تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
User Image

د.سعيد بن ناصر القحطانى .Saeed Nassir Algahtani, Ph.D

Assistant Professor

عضو هيئة التدريس

كلية إدارة الأعمال
S 32
مدونة

تضخم أسعار العقار .. أين المشكلة؟

جريدة الإقتصادية
الخميس 17 فبراير 2022

لتحليل مشكلة ارتفاع أسعار العقار السكني يوجد ثلاث جوانب رئيسية في موضوع العقار والإسكان. الجانب الأول هو جانب الطلب العقاري وأهم عنصر فيه هم الأفراد خصوصا أصاحب المسكن الأول (First-Time Homebuyers). بالجهة المقابلة هناك جانب العرض العقاري، وأهم عناصره قطاع التطوير العقاري وقطاع الأراضي. وأخيراً جانب (السوق نفسه) وهو أهم هذه الجوانب الرئيسية، وأهم عناصره التشريعات والمؤشرات العقارية. وفيه يتم عرض الوحدات السكنية فيلتقي الطلب بالعرض العقاري.
الكثير من الأطروحات التي حاولت تفكيك مشكلة الإسكان لم تتناول بعد مواضيع (ضعف التشريعات والمؤشرات العقارية في جانب السوق نفسه). وللأسف أنه لا يمكن بدونها معالجة مشكلة الإسكان ولا المحافظة على المكتسبات والمنجزات التي تحققت في جانبي الطلب والعرض العقاري خلال السنوات القليلة الماضية.
ولتبسيط الفكرة لنفترض أن هناك (سوق بسيطة) وهي مقصف مدرسي يذهب إليه طلاب المدرسة لشراء المنتجات (وجبة الإفطار) التي يعرضها البائع. وأهم جوانب هذا السوق جانب الطلب الذي يمثله طلاب المدرسة، جانب العرض الذي يمثله البائع. وأخيراً وأهمها جانب السوق نفسه والذي يمثله مقصف المدرسة والتشريعات التي تنظمه.
لو افترضنا وجود مشكلة وتزاحم أمام شباك هذا المقصف المدرسي، وأن هناك من طلاب المدرسة من يستغل ضعف التشريعات والقوانين ويزاحم صاحب الوجبة الأولى ليشتري الوجبة الثانية والثالثة وقد يبيعها أمام المقصف بسعر أعلى قبل انتهاء الفسحة المدرسية على طلاب لم يتمكنوا بعد من الحصول على وجبة الإفطار الأولى. هنا لو قررت إدارة المدرسة حل هذه المشكلة بزيادة عدد وجبات الإفطار (المنتجات) وضخ (تمويل) لطلاب المدرسة بمبالغ كبيرة فلن يتم حل هذه مشكلة، وسوف تنتهي الفسحة المدرسية وهناك من الطلاب من لم يحصل على وجبة الإفطار الأولى.
هذا بالضبط ما يحصل في مشكلة الإسكان وارتفاع أسعار العقار. هناك من يزاحم طالب المسكن الأول ويسبقه في التقاط الوحدات السكنية الجاهزة لأغراض المضاربة والاستثمار وليس للعيش في بيت جميل يستهلكه ليشبع حاجة إنسانية كباقي السلع الضرورية الأخرى. فالمضارب يزاحم صاحب المسكن الأول ليبيع عليه مرة أخرى بسعر أعلى. وأيضا المستثمر يسابق صاحب المسكن الأول ليشتري ويؤجر عليه مباشرة، فيلتقط وحدة سكنية أخذت وقت طويل لتطويرها وإعدادها للبيع فيحولها إلى سوق الإيجار وقد يستغل معها الدعم السكني بطرق غير مشروعة.
أيضا من جهة أخرى ضعف التشريعات في سوق الإيجار يدفع بالكثير من المستأجرين بالقوة للمزاحمة ورفع الأسعار في هذه السوق الساخنة للبحث عن هذا الاستقرار المنشود والذي لم يجده في سوق الإيجار. لماذا يسمح اليوم للمؤجر بإستخدام السند التنفيذي في عقد الإيجار الموحد وبنفس الوقت يشترط سداد الإيجار السنة كاملة بدفعة حالية واحدة. أيضا لماذا يسمح للمؤجر بإستخدام هذا السند التنفيذي وبنفس الوقت يشترط سنة واحدة فقط كمدة لإنتهاء العقد، ليعزز المؤجر قوته التفاوضية بقوة السند التنفيذي وقد يستغلها بفرض شروط جديدة على المستأجر وتغيرها عند تجديد العقد.
لذلك لا يمكن هنا الاكتفاء بقانون الطلب والعرض والذي لن يعمل بالشكل المطلوب في إيجاد السعر السوقي عند التوازن إذا كان السوق نفسه غير قادر على استيعاب هذه القوى وحمايتها من الممارسات الاحتكارية والمضاربية. بمعنى أنه لا يمكن التركيز على الحلول التي تخص جانبي الطلب والعرض العقاري والتي قد تأخذ سنوات طويلة حتى تتحقق، ونتجاهل الحلول السريعة والمهمة في جانب السوق نفسه وأقصد هنا التشريعات والمؤشرات العقارية التي تضمن التنظيم والشفافية في السوق. وهي من الأهداف الإستراتيجة الأولى التي تخدم الركائز التي تقوم عليها الإستراتيجية الشاملة للقطاع العقاري من حوكمة وتمكين القطاع العقاري لتحقيق رؤية المملكة 2030 في القطاع العقاري.
أخيرا، أعتقد أن حل مشكلة الإسكان في حوكمة القطاع العقاري من قبل الهيئة العامة للعقار بحكم إشرافها على الأنظمة والتشريعات التي تنظم السوق العقارية، وأن ضعف التشريعات ومشكلة التخصيص في السوق من أهم أسباب أزمة السكن، وأن الطلب والعرض السكني في أفضل حالاته، لذلك أعتقد أن وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان لن تستطيع وحدها أن تحل مشكلة الإسكان ببناء ملايين الوحدات السكنية، أو بتطبيق جميع مراحل رسوم الأراضي في جانب العرض العقاري، أو حتى برفع حجم التمويل العقاري إلى مليارات الريالات في جانب الطلب العقاري. بل فسوف تتحول هذه الوحدات السكنية إلى أصول مضاربية متضخمة أو عقارات فارغة معطلة لا يستفيد منها صاحب المسكن الأول كما هو حاصل الآن في العقارات الخالية في مدن الأشباح في الصين.