مدونة
شرح خطبة المأمون الحارثي. (أدب جاهلي). (نثرقديم)
النص منسوخ كاملا مع الشرح من مدونة (إحياء اللغة) في الرابط المرفق، وأنصح بقراءته من المدونة لأن الترتيب هناك أفضل. وإنما نسخته هنا خشية من أن تُفقَدَ الصفحة لسبب تقني. [شكرا لصاحب المدونة].
-
المدوَّنَة: إحياء اللغة/ الكاتب: المأمون/ تاريخ النشر: السبت، 27 أبريل 2019.
https://al-ehyaa.blogspot.com/2019/04/blog-post.html
نص خطبة المأمون الحارثي
قعد المأمون الحارثي في نادي قومه؛ فنظر إلى السماء والنجوم، ثم أفكر طويلًا، ثم قال:
أرعوني أسماعكم، وأصغوا إلي قلوبكم؛ يبلغ الوعظ منكم حيث أريد، طمح بالأهواء الأشر، وران على القلوب الكدر، وطخطخ الجهل النظر، إن فيما ترى لمعتبرًا لمن اعتبر، أرض موضوعة، وسماء مرفوعة، وشمس تطلع وتغرب ونجوم تسري فتعزب، وقمر تطلعه النحور، وتمحقه أدبار الشهور، وعاجز مثر، وحول مكد، وشاب مختضر، ويفن قد غبر، وراحلون لا يؤوبون، وموقوفون لا يفرطون، ومطر يرسل بقدر؛ فيحيي البشر، ويورق الشجر، ويطلع الثمر، وينبت الزهر، وماء يتفجر من الصخر الأير؛ فيصجع المدر، عن أفنان الخضر، فيحيي الأنام، ويشبع السوام، وينمي الأنعام، إن في ذلك لأوضح الدلائل على المدير المقدر، البارئ المصور. يأيها العقول النافرة، والقلوب النائرة، أنى تؤفكون، وعن أي سبيل تعمهون، وفي أي حيرة تهيمون، وإلى أي غاية توفضون، لو كشفت الأغطية عن القلوب، وتجلت الغشاوة عن العيون، لصرح الشك عن اليقين، وأفاق من نشوة الجهالة، من استولت عليه الضلالة.
قبل أن نبدأ أريد أن أوضح، "قعد في نادي قومه": النادي ليس بمعناه العصري، بل إن النادي هو مكان مهيأ لجلوس الناس.
إذا، سأقسم الخطبة لمقاطع، وأشرح الخطبة مقطعا مقطعا بإذن الله كما يأتي:-
أرعوني أسماعكم(1)، وأصغوا إلي قلوبَكم؛ يبلغ الوعظ منكم حيث أريد، طمح بالأهواء الأَشِر(2)، وران على القلوب الكدر(3)، وطخطخ الجهلُ النظرَ(4)...
(1) أرعاه السمع: أي استمع إليه بإنصات.
(2)-طمح بالأهواء: علا وارتفع بها. -أَشِرَ فلان: أي بطر واستكبر فهو أَشِرٌ، لذا فالأشر هو المستكبر. وقد قال الله -تعالى-: "أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ" [القمر:25]
(3)-نقول ران عليه الأمر: أي غلبه وسيطر عليه وغطاه، قال الله -تعالى-: "كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ" [المطففين:14]
أي غلبهم وسيطر عليهم.
إضافة: ران عليه الموت: أي ذهب به.
-والكَدَرُ نقيض الصفاء
(4) وطخطخ الجهلُ النظرَ: أي أظلمه وحجبه، فنحن نقول "طخطخ الليلُ نظرَه" إِذا حجبته الظلمة عن انفساح النظر. ونقول "تَطَخْطَخَ الليل" إذا أظلم.
إضافة: معنى آخر ل"تطخطخ": أي تجمع وانضم لبعضه، مثل "تطخطخ السحاب" أي انضم لبعضه وزال ما فيه من جُوَب.
فالخطيب يطلب من المستمعين الإنصات، والانتباه إليه بقلوبهم حتى يعظهم، لأن الجهل قد أعمى أبصارهم، والمتعالي علا بأهوائه، والكدر غلب قلوبهم.
...إن فيما ترى لمعتبرًا لمن اعتبر(1)، أرض موضوعة، وسماء مرفوعة، وشمس تطلع وتغرب، ونجوم تسري فتَعزُب(2)، وقمر تُطلِعه النحور(3)، وتَمْحَقُه أدبار الشهور(4)...
وهنا يتحدث عما حوله من آيات على الإنسان أن يتعظ بها، من أرض موضوعة وسماء مرفوعة وشمس نجوم تسير وتغرب، وقمر يطلعه أول الشهر وينقصه آخر الشهر.
(1) اعتبر بالشيء: اتخذه عبر واتعظ به.
قال الله -تعالى-: " ...فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ۖ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ۚ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ [الحشر:2]"
إضافة: اعتبر بفلان: اعتدَّ به.
(2)-سرى يسري سَرْيًا وسِرايةً وسُرًى: أي سار ليلا. فسرت النجوم تسري: أي تسير ليلا.
-ونقول عَزَبَ فلان يعْزُبُ ويعْزِبُ عُزُوبًا: أي غاب وبعد وذهب، وإن قلت "عزبت عن الماء" أي بعدت عنها.
فالخطيب يقول أن النجوم تسير ليلا حتى تغيب وتذهب.
(3)النُحُورُ جمع نَحْر، والنحر عامة هو الصدر والبداية، ونحور الشهور أوائلها.
(4)-وأدبار جمع دُبُر، وهو عقب كل شيء وآخره.
-ومحَقَ الشيءَ يمْحَقه: نقصه، أو أذهب بركته. قال الله -تعالى-: "...يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا..." [البقرة:276] أي يزيل بركتها.
لذا هو يقصد أن القمر يبدأ طلوعه أول الشهر، ثم إذا اقترب دبر الشهر بدأ يتلاشى تدريجيا.