تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
User Image

د. وليد بن سعد الزامل

Associate Professor

مدير مركز بحوث كلية العمارة والتخطيط

كلية العمارة والتخطيط
مبنى رقم 32 - الدور الثاني - مكتب رقم 2109
مدونة

تصميم البيئات التعليمية والراقصون على أنغام تعليق الدراسة!!

قبل عقود من الزمان وعندما كنت أدرس في المرحلة الثانوية أتذكر أنه بمجرد سماع صوت جرس الحصة الأخيرة يُقرع منبئا عن نهاية اليوم الدراسي نبدأ بالتدافع للخروج من الفصل بشكل سريع وفوضوي إن جاز التعبير. يشعر الطالب وهو يسمع صوت ذاك الجرس المزعج وكأنه نداء دافئ أو لحن جميل يدغدغ قلبه ومشاعره ليخبره بموعد العودة إلى المنزل؛ حينها تعلو الابتسامة محياه وتتراقص جوارحه استجابة لهذا النداء. يتحرك الطلاب بل ويتدافعون من جميع الفصول وتحدث العديد من المشاحنات قبل التوجه إلى بوابة صغيرة حيث كل طالب يحاول أن يخرج أولا قبل زميله وكأننا جميعا على موعد مع النعيم خروجا من بوابة الجحيم!

كنت أتساءل في تلك الفترة لماذا نحرص على الخروج سريعا بهذا الشكل الفوضوي ولماذا يحدثني زميلي كل يوم عن هواياته وأهدافه ومغامراته عندما يعود إلى المنزل؟ لماذا أراه عابسا في الصباح ومقطب الجبين في الحصة الأولى؟ ولماذا يحسب ذاك الطالب الساعات والدقائق؛ بل وحتى الثواني لموعد الخروج من المدرسة؟ هل البيئة التعليمية طاردة إلى هذا الحد؟! حاولت أن أستذكر جزءا مما كنت أراه في المدرسة، فالفصول كانت ضيقة ودورات المياه غير نظيفة، والتكييف رديء، والجو حار، والشجار مستمر بين الطلاب ولا يخلو من التنمر على الضعفاء.

لا يختلف الوضع اليوم كثيرا عن السابق، فالطلاب والطالبات يتسمرون على أجهزتهم حتى ساعات متأخرة من الليل بانتظار خبر تعليق الدراسة الحضورية أو تحويلها إلى دراسة عن بعد بسبب الأمطار، وبمجرد الإعلان تُكتب تعليقات الفرح وعبارات المديح وتنظم القصائد والأشعار في وسائل التواصل الاجتماعي ويتراقص الجميع طربا.

ما أشبه اليوم بالبارحة، فالراقصون على أنغام جرس الحصة الأخيرة أراهم يرقصون اليوم طربا على خبر تعليق الدراسة. وهنا يحق لنا أن نتساءل ليس عن جاذبية البيئة التعليمية؛ بل إلى أي مدى أصبحت (بعض) البيئات التعليمية طاردة؟

إن الخطأ الاستراتيجي عندما ننظر إلى البيئات التعليمية بوصفها أماكن لتلقي المعلومات فقط، وليست بيئات يمارس فيها الطالب الترفيه، والرياضة، والتواصل الاجتماعي مع أقرانه، والبحث والقراءة واعتبار أهميتها لمستقبله ودوره في المجتمع. لذلك، يتم تصميم وبناء معظم مدارسنا كمبان إسمنتية رتيبة وغير جاذبة. في الواقع، البيئة التعليمية ليست مجرد مبان وفصول دراسية وطلاب وأدوات تعليمية؛ بل هي بمثابة نظام حياة متكامل يعيشه الطالب ويسهم في صقل شخصيته وتنميته فكريا وثقافيا وخُلقيا وجسديا.

يقضي الطالب في المدرسة سنوات عديدة يتعلم من أقرانه وأساتذته والمجتمع ليكون مؤهلا للدراسة الجامعية وقادرا على العطاء والتميز والإبداع. وهكذا يجب أن تتمتع البيئة التعليمية بكافة العوامل والمقومات التي تجعلها بيئة جاذبة للطالب ويشمل ذلك التكيف والمرونة في التصميم والقدرة على تلبية احتياجات المستخدمين سواء كانوا طلابا أو معلمين.

وبعيدا عن تكريس مفهوم البعد المكاني للبيئة التعليمية بمنشآتها المادية المستقلة يمكن دعم فكرة التكامل بين الأنشطة الحيوية في الحي السكني؛ فالبيئة التعليمية جزء لا يتجزأ من خدمات الحي السكني.

إن مكونات البيئة التعليمية لا تقتصر على المدرسة «كمبنى»؛ بل من الممكن أن يمارس الطلاب أنشطتهم الرياضية والفنية في ساحات وملاعب الحي السكني القريبة من المدرسة وبشكل يعزز الشعور بالمسؤولية للطالب والانتماء للحي والمساهمة في تحسينه. وفي المقابل، يمكن الاستفادة من الصالات الرياضية داخل المدارس خارج أوقات الدوام لخدمة سكان الحي، كما تستغل المواقف الخارجية للخدمات المجاورة كساحات متعددة الأغراض.

ملخص القول، إن تصميم البيئات التعليمية وجودة التعليم هما خطان متوازيان في اتجاه تعزيز جاذبية التعليم لدى الطالب وتهيئته ليكون عضوا فاعلا في المجتمع.

https://makkahnewspaper.com/article/1581316