تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
User Image

د. وليد بن سعد الزامل

Associate Professor

مدير مركز بحوث كلية العمارة والتخطيط

كلية العمارة والتخطيط
مبنى رقم 32 - الدور الثاني - مكتب رقم 2109
مدونة

أسعار الأراضي والغلاء الفاحش!

أسعار الأراضي والغلاء الفاحش!

يعد السكن أحد أهم الاحتياجات البشرية التي تؤثر بشكل كبير على الحياة الاقتصادية والاجتماعية؛ بل إن الحاجة إلى السكن تأتي كأولوية بشرية قصوى بعد الماء والغذاء والصحة. ومع ذلك، يظل الإسكان الميسور التحدي الرئيس الذي يواجه صانعي سياسات الإسكان في المدن، ويتفاقم هذا التحدي نتيجة لعدم وجود سياسات إسكان فعالة، وضعف برامج دعم الإسكان، والتضخم، وطبيعة أنماط استخدام الأراضي، والأزمات المالية الدولية، والنمو السكاني، والتفاوتات في مستويات دخل الأسر.

لقد واجهت الدول النامية تحديات كبرى في قطاع الإسكان وجاءت معظم برامج الدعم السكني كردة فعل لانتشار مناطق الإسكان العشوائي، والفقر، وغلاء المعيشة. فشلت معظم هذه البرامج في تحقيق مبدأ القدرة على تحمل التكاليف بسبب الافتقار إلى مصادر التمويل الكافية، والإجراءات البيروقراطية، وضعف المشاركة المجتمعية، ونقص مشاركة القطاع الخاص -أو عدم رغبته بالمشاركة أصلا- وصعوبة تغطية تكاليف مشاريع الإسكان الحكومي؛ لذلك ركزت معظم هذه البرامج على توفير الإعانات أو قروض الدعم المباشر للمستفيدين، نظرا لصعوبة استيعاب واقع السوق السكني، ومستويات العرض والطلب في المدن، وتباين أسعار الأراضي.

محليا، لا زالت قيمة الأرض تستهلك نسبة كبيرة من إجمالي تكلفة المسكن ولا سيما في المدن الكبرى كالرياض، وجدة، والدمام. وعلى الرغم من التباين في أسعار الأراضي في المدينة الواحدة بناء على الأهمية المكانية، والقرب من الخدمات، ومستويات الوصولية، إلا أن متوسط قيمة الأرض التي تقع ضمن حدود المساحة المعقولة لأسرة مكونة من 5-6 أشخاص لا زالت تفوق القدرة الاقتصادية.

لقد أشرت في بحث تم إعداده قبل حوالي عشر سنوات أن متوسط قيمة الأرض الصغيرة بمساحة 350 م2 تبلغ 332,062 ريالا في مدينة الرياض، لاحظ أننا نتحدث عن المتوسط العام لسعر الأرض التي تتلاءم مع احتياجات متوسطي الدخل. في تلك الفترة، شَكلت قيمة الأرض ما يعادل 41% من إجمالي تكلفة المسكن، أي في حال توفر الأرض فسوف تحتاج إلى مبلغ لا يقل عن 477,845 ريالا لاستكمال الحد الأدنى لبناء مسكن على تلك الأرض ولتلامس قيمة المسكن الصغير حدود المليون ريال، هذا قبل عشر سنوات، أما اليوم، عليك ضرب هذا الرقم ربما بثلاثة أو أربعة، وبالتالي يمكن أن تشكل قيمة الأرض السكنية وحدها ما يعادل 70% من تكلفة المسكن.

تاريخيا، أسهم صندوق التنمية العقارية منذ إنشائه في تقديم قروض التمويل والدعم السكني للمواطنين، ومن الملاحظ ارتفاع حجم الإعانة التي قُدمت للمستفيدين من 200,000 ريال حتى 500,000 تماشيا مع ارتفاع أسعار الأراضي، وهو ما يؤكد أن الأرض تلعب دورا رئيسا في تعزيز القدرة على تحمل تكاليف الإسكان، ومن المثير للدهشة، أن الارتفاع الملحوظ لأسعار الأراضي في المدن يأتي في ظل توفر الأراضي الشاغرة داخل النطاق العمراني للمدن الكبرى إذ تصل نسبة الأراضي الشاغرة في بعض المدن إلى أكثر من 50% من المساحة الإجمالية للمدينة؛ إلا أنه لا تزال هذه الأراضي خارج القدرة على تحمل تكاليف العديد من الأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط.

اليوم، يمكن أن تستهلك قيمة الأرض السكنية كامل قيمة الدعم السكني أو تزيد، وهو ما يعني ببساطة أن تطوير سياسات لتخفيض قيمة الأرض سوف يسهم في نهاية المطاف بتخفيض تكاليف الإسكان؛ بل وتخفيض حجم الإعانة المقدمة للمستفيدين أو حتى إلغائها، إن تطوير مثل هذه السياسات يمكن أن ينطلق من خلال إيجاد آليه ملزمة لبناء الأراضي الفضاء المملوكة خلال مدة زمنية محددة ومنع احتكارها لفترات زمنية طويلة؛ وبالتالي إعادة ضخ المعروض من الأراضي المتاحة وخفض الأسعار وصولا لسوق إسكان عادل ومتوازن.

https://makkahnewspaper.com/article/1554892