تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
User Image

بدرية عبد العزيز عبد الرحمن العبيد

Lecturer

ماجستير-قسم الإعلام-كلية الاداب

الكليات الانسانية
كلية الآداب المبنى رقم 1 مكتب رقم 84
مدونة

العم روكوس، عندما يتعنصر الآخر ضد نفسه!

العم روكوس، عندما يتعنصر الآخر ضد نفسه!
الجمعة 11 شعبان 1431 الموافق 23 يوليو 2010
 
العم روكوس، عندما يتعنصر الآخر ضد نفسه!
بدرية العبد الرحمن

 

سيداتي سادتي:


أقدم لكم العم روكوس، من مسلسل (بوندوكس) الكوميدي الذي كتبه المبدع: (آرون مكغرودر) وأنتجته شركة (تي بي إس).

العم روكوس هو رجل أسود يمارس عنصرية متطرفة ضد السود، ويرفض الاعتراف بكونه أسود، رغم أن فحص جيناته أثبت أن خلاياه أفريقية بنسبة 102 بالمائة.

وعلى الرغم من ذلك فإن العم روكوس مازال يستيقظ كل صباح ليتحدث الإنجليزية بلهجة القرويين البيض المتعصبين، ويدهن جسمه بكريم مبيض يعالجه من مرض السواد، ويحمد الرب المسيحي الأبيض على نعمة استيقاظه كل صباح وكونه أبيض عنصرياً في القلب.

العم روكوس هو الشخصية الأكثر إضحاكاً في مسلسل (بوندوكس) الكارتوني الكوميدي من العيار الثقيل، وهو يجسّد خير مثال ظاهرة التعنصر ضد الذات، أو انقلاب (الضحية-الآخر) عدواً ضد نفسه.

ظاهرة كراهية الذات أو التعنصر ضد الذات، أو ما يسمى بـ

(self hatred )

هي ظاهرة تكاد موجودة بالتلازم في كل الأقليات المضطهدة، حيث تظهر نماذج من الأقليات المضطهدة لتعتنق الرؤية العنصرية ضد نفسها، وتعلن إنكارها لذاتها بنفس لغة من يضطهدها، وتعلن في جملة ما تعلن، أنها تستحق ماتتعرض له من إذلال واحتقار لأن ما يُقال عنها - من تبرير للعنصرية- صحيح!

ظهر في مخيلتي وأنا أستعرض ظاهرة العم روكوس مثالان نموذجيان لظاهرة التعنصر ضد الذات:

1_ النساء اللاتي يمارسن العنصرية ضد أنفسهن، ويحتقرن جنس النساء مردّدات نفس الوحدات اللغوية التي يستخدمها الخطاب الذكوري، مع الاعتراف الكامل بأنهن أنفسهن يدخلن في دائرة الاحتقار هذه.

2_ العرب المتصهينون الكارهون للذات العربية، حيث يجعلون من العروبة لعنة في العروق تجلب التخلف والعار والهزائم وغيرها من الآلام، وهم في حديثهم الضد-نفسي هذا يستخدمون مفردات المركزية الصهيو-أمريكية التي تلعلع في (فوكس نيوز) وشبكة (سي إن إن) وشبكة (سكاي نيوز) وغيرها من الوسائط المنحازة.

والتشابه بين الأمثلة الثلاثة هذه: العم روكوس، النساء الذكوريات أو (النساء بدون أمهات كما سمتهن الناقدة سماهر الضامن)، والعرب المتصهينة، تشابه طريف يمكننا التسلّي بمشاهدته وأخذ ورقة وقلم لنعلّم على مواطن التشابه العشرة:

مثلاً: العم روكوس يستمتع بمشاهدة أفلام الكاوبوي من بطولة كلينت أيستوود، حيث تتخلل هذه الأفلام مشاهد اضطهاد للمزارعين السود في التاريخ الأمريكي القريب في فترة العبودية.

النساء الذكوريات يتحسرن على الحقبة التي كان فيها التعليم محرماً على النساء والإرغام على الزواج هو المصير الجيد الذي ينتظر كل بنت بمجرد بلوغها أو حتى قبل ذلك.

العرب المتصهينون يتحسرون على حقبة الاستعمار، ويرونها أفضل حقبة مرت على الذات العربية منذ الجاهلية على الرغم من كل ما جلبته من الموت والإذلال للسكان الأصليين.

العم روكوس يطالب بعودة عصر العبودية والرق لأنهما أفضل ما حصل للأفارقة الأمريكيين الهمج في نظره؛ لأن الأفارقة الأمريكيين لا يستحقون الحقوق والامتيازات التي يحصل عليها المتمدنون من البيض..

النساء الذكوريات يطالبن بمزيد من القمع والحصار والقوانين والأنظمة؛ لأن النساء أقل وأحمق من أن يحصلن على اعتبار إنساني كامل وحقوق مدنية.

والعرب المتصهينة يطالبون المستعمر الأمريكي ليأتي من أجل تمديننا وتطهيرنا من التخلف بقوة الدبابة والنووي؛ لأن الشعوب العربية أقل من أن تُمنح حق تقرير مصيرها بنفسها.

العم روكوس يربط بين الأفرو أميركان وتصرفات قردة البابون.

النساء الذكوريات يربطن بين جنسهن الناعم وتصرفات النعاج والبقر والدجاج.

والعرب المتصهينة يربطون العرب بتصرفات الأجناس الحيوانية الأكثر بلادة كالحمير والبغال.

إنك قد لا تستغرب_ عزيزي القارئ_ لو أن رجلاً أبيض مارس العنصرية ضد السود، أو أن رجلاً ذا أفكار ذكورية معادية للمرأة مارس العنصرية والاحتقار ضد المرأة، أو أن صهيونياً إسرائيلياً مارس الاحتقار والنبذ للعرب.

فالسود والمرأة والعرب في هذه الحالة ما هم إلاّ (آخر) غائب بالقوة عن المشهد الثقافي.

العرب والسود والمرأة  في نفس الوقت هم (هامش) عديم القيمة في مقابل المركز الإمبريالي المتسيّد، والذي يمارس ضد الهامش تمييزاً أصيلاً في النفسية البشرية الحديثة.

والمركز الإمبريالي (البروتستانتي الأبيض-الذكوريون-الصهاينة) يمارس مع الهامش فوقية وقطيعة ثقافية تمنعه من تكوين حوار متحضر، وتجبره على ممارسة اضطهاد وفصال ثقافي، يدخل في تكوينه الكبر والخيلاء والمركزية الثقافية.

هذا ليس غريباً وإن كان مستنكراً..

ولكن الغريب المستنكر هو أن يكون الضحية جلاد نفسه، وأن يكون العم روكوس كارهاً لذاته مردداً نفس تهم الأبيض له: الكسل، الفشل، حب الجريمة، البذاءة..الخ.

وأن تكون المرأة الذكورية كارهة لذاتها مردّدة نفس تهم الذكر لها: الضعف، الهشاشة، انعدام الذكاء، الرعونة، عدم القدرة...الخ.

وأن يكون العربي المتصهين كارهاً لذاته، مردداً نفس تهم الصهيوني له: التخلف، العداوة، الإرهاب، العنف، انعدام الفائدة..الخ.

حين يحصل ذلك فإن علينا التوقف قليلاً لمعرفة سبب هذه الظاهرة. وعلى الرغم من أن ابن خلدون استنتج أن ذوبان الهوية الأم في الهوية المستعمِرة هو الأصل في تصرف الأمم المستعمَرة، إلاّ أن ذلك الإيجاز قد لا يكفي لتفسير هذه الظاهرة نفسياً. فمن المنطقي أن يكون الإنسان محباً لذاته لا كارهاً لها، ومن المنطقي حين يقع التمييز والظلم على امرئ أن يدين هذا الفعل لا أن يمارسه ضد نفسه.

إذن فما هو التفسير النفسي لظاهرة العم روكوس؟

-التقمص:

فالمغلوب يتقمص شخصية الغالب لا شعورياً. العم روكوس يتحدث الإنجليزية بلهجة البيض القرويين، ويستخدم مفرداتهم للتحقير من شأن جماعته، والذكوريات من النساء يتحدثن بأصوات خشنة ويستخدمن مفردات عربجية في التحقير من شأن جنسهن، والعرب المتصهينة يتحدثون عربية مؤمركة مطعمة بمفردات عنصرية ضد أنفسهم.

والثلاثة في هذا الميدان يتقمصون شخصية قاهرهم لا شعورياً، ربما لينسوا انتماءهم إلى الجنس المغلوب بطريقة أو بأخرى.

ولذلك ينكر العم روكوس أنه أسود أصلاً، ويزعم أن سواد بشرته ناتج من مرض، ويقسم بالدم الإيرلندي الذي يجري في عروقه، ومرة يصبح من أصل فرنسي ومرة من أصل أسكتلندي، في حوارات كوميدية من العيار الثقيل تجعلك تضحك من أعماقك على: كيف يمكن أن يصبح الإنسان عندما يكره هويته.

-المازوخية:

وهي الاستمتاع بالعذاب والإذلال، فالعم روكوس –في حلقات كثيرة- لا يتردّد في الانحناء والركوع أمام البيض احتراماً على الرغم مما يقابلونه به من احتقار أو لا مبالاة.

الذكوريات والمذعنات من النساء لدرجة عبادة الرجل يستمتعن بالدونية الاجتماعية ومرتبة الجارية الأقل شأناً في مقابل سي السيد.

وقد قرأت لهذه الفئة نصوصاً إبداعية تتفنن فيها الكاتبة في وصف استمتاعها بإذلالها وألمها الاجتماعي الحتمي الناتج من كونها أنثى، بل وتنسب هذه الكاتبة هذا الاستمتاع المازوشي إلى شيء في (فطرتها) لا يشبع إلاّ بأن (يكسر ضلعها) وأن (تكون أقل) أو أن تكون مهمّشة مغلوبة.

العرب المتصهينة أيضا يمارسون مازوخية شبيهة عندما يتحدثون عن العرب بضمير الـ(نحن) ومن بعدها تستمع لأنواع من الأوصاف الدونية تحيلك إلى هذه النحن:

ف(نحن) العرب جرب، و(نحن) العرب لا فائدة من المحاولة معنا، و(نحن) العرب شعوب لا تصلح لها الديموقراطية بل الحديد والنار، و(نحن) العرب نستحق ما نعانيه من تخلف وركود؛ لأننا (نحن ) العرب.

ويخيل إليك وأنت تستمع إلى مفردات الخطابات الكارهة للذات أنك ترى اللذة المازوشية بتعذيب الذات وكراهيتها بين السطور والحروف.

- الذوبان والتسليم:

فليس بالإمكان أحسن مما كان. والعم روكوس في النهاية أمريكي يعيش في خير الرجل الأبيض، ويأكل من دورة ماله العظيم، ويستنير بنور الرجل الأبيض الجبار الذي ملأ أرجاء الأرض استعماراً وتحريراً للشعوب المستعبدة من نير الجهل والثقافات البربرية القديمة.

والذكوريات يحتججن لعنصريتهن ضد ذواتهن بأن المرأة لا تساوي شيئاً من دون الرجل، وأن الحضارات والأديان والعلم والتطور جاء على أيدي الرجال، وليس النساء. وأخيراً؛ فالنساء لا يصلحن لشيء ولا يدخلن في شيء إلاّ أفسدنه - كما قالت إحداهن في محاضرة وضحكت من حولها النسوان إقراراً وسخرية بأنفسهن_ ولذلك فخير لهن أن يتركن الخيط والمخيط في أيدي الرجال، وذلك لمصلحتهن قبل مصلحة الرجال.

أما العرب المتصهينة فهم يقسمون برأس أمريكا وحليفة أمريكا أنه لولا أمريكا لأكلنا بعضنا البعض -نحن العرب- ولكنا يلعن بعضنا بعضاً ومأوانا النار، ولكنها أمريكا وحليفتها من يمكنهما أن تمسكا العصا من المنتصف وتحميانا من شر أنفسنا..

-الفتات ولا القطيعة:

فالعم روكوس يتلزّق بالبيض، ويداعب مشاعرهم العنصرية حتى يحصل على امتيازات. على الرغم من أنه يتم نفيه وطرده في كل حلقة، ولكنه لا يكلّ من المحاولة ولا يسيء الظن بالجنس الأبيض مهما فعلوا به؛ لأن مجرد الاقتراب من الفئة البيضاء المحظوظة هو امتياز.

الذكوريات من النساء يعتقدن أنهن يحصلن على امتيازات أكثر بسبب خضوعهن، رغم أن خضوعهن للجنس القاهر يسلبهن أكثر امتيازاتهن، ولكن يظل مجرد اقترابهن من هوى الجنس الذكوري امتيازاً هائلاً. ولذلك تصبح الذكوريات من النساء أكثر عداوة لجنسهن من الذكوريين من الرجال.

والعرب المتصهينة مدفوعو الأجر بطريقة أو بأخرى، فمن لم يكن مالكاً لموقع يدفع له كان صحفياً مأجوراً أو بوقاً شتّاماً ذمّاماً لاجئاً في قنوات تلفزيونية صهيو أمريكية تمنحه من اللمعان والمال ما لم يحلم به طوال حياته البئيسة في ديار الجرب والصحراء والقحط.

ورغم أن التلميع والضجة يشتعلان لوقت وجيز، ومن ثم تخفت الأضواء وتقل الأموال والامتيازات (والصهاينة والكلبيون لا أمان لهم في النهاية)، إلاّ أن المتصهينين على الرغم من تلك الخيبات لا يكفون عن الأمل بالسيد الصهيو- أمريكي القادر على إصلاح حالنا وسكب المال في جيوبنا وتغيير حياتنا من الإرهاب والعنف والقمع إلى الديموقراطية والعدل والرخاء.

هذا ما يجعل كارهي الذات وعابدي جلاديهم مادة دسمة للكوميديا والإضحاك بلا أي منازع...

ولله في خلقه شؤون.