تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
User Image

د. عبدالرحمن بن نبيل بن عبدالرحمن الصالح

Assistant Professor

مدير مركز التدريب وخدمة المجتمع | مستشار نائب رئيس الجامعة للتخطيط والتطوير | أستاذ القانون الخاص

كلية الحقوق والعلوم السياسية
مبنى 14، الطابق الثاني، مكتب A120
مدونة

أفضل كلية قانون في المملكة!

 

في الأسبوع الماضي وبعد عشرة أشهر، انتهت منافسة التحكيم التجاري الطلابي بتنظيم المركز السعودي للتحكيم التجاري. كانت المنافسة بين 39 فريقاً يمثلون 24 جامعة في المملكة. وكان المركز الأول من نصيب الطالبات من كلية القانون في جامعة الأمير سلطان بن عبدالعزيز الأهلية. منذ أن أعُلن عن الفرق المُتأهلة إلى نصف النهائيات، ثارت عدد من الأسئلة في الذهن. ومنها: هل الطالبات يتفوقن على زملائهن الطلاب؟ (وقد أجبت على هذا السؤال من واقع تجربة شخصية هنا) وأيضا ما هي أفضل كلية قانون في المملكة؟ وهو السؤال الذي تحاول هذه التدوينة الاجابة عليه.

على الرغم من وجود بعض المبادرات الفردية والتطوعية التي تستهدف طلاب وطالبات القانون في المملكة، باعتقادي تعد هذه المنافسة الأولى من نوعها من حيث جهة الإشراف والرعاية وحجم التمثيل الطلابي والجامعي فيها. خاصة وأنها تُركز على أهم الجوانب العملية لتخصص القانون وهو المرافعة. تبني المركز لهذه الفكرة وتنظيمه للمسابقة في وقت أصبحت البيئة القانونية السعودية تتقدم بوثبات تتجاوز بها الدول المجاورة أمر يستحق الشكر والتقدير ونتمنى أن نجد أكثر مثل هذه المنافسات -بتنظيم المؤسسات والجهات الاعتبارية ذات الصلة- والتي من شأنها صقل شخصية الطالب القانوني وزيادة ثقته بنفسه وتساهم في تأهيله لبيئة العمل.

ما أن أُعلن عن الفريق الفائز في المنافسة الطلابية، تسابق البعض –من قانونيين وغيرهم- بإعلان الجامعة التي ينتمي لها الفريق الفائز كأفضل جامعة تدرس القانون في المملكة. إحقاقا للحق، ومن تجربة شخصية، خلال فترة التقديم للقبول على برامج الماجستير في أفضل الجامعات  في الولايات المتحدة الأمريكية، كنت أبحث عن ذلك السعودي المميز الذي يدرس في تلك الجامعة وأسأله عن تجربته الشخصية في القبول لعل وعسى أن أجد في تجربته ما ينفعني عند التقديم على الجامعة. 90% من الأشخاص الذين تواصلت معهم، كن من خريجات كلية القانون في جامعة الأمير سلطان، ويستكملن دراستهن العليا في أوائل الجامعات في التخصص كجامعة هارفارد، ودوك، وجامعة كاليفورنيا بفرعي لوس انجلس وبيركيلي. بعد كل اتصال أو لقاء، كانت تثور التساؤلات وكانت الاجابة السهلة عليها: لأنهم درسوا باللغة الانجليزية، لأنهم درسوا باللغة الانجليزية. لكن هل هي الكلية الوحيدة التي تُدرس القانون باللغة الانجليزية؟

ظل هذا الاستنتاج الشخصي مجرد توقع قائما بلا دليل يسنده أو حجة تدحضه حتى نوفمبر من العام المنصرم، وفي جلسة مميزة لاقت إعجاب الحضور في المؤتمر السعودي للقانون، أدار دفتها د. عبدالعزيز التويجري، جاءتني الاجابة المختلفة من عميد كلية القانون د. فهد الماجد. ذكر عميد الكلية أنه من خلال استطلاع أُرسل إلى أبرز الجهات التي تستقطب مخرجاتها، وبسؤالها عن أهم ما يميز مخرجاتها: كان الانضباط والجدية (Discipline) أولى الصفات المميزة لمخرجاتها، وتمتعهم بمهارات شخصية واجتماعية (Soft Skills) ثم تتبعهم إجادة اللغة الانجليزية (Language) فالحصيلة والمعرفة القانونية (Knowledge). عرفت كلية القانون بجامعة الأمير سلطان نقاط قوتها واستثمرتها لصالحها وها هي تجني ثمار استثمارها في قيادتها وأعضاء هيئة التدريس وطلابها بنجاحات متوالية لطلابها وطالباتها وسمعة حسنة وثقة تُزاحم بهما الكليات الأخرى في السوق. بعد تلك الجلسة ولكل شعبة أتولى تدريسها، أقول وأكرر للطلاب والطالبات فيها بأهمية الانضباط والجدية؛ فما إن تفتش خلف الناجحين والبارعين في تخصصاتهم ومجالات أعمالهم، إلا  والجدية والانضباط أولى سمات هؤلاء الأشخاص. لكن، هل هذا يكفي ليجعل منها الكلية الأفضل في المملكة؟

حتى قبل 7 سنوات، كان تخصص القانون في جامعة الملك سعود هو الوريد والشريان الأكبر الذي يغذي سوق العمل بالمختصين في القانون، مع دور بارز وفعال لجامعة الملك عبدالعزيز ومعهد الإدارة العامة. فلا تجد كفاءة قانونية في سوق العمل إلا وقد خرج من رحم إحدى الجامعتين أو المعهد. مع التوسع في افتتاح الجامعات الحكومية في المملكة وزيادة نسبة الكليات والجامعات الأهلية -بفضل برامج المنح الداخلية- في نهاية العقد الماضي، زاد عدد الكليات والأقسام التي بدأت تشارك في إعداد وتأهيل القانونين ليُجاوزعددها  الثلاثين بين قسم وكلية. فعلى سبيل المثال، في عام 1428هـ الموافق 2007م غادرت الأحساء  -مسقط رأسي- للرياض لدراسة القانون- وما إن تخرجت، إلا وقد اسُتحدث فيها قسم للأنظمة (في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية التابعة لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية) وكلية للحقوق (بجامعة الملك فيصل). قسم وكلية في مدينة واحدة في مدة زمنية لا تتجاوز الخمس سنوات. من بين ثلاثين كلية وقسم تُدرس القانون، من هو الأفضل؟

لا أخفي القارئ أن لدي حساسية مفرطة من الجمل المحتوية على كلمات من وزن أفعل؛ حيث ثبت لدي بالتجربة والاستطلاع أن معظم أصحاب هذه الجمل والإدعاءات يقعون في واحدة أو أكثر من مغالطات المنطق (Logical Fallacies). تعميم متسرع، غياب للدليل، خلط بين السبب والعلاقة وغيرها من المغالطات. فعملية تصنيف الجامعات والكليات -في تخصص ما- عملية معقدة يُعهد بها إلى مؤسسات متخصصة وفق معايير مختلفة ومتعددة، تختلف فيما بينها في الزاوية التي تنظر بها للكلية أو الجامعة. فتصنيف أجمل جامعة (والتي قد يرتكز فيها التصنيف على المساحات الخضراء ومعايير معمارية)، ليس بالضرورة أن تكون  تكون أكثر جامعة تسجيلا لبراءات الاختراع وفق تصنيف أخر.

في الولايات المتحدة الأمريكية، تتعدد المؤسسات التي تتولى تصنيف الكليات بمختلف تخصصاتها، إلا أنه يظل تصنيف U.S.News & World Reports التصنيف الأشهر بين كليات القانون، والذي يعكس منافسة شرسة –كنت شاهد على بعضها- بين كليات القانون للمحافظة على مركزها أو الصعود به إلى المراتب الأولى. لا أنسى خيبة الأمل التي كان يتحدث بها عميد كلية القانون في جامعة انديانا بليمينغتون (وهي الجامعة التي حصلت منها على الدكتوراهـ) في 2017م بعد تراجع مركز الكلية وهو يشرح  لمنسوبي الكلية –من طلاب وأعضاء هيئة تدريس- في لقاء عام الأسباب التي أدت إلى ذلك. أوالسخط الذي عبر عنه الطلاب في كلية القانون بجامعة هارفارد في إحدى المسرحيات (في فعالية سنوية يقيمها مجتمع الدراما الطلابي بالكليةHLS Parody ) عندما انفردت جامعة ستانفور في عام 2018 بالمركز الثاني؛ واضعة كلية القانون بهارفارد في المركز الثالث. أو الاحتفالات التي أقامتها كلية القانون بجامعة جنوب كاليفورنيا (وهي الكلية التي حصلت منها على الماجستير) عندما دخلت نادي أفضل 15 كلية قانون في أمريكا. ما هذه المعايير التي جعلت من بعض طلاب هارفارد ساخطين، وجعلت من عميد كلية للقانون (استطاع جمع حوالي 50 مليون دولار للكلية خلال 4 سنوات) خائبا، وأخرى سعيدة تتسابق بتحديث صفحات مواقعها على الانترنت لتعلن للعامة أنها من الكبار؟

يعتمد تصنيف U.S.News & World Reports على أكثر من عشرة معايير لتصنيف كليات القانون وتحديد الأفضل منها بشكل عام، والأفضل منها من حيث التخصص. فكلية القانون بجامعة يال -الأولى دائما في التصنيف لا ينازعها أحد- يخبرنا التصنيف أنها ليست الأفضل في قانون الشركات والحوكمة مثلاً. وكلية القانون بجامعة جنوب كاليفورنيا والتي تحتل المرتبة الخمسة عشر، هي الأولى دائماً على مستوى أمريكا عندما يتعلق الأمر بالتخصص في قوانين الإعلام والترفيه (Entertainment Law). يتقاسم تقييم كليات القانون وتصنيفها في الولايات المتحدة وفق التصنيف المذكور، معايير متعددة ومن أهمها: الاعتراف بها من جمعية المحامين الأمريكية (American Bar Association)، ونسبة حصول خريجيها على وظائف دائمة في السنة الأولى لتخرجهم، ونسبة تجاوز خريجيها لاختبارات الحصول على رخصة المحاماة (Bar Exams) من أول مرة، ومتوسط معدل درجات اختبار LSAT و GRE بين المقبولين في السنة الخاضعة للتقييم، نسبة عدد الطلاب إلى أعضاء هيئة التدريس (Student-Faculty Ratio)، ونتائج استطلاع آراء القضاة والمحامين حول الكلية، ومصار المعرفة المتوفرة في الكلية وعدد العناوين والمجلدات الموجودة في مكتبة الكلية، وغيرها من المعايير. لكل معيار نسبة معينة من التقييم الاجمالي وبناء عليه يتم تحديد الكلية "الأفضل في أمريكا".

غياب مثل هذا النوع من المعايير في البيئة القانونية السعودية وعدم وجود مؤسسة تتولى تقييم برامج ومخرجات تخصص القانون في المملكة يجعل عملية التصنيف عملية فاقدة للمصداقية ويشوبها الكثير من التفضيلات الشخصية، وبعيدة كل البعد عن الموضوعية. في غياب مثل هذه المعايير الموضوعية، كل البرامج –باعتقادي- سواسية والأفضل منها ما راق للمتكلم بعد أن يبذل جهده في البحث عما يثبت وجهة نظره، لا ما يثبت الحقيقة. مع تزايد كليات القانون في المملكة، أصبحت هناك حاجة ملحة لوجود مثل هذا النوع من التصنيف المؤسسي والقائم على معايير موضوعية، خاصة مع التوجه الملحوظ نحو جعل كثير من برامج هذه الكليات في الجامعات الحكومية مصدراً لدخل الجامعة. وجود مثل هذا التصنيف سيساعد الراغب بالالتحاق بأحد برامج القانون على اتخاذ القرار المناسب عند الاستثمار في التعليم.

بدأت الجامعات والكليات الحديثة تزاحم الجامعات الأم؛ متسلحة بطاقات شابة تسعى لإثبات مكانتها في الساحة، الأمر الذي يدعو لاطلاق صافرات الانذار في هذه الجامعات لاتخاذ ما يثبت جدارتها وكفاءتها في البيئة القانونية والحفاظ على صدارتها في مختلف الأصعدة المهنية والأكاديمية. فكلية الحقوق والعلوم السياسية في جامعة الملك سعود لا تزال -وستظل بإذن الله- "رائدة في التعليم الأكاديمي ومصنع للقدرات الوطنية".  والشواهد على ذلك كثيرة، ومنها -على سبيل المثال- أن ثلاثة من منسوبيها في الوقت الحاضر يتولون عمادة ثلاث كليات قانون في جامعات أهلية في الرياض. لكن، ماذا يحتاج برنامج القانون في جامعة الملك سعود ليبقى ذلك المعين الذي لا ينضب؟

هناك حديث ونقاش دائر حول اقرار اختبار للحصول على رخصة المحاماة مماثل لما عليه العمل في عدد من الدول، ومشابة للاختبارات التي تجريها الهيئة السعودية للتخصصات الصحية. استشرف أن نتائج أول اختبار (ما لو أُقر) ستكون أولى المعايير التي يمكن اعتمادها واحتسابها بطريقة موضوعية للكشف عن قوة كليات القانون ومخرجاتها في المملكة. حتى ذلك اليوم وتجنباً لخيبات الأمل وشعور الماء البارد المدفوق على الشخص: يجدر بكل كلية أن تكون على استعداد وثقة ببرامجها وأعضاء هيئة التدريس بها لإعداد وتأهيل مخرجات يتجاوزون الاختبار من أول مرة، فهذه المخرجات –بجانب غيرها من المعايير- مرآة تعكس برامج الكلية وكفاءة القائمين عليها. وألا تستلم لما تحظى به من سمعة ومكانة في المجتمع. فهذه السمعة والمكانة من أسرع ما يضمحل عندما تأتي الأرقام والاحصاءات وغيرها من المعايير الموضوعية؛ ساحبةً البساط ومغيرةً اتجاه بقعة الضوء. أيضا، يجدر بمعايير التصنيف بين كليات القانون أن تأخذ بعين الاعتبار المساهمة العلمية والاجتماعية لأعضاء هيئة التدريس به، واستيراد ما يتناسب ويتلائم من معايير أخرى. وقتها فقط نستطيع أن نحدد "أفضل كلية قانون في المملكة".

Note:names and references are hyperlinked