تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
User Image

أ.د. أزهري مصطفى صادق علي

Professor

استاذ

كلية السياحة والآثار
126 أب
مدونة

السودان ارض الحضارات (2) قصة الانسان في السودان

السودان ارض الحضارات (2) قصة الانسان في السودان
نشر في الانتباهة . طبعة الخليج . 24 نوفمبر 2012
د. أزهري مصطفى صادق
 
في كثير من دول العالم ، خاصىة التى لا تمتلك تاريخاً ضارب الجذور كالسودان ، يُحتفى بالتراث الثقافي ، وتتم المحافظة عليه والترويج له وتضخيمه الى حد كبير ، ونقله الى الاجيال اللاحقة بجعله مادة دراسة رئيسية في رياض الاطفال والمدارس والجامعات ، وتقام له المعارض والاحتفالات والاعياد القومية. ويدرك المواطن العادي أن هذا التراث يسجل مسيرة وجودية وحياتية للإنسان في بلاده أينما كان في أي مكان وزمان ، بل يعد نفسه جزءاً منه وانه مشارك فيه ، سواء في محيطه المحلى او في اطار الحضارة العالمية التى يراها امتزاج ثقافي متصل يكمّل بعضه بعضاً رغم شتاتها الجغرافي وتعدد منابتها. هذا نتاج طبيعي في أن التراث البشري يفهم ويمارس بطريقة صحيحة باعتباره ذا صلة بتقدم الشعوب وله تأثير كبير على الكيانات الاجتماعية والثقافية. ما لا يدركه الكثيرون أن أغلب هذه الشعوب ، إذا قارناها بما نمتلكه من إرث أثري وثقافي وتراثي عميق الجذور ،  قد لا يتعدى تاريخ وجودها في ارض معينة الا آلاف بل مئات قليلة من السنوات. في الجانب الآخر يعرف السودان بأنه واحد من اهم مراكز الوجود البشري القديم في العالم ، ولا يستثنى في أي كتاب او مقال اكاديمي عندما يتعلق الامر بقصة الانسان وتطوره الثقافي بل حتى أنه لا يزال يمثل للكثير من الباحثين سجلاً قد يُكمل حلقات عديدة غير مكتملة في مسيرة البشرية وتطورها مع تميزه بالموقع الجغرافي الاستراتيجي وامتداده باقليم شرق افريقيا ، أحد أهم مناطق البحث الآثاري في العالم.
في اوائل القرن العشرين ، احتفت الأوساط الآثارية باكتشاف مثير في منطقة صغيرة بالقرب من سنجة بجنوب النيل الأزرق أطلق عليه اسم (جمجمة سنجة Singa Skull) ورأى الكثيرون أنها تمثل حلقة هامة في دراسات الانسان في العالم فيما يعرف بالعصر الحجري القديم. اكتمل هذا العمق التاريخي الطويل باكتشاف حديث لأدوات وبقايا قديمة في جزيرة صاي ترك صدى أكبر بين الاوساط العلمية في العالم ، واعتبر من اقدم ما عرف من آثار تركها الانسان على طوال وادي النيل. لقد احتفى الاجانب بهذين الاكتشافين لسنوات طويلة ومثلا مادة دسمة للتحليلات والافتراضات المتعلقة بقصة وثقافة الانسان في وادي النيل وشمال افريقيا. لقد نظروا لإنسان سنجة وأدوات صاي على انهما دليل على انطلاق الانسان القديم من وادي النيل السوداني ليكتشف العالم من حوله ، حاملاً ثقافته وإرثه البشري .. القليلون سمعوا بهذين الاكتشافين في سوداننا الحبيب ، ولم يكنا يوماً في قصص التراث المجتمعي او حتى اساطيره. في العرف البشري ، انهما ليسا إرثاً سودانياً فحسب ، بل يعدا جزءاً من موسوعة قصة الإنسان القديم وإنجازاته الكبري.