تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
User Image

د. إسماعيل بن حسين عبدالله فتحي

Assistant Professor

مستشار في وحدة مساندة وخدمات الباحثين

كلية العلوم
مكتبة الإمير سلمان المركزية - الدور الثالث- الجناح الغربي، وحدة مساندة وخدمات الباحثين
مدونة

إشكاليات البحث العلمي في الوطن العربي

كتبت : نهال قاسم

منذ عقود طويلة والحديث في الوطن العربي لا يكاد ينقطع عن أهمية البحث العلمي وكونه المدخل الصحيح إلى التغييرالشامل ، والإصلاح الحقيقي المنشود ، والمتأمل لواقع البحث العلمي العربي والمؤسسات البحثية من المحيط إلى الخليج ، يتبين له مدى الفجوة الواسعة بينه وبين المستوى البحثي والأكاديمي العالمي ، فالدول العربية

عموماُ تفتقرإلى سياسية علمية محددة المعالم ، والأهداف والوسائل ، فضلاُ عن العديد من المعوقات التي تحول دون رقي الأمة العربية إلى مستوى الحضارات والدول المتقدمة .

ومهما كانت أسباب التخلف العربي فإن البقاء خارج دائرة التطورالعلمي هو أمرغيرمقبول ، في ظل التقدم التقني للغرب والبحث الدائم الدؤوب ، والتطويرالمستمر، وصرف المليارات على البحث العلمي ، بينما الدول العربية تصرف المليارات على الفضائيات الهابطة والحفلات والرقص وغيره.
لقد كان الهدف الأساس من إنشاء الجامعات وتكاثرها في كل قطرمن أقطارنا العربية ، أن تتحول في أقصرمدة ممكنة إلى مراكزبحث وإشعاع ، والايظل جهدها محصوراً على التعليم

وكأنها معاهد أومدارس تنتج الكتبة وموظفي الدواوين الحكومية ، وعلى الرغم من مرورالكثير من الوقت تزايد معه عدد هذه الجامعات ، وزادت معها مساحة التفاؤل الا أن شيئاً من تلك الأهداف الأساسية لم يتحقق بعد ، ربما تكون بعض هذه الجامعات قد نجحت إلى حد كبيرفي استعارة مناهج العلم وطرقه لتطبيقها على الأدب ، وفي دراسة بعض

النظريات الفكرية والفلسفية ، إلا أن جامعة واحدة لم تستخدم تلك المناهج لتطبيقها في المجال العلمي والدخول إلى عالم التقنيات الحديثة ، لكي تشكل بذلك نقلة نوعية جديدة تنهي أوعلى الأقل تقلل من اعتمادنا على الغرب .

كما أن معظم هذه الجامعات يعاني من أزمات مالية وما ترصده بعض الأنظمة لا يكاد يتجاوزما يسمى بميزانيات التشغيل ، ولا مكان فيها لشيء اسمه البحث العلمي الذي ينبغي أن يتم الإنفاق عليه بسخاء ليتمكن الباحثون من اكتشاف الطريق الصحيح إلى التطورالقائم على المعرفة ، والتخطيط والمنهجية وليس على الاجتهادات والعشوائية .

فالحقيقة الموضوعية تؤكد إنه ما من سبب في تعثرالأبحاث العلمية وتراجعها المستمرفي الوطن العربي سوى غياب التخطيط وضاءلة الإمكانات. ولا أغفل هنا الإشارة إلى أن أبجدية البحث العلمي تبدأ من المدارس الابتدائية ، وأن إصلاح التعليم العام ، وتدريب التلاميذ من نعومة أظفارهم على رؤية ما حولهم بعيون وعقول واعية قادرة على التقاط الأشياء والحكم عليها ، أوالتعامل معها بفهم ، يقتضي وقتاً أطول وإعداداً سليماً لجيش من المدرسين المؤهلين الذين سيوكل إليهم أمرإعداد علماء المستقبل ، وما تحتاج إليه الأوطان من خطط وبرامج قابلة للتنفيذ وقادرة على العبوربهذه الأوطان من وضعها الراهن إلى المستقبل والنهضة العلمية المنشودة

نظرة المجتمع

إن المجتمعات في الدول المتقدمة تدعم المؤسسات البحثية ماديًا ومعنويًا ، ولا تبخل عليها بالمال أوالإمكانات ، حتى إنه في كثيرمن الأحيان تنظم المسيرات والتجمعات مطالبة الحكومة بالإنفاق بسخاء لإجراء المزيد من البحوث العلمية في مجالات التنمية التي ينشدها الوطن.

بينما تنظرالمجتمعات العربية نظرة سلبية إلى البحث العلمي، وربما يرجع ذلك للتنشئة الاجتماعية التي جعلت من الشعوب العربية غير مدركة لخطورة تدهورالبحث العلمي العربي ، وتأخرنا عن ركب الحضارة .

إن إلقاء نظرة متأنية إلى ما يجري في قطاع البحث العلمي في إسرائيل ومراقبة التطورالمذهل لصناعة التكنولوجيا العالية هناك، واستغلال إسرائيل، وعملها المتنامي على توسيع أسواق لمنتجاتها وجذب رؤوس أمول أجنبية، تجعلنا نعي أي تحد سوف يحمله لنا القرن المقبل في حال تحقق السلام مع إسرائيل. فالمواجهة العلمية والاقتصادية لزمن السلم ربما قد تكون أصعب بكثير من المواجهة في زمن الحرب!

تمويل

والناظرإلى واقع التمويل العربي للبحث العلمي ، يجد أنه يختلف كثيرًا عن المعدل العالمي للإنفاق على البحث العلمي ، يعد القطاع الحكومي الممول الرئيس لنظم البحث العلمي في الدول العربية، حيث يبلغ حوالي 80٪ من مجموع التمويل المخصص للبحوث والتطويرمقارنة بـ3٪ للقطاع الخاص ، و7٪ من مصادرمختلفة. وذلك على عكس الدول المتقدمة وإسرائيل حيث تتراوح حصة القطاع الخاص في تمويل البحث العلمي في اليابان ما بين 70٪ ، و52٪ في إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية .

وتؤكد إحصائيات اليونسكو لعام 1999م ، أن نسبة الإنفاق على البحث العلمي في مصركانت 0.4 ٪ ، وفي الأردن 0.33٪، وفي المغرب 0.2٪ ، وفي كل من سوريا ولبنان وتونس والسعودية 0.1٪ من إجمالي الناتج القومي . أما إحصائيات سنة 2004م ، لنفس المنظمة العالمية تشير إلى أن الدول العربية مجتمعة قد خصصت للبحث العلمي ما يعادل 1.7 ملياردولارفقط ، أي ما نسبته 0.3٪ من الناتج القومي الإجمالي .

إسرائيل

أن المؤسسات العلمية اليهودية قامت في فلسطين قبل قيام دولة اسرائيل ، فقد انشئ معهد اسرائيل للتكنولوجيا في فبرايرعام 1925 ، أي قبل 23 سنة من اعلان الدولة التي كان أول رئيس لها عالم بارزفي الكيمياء هوحاييم وايزمان ، وكان ألبرت اينشتاين مرشحا لهذا المنصب لكنه اعتذر، ووعد بمساعدة اليهود بعلمه لا بجلوسه في منصب شرفي على قمة السلطة.

نلاحظ أن معدل إنفاق الدولة العبرية على البحث العلمي غير العسكري ضعف ما ينفق في العالم العربي ، في عام 1999م بلغ حوالي 9.8 مليارات ، أي ما يوازي 2.6٪ من حجم إجمالي الناتج الوطني ، في عام 2004م ، وصلت نسبة الإنفاق على البحث العلمي في إسرائيل إلى 4.7٪ من ناتجها القومي الإجمالي . في عام 2008، بلغ حوالي 9 ملياردولار.

علمًا بأن معدل ما تصرفه حكومة إسرائيل على البحث والتطويرالمدني في مؤسسات التعليم العالي ما يوازي 30.6٪ من الموازنة الحكومية المخصصة للتعليم العالي بكامله ، بينما يصرف الباقي على التمويل الخاص بالرواتب ، والمنشآت والصيانة والتجهيزات ، بينما يصرف القطاع الخاص ما نسبته 52٪ من الإنفاق العام على الأبحاث والتطوير، وإذا قورن وضع إسرائيل بالدول المتقدمة الأخرى ، نجد أنها تنافس وتسبق كثيرًا من الدول الغنية والبلدان المتقدمة في هذا الميدان ، حيث تحتل إسرائيل المركز

الثالث في العالم في صناعة التكنولوجيا المتقدمة بعد «وادي السيليكون» في كاليفورنيا وبوسطن ، والمركزالخامس عشربين الدول الأولى في العالم المنتجة للأبحاث والاختراعات. أما بالنسبة إلى عدد سكانها قياسًا إلى مساحتها فهي الأولى في العالم على صعيد إنتاج البحوث العلمية.

وينبغي هنا أن نؤكد على دورالقطاع الخاص في دعم البحث العلمي وانه سيكون أول المستفيدين من نتائجه على المدى الطويل. وأمثلة ذلك كثيرة في العالم فأن في أغلب جامعات العالم نجد أن المراكزالبحثية فيها يقوم على تمويلها ودعمها الشركات الكبرى ، أوالقطاع الخاص عامة.

وقد توصلت هذه المراكز- نتيجة لهذا الدعم- إلى حلول لمشكلات أوطورت اختراعًا عاد بالمردود الجيد على الشركات الداعمة. كما أن هذه الشركات قد تبيع نتائج البحوث التي دعمتها لقطاعات أخرى. بل - وليس بالضرورة- امتلاك هذه الشركات لنتائج البحث ، ففي كثيرمن الحالات يشارك عدد من الشركات لدعم بحث ما ، ولا تستفيد من ذلك سوى أن يذكراسمها من ضمن الداعمين. وهذا له مردود دعائي كبيرعلى مستهلكي منتج الشركة على المدى الطويل، فهو يدلل على مركزالشركة الرفيع وتقديرها للبحث العلمي ، ويعطيها السمعة الحسنة والمتميزة أمام عملائها.

وهذا الإسهام الضعيف من قبل القطاع الخاص للمؤسسات البحثية يرجع إلى عدم تقديرالقطاع الخاص لقيمة البحث العلمي وجدواه. إضافة إلى عدم كفاية الميزانيات التي ترصدها المراكز والجامعات ومؤسسات المجتمع للبحث العلمي ، وإلى الفساد المالي والإداري الملحوظ في الجامعات ومراكز البحوث العربية.

لذا فان البحث العلمي في الدول العربية يتخلف كثيرًا عامًا بعد عام ، رغم زيادة معدل الإنفاق العربي على البحث العلمي في الفترة من عام 1970م ، وحتى عام 2005م، لكن هذا التقدم الضئيل لا تأثير له على الفجوة الكبيرة بين الأقطارالعربية في هذا المجال مقارنة بالوضع العالمي المتسارع .

ومن جانب آخر فإن مخصصات البحث العلمي في الدول المتقدمة تزداد عامًا بعد آخر، إذ تتضاعف كل ثلاث سنوات تقريبًا ، وتتجاوزنسبة مخصصات البحث العلمي في بعض الدول المتقدمة 4٪ من إجمالي الناتج القومي .

ومن النماذج العربية المشرفة في دعم البحث العلمي وتعتبردولة الكويت أحد النماذج المشرفة في مجال البحث العلمي ، حيث تقوم بفرض نسبة معينة من أرباح الشركات لدعم " مؤسسة الكويت للأبحاث العلمية " تقدم كمعونة من القطاع الخاص، وكمورد إضافي لحركة البحث العلمي في جامعاتها ومراكزها البحثية.

براءة الأختراع

وفي دراسة حول ميزانية البحث العلمي وبراءة الاختراع في الدول العربية مقارنة باسرائيل ، قام بها الباحث الفلسطيني الدكتورخالد سعيد ربايعة بمركزأبحاث المعلوماتية في الجامعة الامريكية بالأراضي الفلسطينية ، أثبت فيها بما لا يدع مجالا للشك بأن الدولة العبرية تتفوق بشكل كبيروملحوظ على كافة الدول العربية .

فقد حظيت الجامعات الاسرائيلية بمراكزمتقدمة على المستوى العالمي حسب التصنيفات الدولية ، وخاصة الجامعة العبرية التي احتلت المركز64 على مستوى العالم ، بينما لم يرد ذكرأي من الجامعات العربية في الخمسمائة جامعة الاولى . كما أن هناك تسعة علماء صهاينة حازوا على جائزة نوبل، بينما حازالعرب على 6 جوائز، ومنهم العالم المصري أحمد زويل الذي نال الجائزة على أبحاثه التي أجراها في الجامعات الامريكية. ويقدرعدد العلماء والباحثين العرب

حسب مصادراليونسكو حوالي 124 ألف باحث ، بينما في إسرائيل هناك 24 ألفا ، وفي مصادرأخرى يقدر عددهم بحوالي 90 ألف عالم ومهندس يعملون في البحث العلمي ، وتصنيع التكنولوجيا المتقدمة ، خاصة الألكترونيات الدقيقة والتكنولوجيا الحيوية.

بالنسبة لبراءات الاختراع وهي المؤشرالاكثرتباينا بين العرب واسرائيل، فقد سجلت الدولة العبرية ما مقداره 16805 براءة اختراع ، بينما سجل العرب مجتمعين حوالي 836 براءة اختراع في كل تاريخ حياتهم ، وهويمثل 5% من عدد براءات الاختراع المسجلة في إسرائيل.

وحسب تقاريراليونسكو فان إسرائيل قامت في عام 2008، بتسجيل 1166براءة اختراع ، وهو عدد يفوق ما أنتجه العرب بتاريخ حياتهم وهو 836 براءة اختراع.

أما عن نشرالابحاث العلمية في المجلات العلمية فقد نشرالباحثون الأسرائيليون 138,881 بحث , بينما نشرالعرب حوالي 140,000 بحث. على الرغم من أن عدد الابحاث متقارب, إلا أن جودة ونوعية الأبحاث الأسرائيلية أعلى بكثيرمن الابحاث العربية , وهذا يمكن الاستدلال عليه من عدد الاقتباسات لتلك الأبحاث .

تحديات

أكد أكاديميون وعلماء مصريون أن مصرلا يوجد بها بحث علمي جاد ؛ حيث يفتقد البحث العلمي المصري أي خطط عمل، كما تشغل الأعمال الإدارية العلماء بشكل واضح، وأضافوا أن مصربها أكثرمن 130 ألف حاصل على الدكتوراه ، بنسبة أكبرمن الموجودة في أمريكا ، مؤكدين على أن حرب عام 1967 ، كان أحد أسبابها قرب وصول الباحثين المصريين ، إلى نتائج لعمل مناظير للدبابات نتمكن بواسطتها من الرؤية ليلاً، وكذلك بدء عمل نظائرللأنظمة لزجاجية المعقدة.

أن أحد أهم الأسباب المؤدية إلى انخفاض معدل أنتاجية البحث العلمي في الوطن العربي مقارنة بالواقع العالمي ، يرجع إلى عدم وجود استراتيجية واضحة للبحث العلمي في الوطن العربي ، ونقص التمويل الذي تنفق نسبة كبيرة منه على الأجوروالمرتبات والمكافآت والبدلات وغيرها ، وعدم تخصيص ميزانية مستقلة ومشجعة للبحوث العلمية ، إضافة إلى أن الحصول على منحة بحثية يستغرق إجراءات طويلة ومعقدة مع قلة في الجهات المانحة.

كما أن معظم الجامعات في الدول النامية تركزعلى عملية التدريس أكثرمن تركيزها على البحوث العلمية بينما الدول المتقدمة ترصد الميزانيات الضخمة للبحوث العلمية لمعرفتها بالعوائد الضخمة التي تغطي أضعاف ما أنفقته .

فضلاُ عن افتقارأغلب المؤسسات العلمية والجامعات العربية إلى أجهزة متخصصة بتسويق الأبحاث ونتائجها وفق خطة اقتصادية إلى الجهات المستفيدة مما يدل على ضعف التنسيق بين مراكزالبحوث والقطاع الخاص. كذلك غياب المؤسسات الاستشارية المختصة بتوظيف نتائج البحث العلمي وتمويله من أجل تحويل تلك النتائج إلى مشروعات اقتصادية مربحة. إضافة إلى ضعف القطاعات الاقتصادية المنتجة واعتمادها على شراء المعرفة.

من ناحية أخرى فان مراكزالبحوث والجامعات العربية تعاني من مشكلات عديدة من بينها انشعال عدد كبيرمن أعضاء هيئة التدريس في العمل الإضافي ، وقلة عدد الباحثين والمختصين، وندرة تكوين فرق بحثية متكاملة ، فالبحوث التي تجري بين جدرانها من جانب أساتذتها إنما هي بحوث فردية لأساتذة يحاولون الإنتاج العلمي بغية الترقي ، أوالنشر، وهي بحوث أضعف من أن تحل مشكلات المجتمع أوتعمل على تقدمه.

كما تعاني المراكزالبحثية من الأنفصال شبه الكامل بينها وبين المجالات التطبيقية خارج أسوارها أومعاملها، وكذا انفصام الصلة بين الجامعات وحقل الإنتاج، وابتعاد الجامعات عن إجراء البحوث المساهمة في حل المشكلات الوطنية ، إضافة إلى عدم مشاركة المؤسسات الكبرى والشركات والأثرياء من الأفراد في نفقات البحث العلمي.

إضافة إلى عدم وجود حرية أكاديمية كافية كتلك التي يتمتع به البحث العلمي عند الغرب ، والبيروقراطية والمشكلات الإدارية والتنظيمية، والفساد المالي والإداري في مؤسسات البحث العلمي الحكومية ، إلى جانب تأخرعملية نقل المعلومة التقنية من الدول المتقدمة إلى الدول العربية، وبقاء كثيرمن مراكزالبحوث العربية تحت قيادات قديمة مترهلة ، غيرمدركة لأبعاد التقدم العالمي في ميادين البحث العلمي لا سيما في العلوم التكنولوجية

والفيزيقية ، وإهمال التدريب المستمرللباحثين ، بل وصل حال كثيرمن مؤسسات البحث العلمي إلى تهميش الكوادرالبحثية التي لا تتفق وسياسية السلطة أوإمكاناتها ، ومن ثم يتم تهجير ـ أوهجرة ـ هذه العقول العربية في مختلف التخصصات واستقرارهم في الدول الغربية ، لتجد هذه العقول البيئة العلمية المناسبة لها، والمعززة لمواهبها، والداعمة لأفكارها الابتكارية ..

كما تؤشرالمعطيات على أهمية الحرية الأكاديمية والبحث العلمي، باعتبارأن كل ما ضاقت الحريات العامة ، وتقلصت الممارسات الديمقراطية ، وكثرت تدخلات الدولة في شؤون وقضايا الجامعة مما يجعلها الجامعة بالتالي تبتعد عن المشاركة في الشأن العام ، وكلما ضاقت الحرية الأكاديمية وتقلص فعلها، ضاق معها البحث العلمي وتقلص مردوده وابتعد عن مهامه ورسالته.

وقد أكد الدكتورأحمد زويل على أن مصرلا نتمتع بأخلاقيات البحث العلمي ، وجائزة نوبل التي حصلت عليها نتاج جهد جماعي شارك فيه 250 عالماً، فليس كل من حصل علي الدكتوراه عالماً ، كما أكد زويل على أن خصخصة التعليم بالمفهوم الذي يمارس في مصر، وبعض الدول العربية سيؤدي إلي انهيارالتعليم ، لافتاً إلي أن الجامعات الخاصة في أمريكا ، والعالم المتقدم لا تهدف إلي الربح.

هروب الكفاءات العلمية !

ويحذر د. أحمد زايد – عميد كلية الآداب جامعة القاهرة ، من ظاهرة هروب الطلاب من الأقسام العلمية والتى تنذر بإنقراض العلماء مستقبلا ، كما أن المناخ العلمى فى مصر قد أدى إلى هروب الكفاءات العلمية إلى الخارج بحثا عن مناخ أفضل للمعيشة ، والبحث العلمى ،نتيجة إنخفاض الدخل المادى للباحثين مما يصرفهم عن بحوثهم ، وعدم مواكبة التقدم العلمى فى الخارج ، نتيجة إستنزاف طاقاتهم فى توفيرمتطلباتهم الأساسية ، وتحسين مستوى معيشتهم ، وإنتشارظاهرة السرقات العلمية لأبحاث الأساتذة فى

جامعاتنا المصرية ، والكليات النظرية خاصة ، وضعف التمويل المادى للبحوث ، والدراسات الجادة ، وعدم توافر الأجهزة ، والمعامل اللأزمة فى مجال العلوم البحتة ، و يستشهد" د. أحمد " بالتقاريرالتى صدرت عن الجامعة العربية ، ومؤسسة العمل العربية ، و الأمم المتحدة عام 2007 ، والتى تشير إلى أن المجتمعات العربية قد أصبحت بيئة طاردة للعقول العربية ، والكفاءات العلمية إلى

الخارج ، وأن مصر وحدها قدمت فى السنوات الأخيرة ( 60% ) من العلماء العرب ، و المهندسين إلى الولايات المتحدة ، كما أن هناك نحو (7350 ) عالما تركوا بلادهم بسبب الأحوال السياسية و الأمنية ، وإن هناك ( 450 ألف عربى ) يشكلون نحو ( 31% ) من المجتمع الغربى ، منهم (5،4 %) من الطلاب

العرب يعودون إلى بلادهم بينما يستقرالآخرون فى الخارج ، وهناك (34% ) من الأطباء الأكفاء فى بريطانيا ، وأكثرمن مليون خبير، و إختصاصى عربى من حملة الشهادات العليا ، أو الفنيين المهرة مهاجرون و يعملون فى الدول المتقدمة بالمجالات العالية التقنية مثل الجراحات الدقيقة ، الطب النووى ، والهندسة الإلكترونية ، والميكروالكترونية ، والهندسة النووية ، وعلوم الليزر، وعلوم الفضاء .

كما يحذر" د. زايد " من تدنى الميزانية المقررة للبحث العلمى سواء فى مصر أو العالم العربى ، حيث تبلغ فى مصر ( 1% ) من الناتج القومى ، وفى البلدان الغربية يصل إلى ( 4،3% ) بينما ميزانية إسرائيل تبلغ أربعة أضعاف ما تنفقه مصرعلى البحث العلمى ، كما إن إهتمام إسرائيل بمتابعة ، و قراءة كل ما يتم نشره وبثه عبر وسائل الإعلام العربية المختلفة ، مما جعلها أكثر قدرة و تأثيراعلى القرارات الدولية ، كما جعلها تحتل المركز الثالث فى

تكنولوجيا المعلومات بينما تحتل مصر المرتبة الستين ما بين دول العالم ، مما يؤدى بالتالى إلى إنخفاض معدل إنتاجية البحث العلمى فى مصر، والذى يتراوح ما بين ( 2:3) وهو معدل منخفض مقارنة بدول أخرى مثل الهند ، وإسرائيل حيث تبلغ نحو(6% ) بينما يرتفع فى الصين إلى ( 15% ) ، مستشهدا بأحد التقارير التى تشير إلى أن عدد الأبحاث العلمية المصرية المعترف بها دوليا خلال العشرين عاما الماضية لا يزيد عن ( 43 بحثا ) وهو العدد الذى

تقوم اسرائيل بإنتاجه خلال شهر واحد ، مشيرا إلى عدد المراكز البحثية الغربية التى تبلغ نحو (1000مركز ) و تضم العديد من العلماء ، والباحثين فى المجالات المختلفة ، و قيامهم بإستخدام خلاصة الفكر العلمى ، ووضعه فى خدمة صانع القرارالدولى ، مطالبا بضرورة تفعيل مراكزالبحث المصرية ، والعربية حتى نتمكن من تطوير مجتمعاتنا فى المجالات المختلفة .

وقد أكد الدكتورمحمد يسري محمد مرسي رئيس وزارة الدولة للبحث العلمي . أنه بعد أن كانت الأكاديمية تتمتع باستقلالية في أداء دورها ، وتخضع مباشرة لرئاسة مجلس الوزراء، تقلص الآن دورها ، وخضعت لسلطة وزيرالدولة للتعليم العالي للبحث العلمي ، فأصبحت مجرد هيئة ضمن الهيئات التابعة لوزارة الدولة للبحث العلمي، الأمرالذي دفع البحث العلمي إلى مزيد من التعقيدات الادارية وسط هيئات مستحدثة تعاني الصراع بين العاملين فيها ، ووسط أجواء الانحيازإلى أعضاء هيئات التدريس بالجامعات ، الذين تشغلهم رسالة التعليم على حساب أعضاء هيئة البحوث بالمعاهد والمراكزالبحثية ، الذين لا وظيفة لهم سوى البحث العلمي وتطويره .

كما كشف رئيس أكاديمية البحث العلمي الأسبق ، ونقيب العلميين المصريين الدكتورعلي علي حبيش أن عدد الأفراد المشتغلين بأنشطة البحث العلمي في مصريقدربنحو 120 ألف فرد منهم 50 ألفاً من العلماء والمهندسين ، الذين يضمون في ما بينهم شخصيات علمية متميزة ، وكفاءات نادرة في أنشطة العلم والتكنولوجيا ، ويتوزع هذا العدد بين قطاعات الأداء الثلاثة ، بواقع 71.3 في المائة في قطاع

التعليم ، و16.2 في المائة في قطاع الانتاج ، و12.5 في المائة في قطاع الخدمات ، ووفقا لمجالات التخصص فمن بينهم 23.8 % للعلوم الطبيعية ، وبنفس النسبة للعلوم الطبية ، و15.7 % للعلوم الهندسية والتكنولوجية ، و14.7 % للعلوم الزراعية ، و24.5% للعلوم الاجتماعية.

ويأمل الدكتورحبيش في ان مدينة مبارك للأبحاث العلمية والتطبيقات التكنولوجية بمدينة برج العرب بالاسكندرية ، يمكن أن تشكل نقطة للتأهب إذ تم التخطيط لها بحيث تسد الفجوة التكنولوجية الموجودة في مصر. وتختص معاهدها البحثية بالمجالات المتقدمة ، وعلوم الصدارة التي أصبحت ضرورة لتحقيق النهضة التكنولوجية، وتطويع التطورات العلمية في خدمة الانتاج والخدمات، خاصة أنها تضم الآن معهداً لبحوث الهندسة الوراثية ، والتكنولوجيا الحيوية، ومعهداً للبحوث المعلوماتية ، يهتم بمجال تكنولوجيا

المعلومات ، واستخداماتها في كافة المجالات الصناعية والانتاجية والخدمية ، وكذلك معهد بحوث المواد المتقدمة بعد أن أصبحت المواد وخواصها الفائقة بمثابة منفذ ضروري للعبورإلى صناعات استراتيجية ، وتقليدية تعتمد أساساً على توفير هذه المواد.

ويلخص الدكتورمفيد شهاب وزيرالتعليم العالي والدولة للبحث العلمي ، أهم ملامح التطورالتي يرتكزعليها قطاع البحث العلمي في مصرحالياً ، منها العمل على رفع القدرات البحثية لشباب العلماء، والاستفادة من أبناء مصرفي المهجر، والربط التطبيقي بين البحوث العلمية الجارية واحتياجات السوق المصرية في قطاعي الانتاج والخدمات ، وكذا التركيزعلى اشتراك القطاع الخاص في المشروعات

البحثية ضماناً لتوجه هذه البحوث الى الاحتياجات الفعلية للمجتمع المصري ، والعمل على التنبؤ التكنولوجي باحتياجات الأسواق المحلية والاقليمية والعالمية لضمان القدرة على المنافسة في هذه الأسواق. لعل هذه التطورات قد تسهم في صنع نهضة تكنولوجية تساير منجزات العلم وتخدم المجتمع.

إن البحث العلمي من أشق وأرقى النشاطات التي يمارسها العقل البشري على الإطلاق ، وهو نوع من الجهاد المقدس، من أجل صناعة الحياة وتحقيق التطور والنهوض، وهذا الجهد المنظم لا يمكن أن يجري في فراغ، حيث ينبغي توفير الحرية والدعم و الأموال وبناء المنشآت والمعامل والأدوات، وتأهيل الكوادر البشرية، وخلق الحوافز المادية والمعنوية، التي تجعل من الإنتاج الفكري عملاً يستحق المعاناة والجهد المتواصل.. إذ بالإنتاج الفكري نكون أولا نكون !

نقلا عن  http://www.anntv.tv/new/showsubject.aspx?id=5693#.VNG_Xi4poW8