Skip to main content
User Image

د. وليد بن سعد الزامل

Associate Professor

مدير مركز بحوث كلية العمارة والتخطيط

كلية العمارة والتخطيط
مبنى رقم 32 - الدور الثاني - مكتب رقم 2109
blog

المدينة العادلة

المدينة العادلة

على مدار العقود الماضية طُرحت العديد من الاتجاهات في التخطيط العمراني التي تسعى في مجملها إلى تطوير البنية العمرانية للارتقاء بنوعية الحياة وتحسين سبل عيش سكان المدن.

ناقشت هذه الاتجاهات العلاقة بين البعد البيئي والاقتصادي دون التطرق كثيرا إلى البعد الاجتماعي والذي يمثل الإنسان وتفاعلاته ضمن محيطة العمراني. ظلت قضايا العدالة والإدماج الاجتماعي والعرق والمشاركة والوصول المتكافئ إلى الموارد بدون حلول ناجعة في العديد من المجتمعات حول العالم.

وعلى الرغم من توفر العديد من الدراسات والأبحاث التي تناولت تحليل العلاقات المكانية وأثرها في خلق بيئة عادلة تشجع على التماسك الاجتماعي؛ إلا أنها جاءت في سياق معالجة البناء المادي المحض وافتراض أثره على المجتمع.

لقد واجه المخططون قضايا المساواة بين الفئات الاجتماعية في أوجها بداية من الثورة الصناعية وحتى اليوم، حيث الفقراء غير قادرين على الاندماج مع فئات اجتماعية أخرى. هؤلاء الفقراء يعيشون في منازل متهدمة، وبنية تحتية متهالكة، وطرق ضيقة ضمن أحياء سكنية لا تحتوي على مرافق وخدمات كافية.

وفي المقابل، يعيش الأثرياء غالبا في مساكن فسيحة وضواحي تحتوي جميع الخدمات والمرافق أو في أحياء سكنية راقية وبعيدة عن الضوضاء.

وتأتي قضية العدالة ليس من منطلق التباين المكاني وعدم تكافؤ الخدمات والمرافق فحسب؛ بل أيضا في تحمل المخاطر البيئية، حيث يعيش الفقراء غالبا بالقرب من الأنشطة الصناعية ويستنشقون يوميا الأدخنة والملوثات ويلعب أطفالهم في البرك والمستنقعات الملوثة بمياه المجاري، وهم مهددون أكثر من غيرهم بالأمراض؛ في حين يتمتع الأثرياء باستنشاق الهواء العليل ويمارسون رياضة الجولف على مساحات كبيرة من العشب الأخضر تتخللها تلال وقنوات مائية تسر الناظرين.

تُعرف العدالة الاجتماعية بتحقيق الفرص المتكافئة التي تضمن قيام الأفراد بأدوارهم دون تحيز أو محاباة والحصول على ما يستحقونه من المجتمع. ويتماشى ذلك مع مفهوم «المدينة العادلة» الذي أشارت له Susan Fainstein والذي يؤكد على تشجيع المخططين على تبني سياسة المساواة بين أفراد المجتمع في التخطيط لتعزيز مفهوم العدالة في التنمية وتحسين نوعية الحياة الحضرية في سياق الاقتصاد العالمي.

إن العدالة في التخطيط ليست فقط في تبني التوزيع العادل للموارد الاقتصادية على جميع أفراد المجتمع، ولكن أيضا تقتضي تطوير السياسات العمرانية التي تسهم في منح حق السكن والعيش والتمتع بالخدمات والمرافق، وتمنع إقامة المشاريع التي تدمر البنية التحتية المادية وتولد إيرادات تخدم الأثرياء لكي يزدادوا ثراء على حساب الأغلبية. وفي هذا السياق أكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2001 على الالتزام لضمان أن «الجميع يحصل على مأوى ملائم يكون صحيا وآمنا وميسرا وبأسعار معقولة، وهذا يشمل الخدمات الأساسية والمرافق ووسائل الراحة، بلا تمييز مع ضمان الحق القانوني للحيازة».

على المستوى المحلي ولتحقيق مبدأ «المدينة العادلة» يستلزم تنفيذ جملة من المبادئ الاستراتيجية الهامة وهي: أولا تطوير خطط عمرانية للمدن تتماشى مع مستهدفات الرؤية الوطنية 2030 وتكون ذات بعد شامل وليس ماديا لضمان تنمية المجتمع والبيئة والاقتصاد في إطار المدينة. ثانيا العمل على تحفيز ثقافة مشاركة المجتمع في صنع القرار كجزء من عملية التخطيط، والتأكد من إدراج كافة الفئات الاجتماعية بما فيها الفئات المحرومة وبشكل يعزز الوصول المتكافئ إلى الموارد.

يجب أن تؤدي المشاركة العامة في صنع السياسات إلى توليد الشراكة والتعاون. وأخيرا تطوير تشريعات عمرانية تراعي التباين المكاني بين المدن وخصائصها الجغرافية وبشكل يحقق التوزيع العادل للمرافق والخدمات ويمنع أي مخاطر بيئية تؤثر على صحة الإنسان.

https://makkahnewspaper.com/article/1552955