تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
User Image

د. ياسر هاشم عماد الهياجي

Associate Professor

عضو هيئة تدريس | أستاذ مشارك | قسم إدارة موارد التراث والإرشاد السياحي

كلية السياحة والآثار
مكتب رقم 164 | الدور 2 | مبنى 11 | كلية السياحة والآثار
مدونة

الغذاء التراثي: قوة ناعمة

https://rs.ksu.edu.sa/sites/rs.ksu.edu.sa/files/p01_merged.pdf

تُعرّف القوة الناعمة بأنها القدرة على الجذب والإقناع لا عن طريق الإرغام والقهـر والتهديد العسكري والضغط الإقتصادي، وكسب التأييد بالأموال، بل عن طريق الجاذبية، وجعل الآخرين يريدون ما تريد. والأمثلة كثيرة ومتعددة للقوة الناعمة من الآداب والفنون والعلوم والمعارف والتراث والمهرجانات والسياحة والرياضة.
يُقسم تقرير القوة الناعمة بياناته بشكل موضوعي إلى ست فئات: الحكومة، الثقافة، المشاركة العالمية، التعليم، العالم الرقمي، النموذج الاقتصادي. كما قسم التقرير مقومات القوة الناعمة إلى مجموعتين: مقومات قوة موضوعية، ومقومات قوة ذات طابع معنوي.
ولو ركزنا على المجموعة الثانية التي تترك أثراً معنويًا لدى الآخرين نجد أن أطباق الطعام ومنتجات الغذاء والثقافة الغذائية المحلية لها تأثير كبير في إقناع الآخرين وتلبية أذواقهم وتفضيلاتهم؛ فالطبخ وفنون الطهي ونشر الثقافة الغذائية المحلية من بين المحاور المهمة التي يركز عليها التقرير لتقييم القوة الناعمة والتي ينبغي المحافظة عليها ورعايتها.
من خلال الثقافة تستطيع المجتمعات التي تعاني من الضعف الاقتصادي والعسكري تعويض ذلك أمام القوى المهيمنة، وحتى البلدان التي لديها ترسانة أسلحة لم تركن إليها، ولم تراهن بمستقبلها على قوتها العسكرية فحسب، بل استغلت ما تملكه من عادات وتقاليد وفنون وبقية موارد قوتها الناعمة، وحوّلتها إلى منتجات قادرة على إحداث تغيير في المجتمعات الأخرى ولدى خصومها. فخلال العشر سنوات الأخيرة عمدت الكثير من الدول على تعزيز نفوذها وسمعتها ومكانتها العالمية؛ فكسبت احترام الآخرين واعجابهم وتقديرهم، عبر أدواتٍ ثقافية كالموسيقى والمسرح وصناعة الأفلام السينمائية والفنون البصرية والمهرجانات، وثقافة المال والأعمال وحتى ثقافة الوجبات السريعة والرموز والعلامات التجارية. هذا إذا أدركنا أن السياسة الخارجية هي انعكاس للتفاعلات التي تتم داخل المجتمع وتجسيدًا لهويته وشخصيته وعوامل بناءه الفكرية والحضارية.
لاشك أن الغذاء يأتي ضمن أولويات المنظومة الثقافية، إذ يلعب كنمط من أنماط الثقافة السائدة دوراً مهمًا في إبراز هوية المجتمعات ويعكس قوة حضارتها. فالغذاء على بساطته، يمكن توظيفه واستثماره كقوة ناعمة أو ما بات يُعرف اليوم بالقوة الذكية، والذي لم يعد حالة تنظيرية، لكنها تحولت الى واحدة من أهم مرتكزات مواجهة العولمة اليوم.
إن الحرب الناعمة التي تشنها بعض المجتمعات في الترويج لأغذيتها وطعامها تشكل أخطارًا كبيرة على صحّتنا ونمط حياتنا وتقاليدنا، كما أن إتباع أنماط جديدة في السلوك الغذائيّ والترويج لبعض المأكولات السريعة وبعض الأصناف والمنتجات الغذائيّة بحجة أنها تُرضي الأذواق هي في الأصل تؤدي الى إفساد الذوق الإنسانيّ في اختيار الطعام وتناوله على حساب سلامة الغذاء نفسه وعلى حساب هوية المجتمع ومقومات أصالته.
هي دعوة للعودة إلى المأكولات التراثية وأطباق الطعام المحلية؛ تعزيزًا للهوية، وأن يتم نشرها وإدراجها في قوائم الطعام بالفنادق والمطاعم والمقاهي والمطارات والمنتجعات، بالإضافة إلى التوسع في إقامة مهرجانات الطبخ والغذاء التراثي، لاسيما إذا علمنا عن سياحة الطعام كنمط جديد للسياحة التي باتت تجتذب أعدادًا متزايدة من السياح الباحثين عن زيادة وعيهم وخبرتهم الغذائية، وتطوير تجربتهم في الأطعمة المحلية، ففي اليابان أكدّت أبحاث منظمة التجارة الخارجية اليابانية أن الغذاء هو السبب الأول للسائحين الأجانب الذين يزورون البلاد. وللسبب نفسه، أكدّ أحد المسؤولين اليابانيين إن من أهم مصادر اعتزاز اليابانيين في السعودية ليس نجاح تويوتا وهوندا ونيسان ومازدا وتوشيبا وسوني وهيتاشي وكانون وغيرها من العلامات التجارية اليابانية الكبرى، بل في عدد مطاعم السوشي المنتشرة في المملكة، باعتباره من أهم أدوات القوى الناعمة اليابانية.