النمو الذكي للمدن
لقد عانت العديد من المدن في الدول النامية من التوسع الحضري الأفقي والذي أثر سلبا على مركز المدينة وأسهم في تباعد أطرافها وصعوبة الوصول بين أجزائها، وأدى هذا التوسع الأفقي إلى تنامي العمران على حساب الموارد الطبيعية كالأودية والمناطق الزراعية والمناطق المفتوحة في المدن، كما تأثر توزيع الخدمات والمرافق نتيجة التوسع الحضري المتلاحق، وأصبحت الحاجة ماسة لتوفير أكبر قدر من الخدمات والبنى التحتية لتلبية احتياجات الأحياء السكنية ذات الكثافات المنخفضة والمجتمعات العمرانية المتناثرة، وهكذا أضحت بدائل النقل الأخرى كالحافلات والقطارات غير مجدية نتيجة الكثافة المنخفضة للتجمعات العمرانية وتشتت الخدمات ومراكز الأعمال والأنشطة التجارية.
يعرف النمو الذكي للمدن Smart Growth بأنه تخطيط وتصميم وتطوير المجتمعات العمرانية لتعزيز العدالة الاجتماعية، وخلق الشعور بالمكان والحفاظ على الموارد الطبيعية والثقافية وحل إشكالية الانتشار الحضري Sprawl. يسعى النمو الذكي لاستيعاب التنمية بإيجاد المواقع المثلى للتوسع العمراني واستغلال الأراضي داخل المدن لتوفير خيارات وبدائل تتلاءم مع كافة شرائح المجتمع.
ويعد النمو الذكي علاجا للزحف العمراني التقليدي والذي يصاحبه توسع في مساحة المدينة وتطوير أحياء سكنية جديدة بشكل غير مستدام يسيطر عليها استخدام السيارات وخيارات الإسكان المنفصلة. من هذا المنطق، يعزز النمو الذكي السلامة البيئية على المدى القصير والطويل، ويسهم في تحسين نوعية الحياة للجميع من خلال توسيع نطاق خيارات النقل والتوظيف والإسكان في المنطقة العمرانية بطريقة رشيدة. يناقش النمو الذكي قضية التطوير العمراني من الناحية الكمية والكيفية وذلك بتحديد التموضع المناسب لهذا التطوير الذي يتلاءم مع الحد الأدنى من الآثار السلبية على البيئة والموارد.
يعتمد النمو الذكي على مجموعة من المبادئ في التخطيط العمراني والتي تسعى في مجملها إلى تحقيق الإدارة المسؤولة للنمو العمراني بشكل يتماشى مع الاحتياج المتوقع والموارد المتاحة. ويضمن النمو الذكي إعادة التوزيع الأمثل لاستعمالات الأراضي في المدينة ومنع الانتشار غير المدروس للاستعمالات الضارة بالبيئة أو تلك الاستعمالات غير المرغوبة من السكان في الأحياء السكنية NIMBY. ولا تسعى سياسات النمو الذكي للحد من النمو العمراني أو كبح توسع المدينة؛ بل التحول نحو بدائل ذكية لاستيعاب هذا النمو.
تتطلب المدن مناهج مختلفة لإدارة التنمية ومعالجة اتجاهات وحجم النمو العمراني. نظريا، هناك بعض المبادئ المشتركة التي يسعى لها النمو الذكي وهي حماية الموارد الطبيعية والحفاظ على المساحات المفتوحة؛ وتوفير بدائل مختلفة للتنقل من شأنها تخفيف الازدحام المروري وتقليل الطلب على السيارة وتطوير أحياء سكنية جذابة وتشجع على المشي؛ والاستثمار في الأحياء السكنية من خلال تنويع أنماط التخطيط ومساحات قطع الأراضي وتوجيه التنمية نحو الأحياء القائمة بإعادة تطويرها كأماكن صالحة للسكن.
كما يسعى النمو الذكي إلى تعزيز الشعور بالمكان والارتقاء بنوعية الحياة، والتأكد من أن عملية التنمية يمكن التنبؤ بها وسهولة التنقل فيها، وتوفير خيارات السكن والمواصلات لجميع فئات الدخل مع تشجيع التكامل الاقتصادي والعرقي. وعلاوة على ذلك، تعزيز التنسيق بين الجهات ذات العلاقة وتعاون جميع أصحاب المصلحة في قرارات التنمية، وتوسيع نطاق استعمالات الأراضي المختلطة، والحفاظ على الموارد التاريخية والمساحات المفتوحة والأراضي الزراعية والمناطق البيئية واستثمارها. وأخيرا ضمان إنفاق المال العام بكفاءة بحيث تتماشى خطط النمو العمراني اليوم مع حقوق الأجيال القادمة، فهل تتماشى مدننا اليوم مع مبادئ النمو الذكي؟