تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
User Image

عبد الله بن محمد الرميحي Abdullah Muhammad Alrumaihi

Lecturer

محاضر بقسم اللغة العربية وآدابها

العلوم اﻹنسانية واﻻجتماعية
الآداب مبنى 16، الدور 2، مكتب أ178
مدونة

التأويل المفرط

(مقالات في التأويل، ع/ الرميحي)
 
   يستفيد أمبرتو إيكو من بورس في بناء سيميائيته التأويليَّة، وهو يضع التأويل تحت موضع المساءلة في كثيرٍ من مؤلفاته، فهو مفهوم ملتبس بالعديد من طرق القراءة المختلفة، والتي تصل في بعض الأحيان إلى ما يسمِّيه إيكو بـ (الحيدان الهرمسي أو الغنوصي) ، حين يكون التأويل مفرطًا ودون قيود، والحيدان عند إيكو هو "المهارة غير المراقبة في الانزلاق من مدلولٍ إلى مدلول، ومن تشابهٍ إلى تشابه، ومن ترابط إلى آخر، ويمكن اعتباره نوعًا من التنشؤ الورمي الإيحائي، الذي ينطلق من علامةٍ محدَّدة، مارًّا بسلسلة مترابطة، لينتهي إلى علامةٍ لا علاقة لها البتَّة مع علامة الانطلاق".
   وعلى ذلك رأى إيكو أنَّ هناك فارقٌ بين التسويم اللانهائي عند بورس وما يطرحه دريدا في التفكيكيَّة، فلا نهائيَّة التأويل عند بورس افتراض نظري، أمَّا عند دريدا فضربٌ من ضروب القباليَّة اليهوديَّة الغنوصيَّة، وهو يطعن في نتاج تيارات القراءة المفرطة في التأويل وعلى رأسها التفكيكيَّة ويرى أنَّها في خِضمِّ ادِّعاء الجدَّة والتجاوز هي لا تعدو أن تكون موغلة في القدم صوب الفيوض الهرمسية والثقافات الصوفيَّة.
   كما يوجد إيكو فرقًا منهجيًّا بين التأويل والاستعمال، فالتأويل "هو التحيين الدلالي -كاستراتيجيَّة- لكلِّ ما يريد النصُّ قوله، من خلال مشاركة قارئه النموذجي"، بينما الاستعمال فيدخل في كثير من تمظهراته ضمن ظاهرة الحيدان، وهو ما يحيل إلى قراءات استعماليَّة كثيرة كما في قراءات فرويد التي تعود إلى فرويد الطبيب لا القارئ في كثيرٍ من الأحيان.
   ويرشد إيكو للخروج من التأويل المفرط إلى اعتماد مقصديَّة النصّ، وهو ربط للقصد بالمعطى المادي الفينومنولوجي، ولا يمكن الانطلاق في التأويل إلا بالتسليم في المستوى الأوَّل بالمعنى الحرفي للنصِّ، وإن كان في الحقيقة من ينتج القصد هو القارئ، إلا أنَّ النصَّ يحوي كما في أطروحات التلقي ما يسمَّى بالقارئ الضمني ضمن بنيته النصيَّة.
   ويظهر تعليق جوناثان كالر على هذا الرأي في مقالته دفاعًا عن التأويل المفرط، حيث يصف بتهكُّم مقصديَّة النص استنادًا على رأي نورثروب فراي في تشريح النقد في هذه المسألة، موضحًا أنَّ التأويل ابتداءً "ليس بحاجة للدفاع عنه، ولكنَّه يصبح مثيرًا فقط عندما يكون متطرِّفًا. إنَّ التأويل المعتدل -والذي يعبِّر عن إجماع- برغم ماله من قيمة في بعض الظروف، هو محدود الفائدة".وكالر في هذا ينسجم مع رؤيته التفكيكيَّة التي ترى أنَّه لا يحقُّ لأحدٍ رفض أيِّ تأويل مهما كان مفرِطًا في تأويليَّته، وهو ما يعارض رؤية إيكو حين يقول: "ليس صحيحًا أنَّ كل التأويلات مشروعة بالتساوي، فبعض هذه التأويلات خاطئ بالتأكيد".