تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
User Image

حنان حسن المرحبي

Assistant Professor

أستاذ المحاسبة المساعد

كلية إدارة الأعمال
مبنى 3, الدور 2، مكتب 40
مدونة

المستهلك السعودي والنظير الياباني

جاءت الأرقام التي أصدرتها وزارة التجارة مؤخرا حول كمية المنتجات المغشوشة والمقلدة - أو بوصف آخر الرديئة - على مستويات خطيرة و مثيرة للاهتمام. فقد نشرت صحيفة “مكة” في عدد سابق بيانا توضيحيا بأبرز ضبطيات المخالفات التجارية لعام 2013، وفقا لنتائج حملات التفتيش التي قامت بها هيئة مكافحة الغش التجاري بالوزارة. تضمنت القائمة أرقاما هائلة للمخالفات من بينها 1,21 مليون وحدة مواد غذائية مغشوشة، 1,03 مليون عبوة منظفات وأدوات تجميل مغشوشة، 2,53 مليون عطورات مقلدة، 2,52 مليون مغلفات بعلامات تجارية مشهورة، 723,4 ألف فيش كهربائي لا يحمل بلد الصناعة، 110,5 آلاف عبوة زيت محرك مقلدة، 192,8 ألفا من فلاتر السيارات المقلدة، 74,8 ألف جوال مقلد بالإضافة إلى عدد من المخالفات الأخرى.

تعطي هذه الأرقام دلالة واضحة على تدني الوعي لدى المستهلك وتواضع متطلبات الجودة التي تُحدد بالمقام الأول من قبله باعتباره المسؤول عن المقابل المادي “أو العبء” الذي سيدفعه من أجل الحصول على السلعة. أيضا، تقع مسؤولية سلامة النفس من مخاطر استعمال تلك السلع بالدرجة الأولى عليه، فهو المستخدم المباشر لها.

ينبغي أن يدرك المستهلك أن أغلب تلك المنتجات يتم توريدها من بلدان ومصانع لا تذكر أسماءها بدقة، وقد تمر بعمليات تصنيع تتضمن معالجات كيميائية غير خاضعة لأي فحوصات مخبرية تبرهن على مراعاتها لمعايير السلامة، فضلا عن انعدام عمليات ضبط ورقابة الجودة. أضف إلى ذلك أنه لم يقتصر الضرر الناتج عن تداول تلك السلع على النفس والمال فحسب، بل تعداه ليشمل الاقتصاد الوطني ككل نتيجة المنافسة التي فرضتها تلك النوعية من المنتجات الرديئة والمتركزة حول السعر المخفض لا الجودة ولا التميز في الأداء. في الواقع، لم يقدم المخالفون لنا سوى أجيالا من السلع المعتلة التي دمرت اقتصادنا وزاحمت أسواقنا وتسببت في حرماننا من التمتع بتوافر منتجات أخرى متميزة تستطيع أن تتنافس على الجودة والسعر في آن واحد.

إن انتشار تداول السلع المغشوشة والمقلدة يؤكد على وجود درجة من الارتياح والقبول العام لها. والسؤال الذي يطرح نفسه: كيف وصلت متطلبات وشروط الجودة لدى المستهلك السعودي إلى تلك المستويات المتدنية والتي حولت سوق السلع الاستهلاكية المحلي إلى ميدان يتنافس فيه الرديء مع الأردأ؟

بالجانب النظير، لقد ساهم المستهلك الياباني المعروف بمتطلباته الشرائية المعقدة والتي تبحث عن أحدث التقنيات وأعلى مستويات الجودة والكفاءة إلى إدخال الشركات المحلية في منافسة عنيفة لتطوير منتجاتها إلى مستويات لم تكن مسبوقة بالدول الصناعية الأخرى. ونتيجة لذلك، خرجت الصناعة اليابانية إلى الأسواق الدولية وهي حاملة معها علامات فارقة للجودة مكنتها من أن تصبح منافسا دوليا بارزا في صناعات مهمة كالسيارات والالكترونيات. لقد قاد المستهلك الياباني اقتصاد بلاده نحو التفوق عالميا وساهم باختياراته الشرائية الواعية في توفير بيئة سوقية تتنافس فيها السلع المتميزة مع الأكثر تميزا سواء في الأداء والجودة وحتى السعر.

ختاما، قامت وزارة التجارة مؤخرا باعتماد برامج متعددة لمكافحة الغش التجاري تضمنت على سبيل المثال فتح قنوات تواصل تربطها مباشرة بالمستهلكين عبر موقعها الالكتروني وخطوط الهاتف الساخنة لاستلام البلاغات حول المخالفات واستقبال المقترحات والأفكار وضمان سرعة الاستجابة. ومن أجل أن تحقق تلك الجهود أهدافها، لا بد من أن يقوم المستهلك بدوره الحاسم في حل المشكلة وذلك من خلال رفع شروطه ومتطلباته فيما يتعلق بمعايير الجودة والأداء والسلامة، والحرص على فحص ومعاينة السلع قبل شرائها، ثم الإبلاغ الفوري عن أي منتجات مغشوشة أو مقلدة والامتناع التام عن شرائها وبالتالي قطع السبيل إلى الأرباح عن المخالفين حتى لا يبقى لهم خيار سوى الخروج من أسواقنا وإتاحة المجال لأصحاب المنتجات المتميزة للقدوم والمنافسة.

المقال منشور بصحيفة مكة