تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
User Image

د. وليد بن سعد الزامل

Associate Professor

مدير مركز بحوث كلية العمارة والتخطيط

كلية العمارة والتخطيط
مبنى رقم 32 - الدور الثاني - مكتب رقم 2109
مدونة

تطوير عقاري أم فلل في الصحراء؟!

تطوير عقاري أم فلل في الصحراء؟!

طالعت بالأمس القريب تقريرا تلفزيونيا بثته قناة الإخبارية ينقل معاناة سكان أحد الأحياء السكنية المطورة من قبل شركات تطوير عقارية. يروي السكان معاناتهم بعد استلام الوحدات السكنية التي خلت من المرافق العامة.

«فلل داخل صحراء» عبارة صريحة قالها أحد السكان واختزل معها قصة مشوار طويل متعدد الفصول بدايته وعود وأمان، ونهايته نكران وجحود.

سُوقت هذه الوحدات السكنية من قبل مشاهير التواصل الاجتماعي مقرونة بمخططات جذابة ومشاهد تصويرية احترافية ورافقتها أحلام المستفيدين، وآمال التملك، وأماني الاستقرار، لقد خيل للمستفيدين أنها بيئة سكنية نموذجية على شاكلة الضواحي الراقية أو مدينة متكاملة الخدمات؛ ليكتشف السكان فيما بعد أنها عبارة عن وحدات سكنية اسمنتية بلا خدمات أو مرافق وتبعد عن المدينة حوالي 30 كلم.

الصورة كانت خلاف الواقع، وجوه ضاحكة مستبشرة تسر الناظرين تستقبلك بنظرة فابتسامة ثم موعد للقاء، وبمجرد الانتهاء من توقيع العقود واستلام الضمانات المالية، وعندما يلتقي الساكن بمسكنه في لحظة اللقاء يتجلى حينها الواقع وتتكشف الأقنعة لتتحول بين عشية وضحاها إلى وجوه عابسة وكئيبة، تستجدي أحدهم ليستقبل شكواك أو استفسارك بعد التسليم فلا أذن مصغية ولا قلوب مبالية، ليتخذوا نفس وضعية الهاتف الصامت (Mute) وكأن الأمر لا يعنيهم بشيء!

تقودنا هذه الحكاية المؤلمة إلى حقيقة ضبابة الصورة لدى (بعض) المطورين العقاريين الذين يتعاملون مع الإسكان كمنتج مادي ملموس، حيث تنتهي مهمة المطور بمجرد تسليم المنتج السكني بغض النظر عن الاعتبارات المكانية والاقتصادية والاجتماعية.

في الحقيقة، قضية الإسكان ليست مجرد وحدات سكنية يتم إنتاجها لإيواء السكان دون النظر للإطار المكاني والسياق الاقتصادي والاجتماعي، بعبارة أوضح، لا يمكن بناء وحدات سكنية في الصحراء أو على أراض بعيدة عن المدن أو أراضي غير مخدومة بالبنية التحتية والمرافق العامة لسد الفجوة في الطلب، ولو افترضنا جدلا أننا قمنا بتخطيط مدن متكاملة يمثل فيها الاستعمال السكني أكثر من 60% ويتم تزويدها بالخدمات والمرافق فلن تكون هذه المدن قادرة على استيعاب الاحتياج في الإسكان؛ لأنها ببساطة تحتاج إلى قاعدة اقتصادية ووظائف لجذب السكان للإقامة فيها.

هذه الحقيقة تناولها تشارلز إبرمز في كتابه «المدينة ومشاكل الإسكان»، حيث أكد على نقص الأراضي في المدن رغم وفرتها! إنها أراض متاحة من الناحية الكمية ولكنها غير خاضعة للتداول أو بعيدة عن متناول اليد لفئات يشكلون غالبية المجتمع. مشكلة استعصى حلها على علماء الاقتصاد وفلاسفة السياسة كما يقول!

إن عملية التطوير العقاري هي تلك التي تستهدف تحويل منتج ذي جدوى ضعيفة إلى منتج نافع، ذي جدوى اقتصادية ويستفيد منه المجتمع ويحقق الربح «المعقول» للمالك، ويتعامل المطور مع العديد من الأطراف كالمخطط والقانوني والاقتصادي، وهكذا، فارتفاع قيمة العقارات السكنية لا يعني بالضرورة نجاح المطور العقاري؛ بل من الأهمية بمكان عدم إغفال القيمة النفعية للعقار وبشكل يضمن ثبات القيمة الاقتصادية على المدى الطويل ويشمل ذلك مدى ملاءمة الموقع وعلاقته بالمحيط العمراني.

ختاما، إن دور التطوير العقاري لا ينتهي بمجرد تسليم الوحدات السكنية فالأسعار التي يدفعها المستفيد يجب أن تكون مقرونة بخدمات ما بعد البيع بما فيها التقييم والمتابعة والصيانة الدورية للعقارات السكنية، وقبل ذلك كله المنتج العقاري يجب أن يكون ضمن إطار المدينة وليس فللا متناثرة في الصحراء!

https://makkahnewspaper.com/article/1565531