تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
User Image

حنان حسن المرحبي

Assistant Professor

أستاذ المحاسبة المساعد

كلية إدارة الأعمال
مبنى 3, الدور 2، مكتب 40
مدونة

قروض الأفراد.. هل هي حقاً شرعية؟

تقوم البنوك والمؤسسات المالية بالسعي وراء ابتكار وتطوير برامج تمويلية تقابل احتياجات السوق المحلية من منتجات وخدمات تتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية. تتفق معظم تلك البرامج التمويلية في مسميات الصيغ الشرعية التي تتبعها فتشتمل على سبيل المثال التورق والمرابحة والاستصناع وغيرها. ورغم اتفاق تلك البرامج في مسميات الصيغ، إلا أنها تتباين في تفاصيل أحكامها الفقهية والأساليب البنكية المتبعة في تنفيذها.

إن الباحث في المسائل الفقهية التي تختص بتلك الصيغ التمويلية يجد اختلافا كبيرا بين آراء العلماء الشرعيين فيما يتعلق بالصور الجائزة وغير الجائزة التي تندرج تحت كل صيغة. والذي يزيد المسائل تعقيدا اتخاذ البنوك والمؤسسات المالية أساليب مبتكرة وأحيانا متباينة فيما بينها عند عملية التنفيذ الفعلي لتلك الصيغ التمويلية. ولتوضيح هذا التباين، فلنفترض أن لدينا البنكين (أ) و (ب) وكلاهما يروجان لقروض فردية إسلامية تنتهج صيغة التورق. ووفقا لهذه الصيغة، تسير العملية التمويلية لدى كلا البنكين على الخطوات التالية: يقوم البنك بشراء سلعة محددة من قبل العميل، ثم يبيعها عليه بأقساط آجلة وبثمن أعلى من قيمتها عند عملية الشراء الأولى، وعند قيام البنك بتسليم السلعة للعميل، يقوم الأخير ببيعها واستلام النقدية. وقد يقع التباين بين البنوك في إجراءات التنفيذ الفعلي عند الخطوة الأخيرة والمتضمنة الطريقة التي يتم بموجبها تحويل السلعة إلى نقدية. فبينما تقضي بنود التعاقد لدى البنك (أ) بإلزام العميل بتوكيل البنك على بيع السلعة، أو بدلا من ذلك، منحه الحق في بيعها على أن تكون قد قُيدت خيارات الشراء الأولى في عدد من السلع الثقيلة كأطنان الحديد والأرز التي يستحيل على العميل استخدامها وكذلك يصعب عليه بيعها فيضطر بذلك إلى توكيل البنك، تمنح بنود التعاقد لدى البنك (ب) العميل حرية التصرف الكاملة في السلعة مع التزام البنك المسبق بتوفير خيارات من السلع الخفيفة وعالية السيولة كالأسهم والسيارات ليتمكن العميل من استخدامها أو بيعها بيسر.
في ظل ذلك التباين بين عمليات التنفيذ الفعلي لدى البنوك، يبقى السؤال مطروحا: كيف يمكن للعميل التعرف على أفضل الممارسات التمويلية التي تحقق التوافق الأمثل مع الأحكام الشرعية؟

على الرغم من قيام بعض البنوك والمؤسسات المالية بإنشاء هيئات شرعية داخلية لدراسة ومراقبة عمليات تطوير وتنفيذ برامجها التمويلية وضمان توافقها التام مع الأحكام الشرعية، إلا أنها لا تزال تستقبل انتقادات حادة حول انعدام الاستقلالية. إن اقتراح إنشاء هيئات داخلية كحل، يثير التساؤل حول إمكانية الوثوق في ممارسات رقابية يتبناها ويدعمها أرباب تلك البرامج التمويلية أنفسهم، باعتبارهم ممثلين لجهات ربحية خالصة.

إن ضبط تلك الممارسات التمويلية يتطلب إنشاء هيئة خارجية مستقلة تتكون من علماء شرعيين وبعض من ممثلي البنوك والمؤسسات المالية. تتكلف الهيئة بمهمة البحث عن أفضل الممارسات التمويلية التي تتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية واعتمادها. تفتح الهيئة المجال لاستقبال مقترحات ممثلي البنوك والمؤسسات المالية وتقوم بعقد حلقات نقاش لمقابلة تلك المقترحات بآراء العلماء الشرعيين ومعالجتها بما يحقق التوافق الأفضل مع الأحكام الشرعية. وعلى ضوء ما تخرج به تلك الجلسات، تقوم الهيئة بإصدار معايير موحدة للأساليب الشرعية المعتمدة لتنفيذ البرامج التمويلية.

ختاما، إن إنشاء جهاز مستقل لضبط الممارسات التمويلية الشرعية سيعود على البنوك والمؤسسات المالية وكذلك العملاء بفوائد عديدة. من أهم تلك الفوائد، تحقيق الاستقلالية، وتخفيف التباين وتطوير أفضل الممارسات التمويلية الشرعية التي ستغني البنوك والمؤسسات المالية عن الحاجة للإنفاق على أعمال البحث والتطوير والهيئات الداخلية. أيضا يمكن للهيئة فتح المجال لهذه المؤسسات للتقدم بطلب الحصول على شهادات اعتماد خارجية ومستقلة من شأنها طمأنة العملاء حول توافق أنشطتها التمويلية مع أفضل الممارسات الشرعية المعتمدة.

المقال منشور في صحيفة مكة