تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
User Image

حنان حسن المرحبي

Assistant Professor

أستاذ المحاسبة المساعد

كلية إدارة الأعمال
مبنى 3, الدور 2، مكتب 40
مدونة

ما سر مخاطر الاستثمار بالأسهم؟

إن الهدف من وجود الأسواق المالية (الأسهم) هو توجيه مدخرات الناس أو الاستثمارات نحو أفضل المشاريع التي تسهم في تنميتها، وفي نفس الوقت تضيف إلى تنمية الاقتصاد الوطني ككل. أضف إلى ذلك، من بين أهم أهداف تنظيم تلك الأسواق هو المحافظة على رؤوس الأموال من سوء استخدام الموكلين بتشغيلها (المديرين التنفيذيين بالشركات المساهمة). فحينما يقرر المستثمرون تسليم أموالهم لأولئك المديرين- كما تتطلب أنظمة الملكية في شركات الأسهم، فهم يتوقعون بذلك عوائد سنوية للأسهم تساوي –على أقل تقدير- معدلات فائدة السندات الحكومية الخالية من المخاطر.

ومن الجدير بالذكر أنه دائما ما يتم ربط مفهوم الاستثمار بمفهوم المخاطر، فإذا كان من الصعب على المستثمر وضع تنبؤات حول معدلات عوائد الأسهم واتجاهاتها المستقبلية، فهو بذلك يواجه خطر (مستقبل مجهول لرأسماله) قد يحمله إلى التراجع عن الاستثمار أو اشتراط عوائد مرتفعة جدا كتعويض يشجعه على المغامرة. فما أسرار وجود المخاطر عند الاستثمار بالأسهم؟

من بين أهم الأسباب كفاءة سوق المال، فهي تعطي دلالة مباشرة ما إذا كانت هناك مخاطر تحيط برؤوس الأموال المتداولة فيه. فكفاءة سوق المال تكمن في قدرته على توفير معلومات مالية موثوقة وشاملة تمكن المستثمرين من استخدامها لبناء تنبؤاتهم حول حركة الأسهم وخاصة على المدى البعيد. تعتبر القوائم المالية السنوية التي تصدرها الشركات أحد مصادر المعلومات المهمة والتي يتم إعدادها وفقا لمتطلبات هيئة سوق المال. فهي تقدم بيانات مختصرة عن العمليات المالية التي أنجزتها الشركة وما نتج عنها من أرباح أو خسائر أو تغيرات برؤوس الأموال، مبنية وفقا لمعايير محاسبية موحدة لقياس القيم وعرضها، لتمكن المستثمرين من استخدامها في إجراء المقارنات وتوقع التحركات المستقبلية لها. فعلى سبيل المثال، يمكن للمستثمر الاعتماد على الأرقام الواردة بتلك القوائم لتقييم كفاءة الإدارة في تشغيل رؤوس الأموال وذلك من خلال متابعة حركة نمو المبيعات أو التكاليف عبر تاريخ حياة الشركة، أو من خلال مقارنتها بأرقام الشركات المنافسة. فلو كان التحليل يشير إلى أن أداء الإدارة كان فاعلا، فقد يبشر ذلك بوجود مستقبل جيد للشركة وأسهمها. ولكن، هل يمكن الاعتماد على القوائم المالية لاكتشاف جميع أنواع المخاطر؟ بالطبع لا.

رغم أهمية الدور الذي تلعبه تلك القوائم، إلا أن المعايير المحاسبية المتبعة في إعدادها تعاني من ثغرات يمكن للمديرين استغلالها للتلاعب في أرقام المبيعات والأرباح المعلنة. فالمدير التنفيذي وزميله المدير المالي هما المسؤولان عن إعدادها وتخولهما المعايير المحاسبية بعمل تقديرات لأرقام مهمة كمصروفات إهلاك الممتلكات - المباني والمعدات. تلك التقديرات لها أثر مباشر على الأرباح، بحيث يمكن للمديرين المبالغة في توقعاتهم بشأنها حتى تظهر فعاليتهم المزعومة في تشغيل رؤوس الأموال. في أغلب الحالات، ومع الأسف، يصعب كشف تلك الممارسات اللاأخلاقية، مما يشكل عامل خطر قد يدفع معظم المستثمرين إلى العزوف عن الاستثمار في الأسهم.

أيضا من بين المخاطر، قد يحدث تداول خفي أو خاص لمعلومات مهمة ومؤثرة متعلقة بمستقبل إحدى الشركات بحيث يستفيد منها أطراف معينة في تحقيق منافع دون غيرهم. أضف إلى ذلك، قد تُحدث عمليات المضاربة في الأسهم تذبذبا كبيرا في حركة الأسعار لا علاقة له بما يجري بواقع الأعمال التجارية أو القدرة التنبئية للمعلومات المعلنة بالقوائم المالية، مما يصعب من إمكانية الاعتماد عليها لتصور الاتجاهات المستقبلية للأسهم.

أختم بمثال حول شركة فيس بوك المسجلة في أكثر الأسواق كفاءة وأقلها مخاطر، وهو سوق الأسهم الأمريكي. فقد طرحت الشركة أسهمها للاكتتاب بسعر 38 دولارا أمريكيا في منتصف عام 2012، وسجل سعر الافتتاح في أول يوم للتداول ارتفاعا كبيرا وصل إلى مستوى 42.05 دولارا أمريكيا، لكنه أقفل على هبوط شديد وصل إلى 29.60 دولارا أمريكيا.

قد لا تستطيع المعلومات الواردة بالقوائم المالية تفسير سر التذبذب الهائل – وهو شكل من أشكال المخاطر- الذي حدث لسعر السهم على المدى القصير (يوم، أو أسبوع أو عدة أشهر)، ولكن الحال قد يختلف على المدى البعيد. فقد استطاعت أرقام المبيعات المعلنة للشركة والتي أظهرت نموا مستقرا انتقل من مستوى 2.8 مليون دولار في2011 إلى مستوى 7.8 ملايين دولار بنهاية عام 2013، أن تنعكس على حركة أسهمها التي أقفلت على مستوى 74.92 دولارا أمريكيا الاثنين الماضي، وهو ما يعادل ارتفاعا نسبته 153% من سعر الإقفال لأول يوم للتداول. هنا تظهر كفاءة سوق المال في إحداث التوازن بين ما تخبر به المعلومات المالية المعلنة من قبل الشركات وبين ما تعكسه أسعار الأسهم من توقعات للمستثمرين مبنية على تنبؤات عقلانية – أي مستندة على نتائج التحليل المالي لتلك المعلومات.

مقال منشور بصحيفة مكة