تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
User Image

أ.د. أزهري مصطفى صادق علي

Professor

استاذ

كلية السياحة والآثار
126 أب
مدونة

السودان ارض الحضارات (1)

السودان ارض الحضارات (1)
نشر في الانتباهة . طبعة الخليج . 17 نوفمبر 2012
د. أزهري مصطفى صادق
يعد السودان ، بحدوده المعروفة حالياً ، أرضاً لأقدم الممالك والحضارات في منطقة جنوب الصحراء ، وذا تراث آثاري وتاريخي لا يزال اغلبه غير معروف او مكتشف. وفي بلد مترامي الأطراف ، لا يزال العمل الآثاري بطيئاً وقليل الموارد ، فلا زلنا في بداية الطريق لمعرفة اصول اهم واكبر الممالك في كرمة (2500 الى 1500 قبل الميلاد) ، ودولة كوش – مروي (800 قبل الميلاد الى 350 ميلادية) ، والممالك المسيحية وسلطنات سنار ودارفور في فترة العصور الاسلامية المبكرة.
لقد اكتسب السودان اهميته وسط علماء الآثار والتاريخ من كونه منطقة للتفاعل بين تقاليد ثقافية متنوعة تربط أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى ومصر والبحر الأبيض المتوسط​​، وما وراءهم. كما انه تطور منذ وقت مبكر وبشكل استثنائي في الأنظمة السياسية الحاكمة في نهر النيل مما قدم فرصاً رائعة لدراسة تطور السلطة السياسية ، وكذلك في جوانب أخرى كالزراعة والعمران.
لقد ظلت دوائرنا الاعلامية ومنذ فترة بعيدة تركز جل اهتمامها في عبارة (السودان ارض الحضارات) دون ان تقدم للمواطن العادي او حتى من لهم اهتمام ، ولو قليل ، بالتاريخ والآثار ماهية هذه العبارة ومدلولاتها ، وتوجه جل ظننا ان الآثار إنما في كرمة والبركل ومروي وسوبا وغيرها. ولم تفلح هذه العبارة رغم ضخامتها في توجيه الوعي المجتمعي لاحترام هذه الآثار في كونها تمثل قيماً تراثية وتاريخية فريدة. وبدلاً من ذلك ينظر الكثيرون لهذه الآثار بانها (خرابات وكسار وطوب قديم من زمن العنج) حتى دون معرفة من هم العنج وما اصولهم ، فما ترسخ في اذهانهم لزمان طويل لا يمكن محوه او تعديله بسهولة. وكلنا شركاء في هذا الفهم الخاطئ لأننا لم نعكس علاقة المواقع الأثرية بالتعليم ، والسياحة ، وتنمية المجتمعات المحلية والتأثيرات على المستويات الاقتصادية والاجتماعية وان حفظ التراث الثقافي والآثاري يسهم في حفظ الهوية المحلية والقومية ويمثّل عنصراً مهماً في التنمية الاقتصادية للمنطقة.
ان عبارة (السودان أرض الحضارات) لهي حقيقة واقعة ودلائلها بينة وجلية ، وبيناتها متشعبة ومعقدة ، والحديث فيها يطول ، بل ان كثير من الجامعات العالمية لها مناهج موجهة صراحة لدراسة الآثار السودانية ، والمتخصصين فيها والدارسين لها بالألاف. الا يدعو ذلك للتساؤل عن هذه الحضارات واصولها ؟؟ وسماتها واراضيها وحكامها ومواطنيها وتقاليدها ودياناتها ، وازدهارها وافولها؟؟.. لا اود ان يكون الحديث في هذا الجانب علمياً بحتاً وانما سرداً مبسطاً في حلقات قد تسهم في نهاية الامر الى فهم أفضل لعبارة (السودان ارض الحضارات).