التلوث الضوضائي في الأماكن العامة بين التشريعات والمزاجية!

في أحد الأيام ذهبت مع أطفالي لزيارة محل تجاري، كان المكان جميلا وهادئا، وبدأت أبحث عن بعض المنتجات لشرائها.
حاولت أن استدعي البائع لسؤاله عن مواصفات منتج أعجبني وسعره ولكني فوجئت بصوت هدير موسيقى صاخبة يندفع من المحل التجاري. لم أستطع تحمل الأصوات العالية الممزوجة بأغان ذات إيقاع سريع وعبارات غربية بلغة شعبية دارجة، ربما تتضمن كلمات بذيئة أو إيحاءات خارجة عن الآداب العامة ويصعب فهمها حتى من المتمكنين باللغة الإنجليزية.
لم أشأ أن أتحدث مع صاحب المحل، فالإجابة قد تكون صادمة من قبيل: «هذا مزاج الشركة المشغلة».
حقا الصوت الذي سمعته كان مزعجا ومثيرا للاشمئزاز في آن واحد؛ بل إنه لا يتماشى مع طبيعة المحل التجاري ونوعية المنتجات التي يقدمها.
أحسست بالفزع وتوقف شعر رأسي وصاحبت ذلك حالة ارتجاج لا شعوري لجميع أطراف جسمي، شعرت حينها وكأن جسمي موضوع داخل «خلاط عصير»!.
لا أبالغ في القول، فالصوت الصاخب كان قادرا على جعلي أبحث عن بوابة الخروج بأسرع وقت، لأحمل أطفالي وأبتعد سريعا عن المكان.
يتكرر هذا المشهد نفسه في كثير من المحلات التجارية والمقاهي، التي تزيد من شدة الإيقاعات الموسيقية الصاخبة لدرجة مزعجة ولا تتماشى مع طبيعة المكان.
إن التعرض لمستويات الصوت العالية التي تصل إلى حدود الضوضاء تؤثر سلبا على رواد المكان.
فعلى المدى الطويل يمكن لأصوات الموسيقى العالية في المطاعم أو المقاهي أو المحلات التجارية، أن تتسبب بأضرار على مستوى السمع للعملاء وحتى للعاملين فيها نتيجة التعرض المستمر لمستويات من الضوضاء تزيد على 70 ديسيبل، وهو ما يعادل صوت ضجيج الشوارع المزدحمة.
لقد حدد مشروع اللائحة التنفيذية للضوضاء لنظام البيئة في وزارة البيئة والمياه والزراعة، مجموعة من الضوابط والاشتراطات المتعلقة بقياس شدة الضوضاء وتصنيفها ولا سيما في المناطق السكنية والتجارية.
وأكدت اللائحة ضرورة أن تتسم المناطق السكنية منخفضة الكثافة ومناطق المعالم السياحية والمتنزهات الترفيهية، والمناطق المحيطة بالمستشفيات والمدارس والمناطق الحساسة بيئيا بشدة صوت لا تزيد على 50 ديسيبل في فترة النهار و40 ديسيبل في فترة المساء.
أما المناطق السكنية عالية الكثافة وتلك المناطق التي تشتمل على مزيج من الاستعمالات المختلطة كالأنشطة السكنية والتجارية، والتي غالبا ما تقع في المدن ذات الكثافة السكانية العالية فلا تزيد شدة الصوت على 60 ديسيبل في فترة النهار و50 ديسيبل في فترة المساء؛ وتحظر اللائحة أي شكل من أشكال التجاوز لحدود الضوضاء المسموح بها لكل فئة دون تصريح، وتضع لذلك غرامات تطبق في حال عدم التقيد بالأوقات وحدود الضوضاء المسموح بها.
باختصار، هذه ليست حرية شخصية، والمسألة لا تخضع لمزاج صاحب المحل، وعليه فمن الأهمية بمكان الإسراع بتطبيق هذه الضوابط والتشريعات وضبط المخالفين، خلال جولات رقابية من البلديات وأمانات المدن تتحقق أولا من نوعية الموسيقى المستخدمة في المحلات التجارية أو المقاهي، ومدى ملاءمتها لطبيعة المكان وثقافة المجتمع؛ وثانيا من شدة الصوت المسموح بها في تلك المحلات ومدى مواءمتها للضوابط والاشتراطات الخاصة بمستويات الضوضاء في المدينة.