل العصب الوركي للحيوان. وتحرم اليهودية أكل الحيوان الغير مذبوح على الشريعة اليهودية، والميتة والمريض والمصاب من قبل حيوان مفترس؛ باستثناء الاسماك بعد التأكد من موتها. وتحرم أيضا الدمج بين اللحم أو أي من منتجاته مع الحليب أو أي منتج من منتجاته، سواء كان الدمج من أجل الاكل أو الطبخ أو حتى المتعة. ويحرم وضع طبقين من اللحم والحليب على نفس الطاولة وإن كانا قد طبخا كل على حده. ولا يجوز لليهودي أكل اللحم والحليب في نفس اليوم إلا بعد مرور وقت معين يختلف حسب والمنهاج والطائفة اليهودية التي ينتمي إليها. ويشمل ذلك لحوم البهائم والطيور، وأما الأسماك ففيها خلاف. كما يشمل التحريم ايضا استخدام الأواني وأدوات المطبخ. فلا يجوز استخدام أوني طبخ اللحوم لطبخ الحليب والاجبان، وهناك من يجيز ذلك بعد اتباع احكام فقهية معينة لغسل وتنظيف تلك الأواني.
ولعلي أختم هنا بتسليط الضوء على الخطأ الناجم عن الخلط في المعنى والمفهوم بين الكوشر والحلال. فالحلال بأي حال من الأحوال لا يعتبر كوشر في اليهودية إطلاقا، لأن اليهودية لا تعترف بتعاليم غير التي نصت عليها شريعة موسى وأجمع عليها حكمائها القدماء كما يزعم اليهود. وأيضا ليس كل كوشر حلال، فاليهودية تجيز الخمر واستخداماته المتعددة؛ بينما يحرم الاسلام الخمر مهما كانت نسبته "ما أسكر قليله، فكثيره حرام". لذلك يجب توخي الحذر في مطاعم بلاد الغرب لأنها تستخدم الخمر ومشتقاته في الطهي وإن كان المطعم يهودي أو الطعام كوشر. والأسلم هو الأكل في مطاعم المسلمين أو شراء اللحم وطبخه في المنزل.