تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
User Image

هتون أجواد عبدالله الفاسي Hatoon Ajwad A. AL FASSI

Associate Professor

مشرفة وحدة المبادرات التطويرية، عمادة التطوير (مختصة في تاريخ المرأة، قسم التاريخ) Associate Professor, Women's History, Supervisor of the Initiatives Unit, Deanship of Development

العلوم اﻹنسانية واﻻجتماعية
مبنى 20، الدور الثاني، مكتب 66
صفحة

قضية حادثة طريق بلجرشي.. اجتهدوا فأخطأوا؟

الأحد 6 جمادى الاخرة 1435 - 6 ابريل 2014م - العدد 16722, صفحة رقم ( 35 )

http://www.alriyadh.com/924534

قضية حادثة طريق بلجرشي.. اجتهدوا فأخطأوا؟

د. هتون أجواد الفاسي

    

 
أما الجزء الذي يعد قضية عامة لكل منا الحق في تناوله فهو الذي يتعلق بقوانيننا وآلية تنفيذ عقوبات مخترقيها، ولدينا هنا المطاردة كمثال. فكما نعرف أن هناك تعليمات ومراسيم بمنع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو الدوريات الأمنية من مطاردة السيارات لغرض الاشتباه الأخلاقي أو الاختلاف الفقهي

 

 

 

 

 

وقال القضاء قولته الأسبوع الماضي في القضية التي فجع فيها سكان المملكة يوم السبت 17 شعبان 1433(7 يوليو 2012) بحادثة العائلة التي طاردتها وفق شهود العيان وكثير من التقارير، هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ودورية من الشرطة على طريق أبها-بلجرشي الذي نتج عنه سقوط سيارة العائلة في الوادي ووفاة ربها وإصابة زوجته الحامل آنذاك وابنه وابنته. وأثارت تفاصيل الحادثة وسبب وقوعها وتداعياتها غضب الشارع السعودي. وأكثر ما أثار الناس كان السبب الذي نقلته الصحف وشهود عيان عن سبب المطاردة وهو اعتراض رجال الهيئة على الشاب عبدالرحمن الحرفي الغامدي رفعه لصوت مسجل سيارته أثناء تنزهه مع عائلته في متنزه الشكران، ومن ثم مطالبة الدورية له بتقديم إثباته، ويبدو أن احتداداً نجم بينهم لرفض الغامدي تدخل الدورية أو الهيئة في شأن خاص كهذا له هو وعائلته، وإذ بالأمر يتطور لمطاردته في سيارته حتى حدث ما هو غير واضح في كيفية انقياد عبدالرحمن بسيارته من على كبري الحميد إلى الهاوية المعروفة لدى أهل المنطقة، والأنكى من ذلك كان هروب الدورية والهيئة بسياراتهم بدون إسعاف العائلة.

توفي الزوج على إثر ذلك وأصيبت العائلة إصابات بليغة حيث كسرت يد الزوجة سميرة الغامدي، وكما يبدو أن العناية الطبية في مستشفى الملك فهد بالباحة كانت متواضعة بحيث نتج عن ذلك تعفن في الجبيرة التي وضعت لها مما أدى إلى اتخاذ قرار بتر يدها بعد نقلهم بالإخلاء الطبي بأمر من صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز إلى مدينة الملك عبدالعزيز الطبية، مستشفى الحرس بالرياض. وأصيبت الفتاة درر ذات الرابعة بجروح وتسلخات في الوجه ورضوض، أما الابن عبدالله ذو التاسعة فقد أمضى طويلاً في العناية المركزة بعد عدد من العمليات الصعبة للكسور التي أصيب فيها في الرأس ونزيف داخلي حتى نجا، واستمر علاجه خلال العامين الماضيين. ومرت الزوجة بصعوبات جمة خلال هذين العامين مع رحلة العلاج التي تأخرت كثيراً حتى تم الاستدراك بعد نشر تداعيات التقاعس من بعض المستشفيات وتكفل أمير المنطقة بضمان علاجها وعلاج أبنائها. وقد تمت ولادتها بسلام وأنجبت طفلة ولله الحمد.

ثم خرجت تصريحات معالي الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الدكتور عبداللطيف آل الشيخ مطيبة وهو يقول إن رفع صوت المسجل ليس مبرراً لتصرف رجل الهيئة بأي حال من الأحوال وإن رجاله ليسوا منزهين.

وفي 25 شعبان (14/7/2012)، صدرت نتيجة اللجنة التي شكلتها إمارة الباحة للتحقيق الأولي في الحادثة والتي تقلل من مسؤولية رجل الهيئة ومن سبب المطاردة وتلقيها بالدرجة الأولى على سيارة الدورية التي استوقفته وطلبت إثباته وعندما رفض لعدم وجود مبرر لاحقته، ثم انضمت إليها سيارة الهيئة ونتج عنها الاصطدام فالسقوط فالوفاة فالهروب. كما أدان التقرير الشركة التي بنت الجسر، وأدانته أيضاً لعدم توقفه وانصياعه إلى أوامر الهيئة والشرطة.

وتلقي هذه القضية المأساوية بتفاصيلها العديد من التساؤلات الخاصة بالتحريات الخاصة وبجهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتجاوزاته أو تجاوزات مسؤولي الأمن. التساؤلات كانت رنانة وصريحة، والمطالبات بالعقوبة والاقتصاص ممن أجرموا في حق هذه الأسرة التي كانت آمنة وتحاول أن تستمتع بنزهة عائلية قضت عليها، عالية كذلك والاحتجاج على الحكم القضائي في كل مكان في فضاء التواصل الاجتماعي وعبرت عنها الأسرة والادعاء العام أمام المحكمة. فمثلاً كيف نتعامل مع مستويات المواساة، التعويض، الردع، أو العقاب؟ كيف تُحترم الحريات الخاصة؟ أين تطبيق النظام الأساسي وغيره من الأنظمة؟

مواضيع واسعة، شيء منها خاص بالأسرة نفسها وخرجت بعض أصدائه في الإعلام أو مواقع التواصل الاجتماعي وتناولها عدد من الكاتبات والكتاب وقت وقوع الحدث واليوم، مثل محاولات الضغط على الأسرة للقبول بدفن ابنها لتتنازل وتوقع على أن الحادث كان مرورياً وليس جنائياً، أي إن الفقيد توفي قضاء وقدراً ولم يمت قتيلاً. ولا أدري إلى أي درجة أخذت هيئة الادعاء والتحقيق هذه النقطة بعين الاعتبار. فالضغط بأي شكل من الأشكال لتغيير مسار القضية أو مسماها لا ينبغي أن يمر بدون مساءلة. وهناك قصة أخرى ترتبط بأهلية المرأة السعودية المعتادة، حيث إنه عندما توفي زوج السيدة سميرة فقدت بالتالي ولي أمرها الذي يبت ربما في أمور كالعملية التي يمكنها أن تخضع لها، ولا أدري إن كان لهذه الإشكالية القانونية ذات الخصوصية السعودية أثر في تأخير التعامل مع معالجة يد سميرة حتى اضطر الأطباء لبترها، مع البحث عن ولي أمر آخر للمرأة يمكن أن يبت في أمر جسدها. آمل أن هذا الخبر غير صحيح، لكنه بحاجة للبحث والتقصي وكنت في انتظار ترتيب اتصال معها. وقصة أخرى كانت مزعجة أيضاً تخص الفتاة الصغيرة درر يتعلق بأمر حضانتها والمسؤول عنها وعن أخيها واللذين لا تبت في أمرهما أمهما كما يبدو. آمل ان الأسرة كانت في مأمن من الضغوط التي تحاول أن تصادر حقوقها بأي شكل من الأشكال.

أما الجزء الذي يعد قضية عامة لكل منا الحق في تناوله فهو الذي يتعلق بقوانيننا وآلية تنفيذ عقوبات مخترقيها، ولدينا هنا المطاردة كمثال. فكما نعرف أن هناك تعليمات ومراسيم بمنع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو الدوريات الأمنية من مطاردة السيارات لغرض الاشتباه الأخلاقي أو الاختلاف الفقهي أو ما إلى هذه الحالات الخلافية والتي لا تعد أمنية بحال من الأحوال. لكننا لا نعرف ما هي العقوبة الموضوعة لمن يخرق هذه التعليمات. كما لا نعرف ما هي عقوبة من يتسبب في حادثة ويهرب من موقع الحادث دون إسعاف المصابين، فهذا يعتبر في دول العالم المتقدم جريمة قتل بإصرار وتعمد، وهناك، إن صح سبب تدخل وإيقاف الهيئة للفقيد، بأنه بسبب رفع صوت مسجل مما اعتبره مخالفة لما يعتقده غير جائز وفق تفسير ديني يضع المكروه في رتبة الحرام التي تحلل لرجل الهيئة اقتراف أكثر من مخالفة شرعية. هذه أسئلة بحاجة إلى النقاش وألا نقف أمامها بحمية الدفاع عن فكرة الحسبة والتجاوز عن تجاوزاتهم.

ومع تأكدي من نزاهة قضائنا وتحقيقاته إلا أني أود أن أشير إلى أن نتيجة اليوم تثير القلق الذي انتاب الكثير من المتابعين والذين يفقدون الأمل في تحقيق العدالة عندما يتعلق الأمر بهذا الجهاز كما جرى الأمر في عدد من القضايا المشهورة السابقة والتي بلغ تجاوز أفراد الهيئة القتل ثم بُرئوا ومنها على سبيل المثال مطاردوا سيارة المدينة، تبوك، الرياض (أم فيصل)، مقتل البلوي - تبوك، مقتل الحريصي-الرياض، مطعون عيون حائل وغيرها من القضايا الشائكة.

وعندما تساءلت علناً عن حل هذا اللغز، تواترت الردود بأن المحكمة تستند إلى "من اجتهد فأخطأ فله أجر"، والسؤال المفجع، هل بالإمكان أن تكون هذه حجة لتبرئة موظفي الدولة المتجاوزين إلى حد القتل أثناء أداء عملهم الذي لديهم ما ينص على المنع من هذه الاجتهادات؟ ألا يمكن أن ينطبق هذا المبدأ على كل المجرمين والقاتلين والمفجرين والمعتدين أمنياً وأسرياً. هذا المعتدي أسرياً اجتهد ليربي ابنته فقتلها من كثرة التأديب، اجتهد فأخطأ، وهذا المفجر بحزامه الناسف، اجتهد لاعتقاده أنه يتقرب إلى الله، اجتهد فأخطأ، وهذا الذي زور في المحاضر الرسمية وحاول أن يغير من مسار الحقيقة، اجتهد ليحمي رجال الدين، فأخطأ؟

وسوف يستأنفون ونرى.

رحم الله عبدالرحمن الحرفي الغامدي وألهم زوجته وأبناءه وعائلته الصبر والسلوان.

أمل هو اسم الطفلة التي وُلدت لضحية الحادثة، وهو ما تحتاج إليه هذه الأسرة المكلومة، بالإضافة إلى.. الحق.