تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
User Image

عبد الله بن محمد الرميحي Abdullah Muhammad Alrumaihi

Lecturer

محاضر بقسم اللغة العربية وآدابها

العلوم اﻹنسانية واﻻجتماعية
الآداب مبنى 16، الدور 2، مكتب أ178
مدونة

التأويل والمنهج

(مقالات في التأويل، ع/ الرميحي)   

   هل التأويل لابُدَّ له من منهج؟ وهل المنهج يُفضي إلى الحقيقة أو الوثوقيَّة بنتائجه على أقل تقدير؟ إنَّه السؤال المهمّ في المنعرج التأويلي، وهو الذي سخَّر له هانز جادامر كتابه الأساسي الحقيقة والمنهج، وقد أشار فيه إلى أنَّ المنهج لايُفضي إلى الحقيقة، وهناك فرق بين المنهج والحقيقة، فالمنهج شيء ينبع من الذات لأجل ضبط الموضوعات وهنا المفارقة، وهو يرى أنَّ صلاحيَّة المنهج في العلوم الطبيعيَّة هو الذي وجَّه العلوم الإنسانيَّة إلى ضيق المنهج لأجل أن تعبِّر عن علميتها في ضوء هذا التخندق المنهجي، بينما الحقيقة في نهاية الأمر تتسرَّب من المنهج وضيقه، وهو يطرح هذا الإشكال بقوَّة على صعيد اللغة والنصوص اللغوية بشكلٍ خاص.
   إنَّ هذا الموقف من جادامر لم يؤبه بهِ كثيرًا في ستينيَّات القرن الماضي، لكنْ طُرِحَ بعد ذلك سؤال المنهج في نظريَّات ما بعد التأويل حين توجَّهت نظريَّات كالتفكيكيَّة مثلاً إلى تحطيم المنهج، وكانت أولى مقولاتها أنَّ التفكيكيَّة ليست منهجًا ولا نظريَّة بقدر ما هي استراتيجيَّة، وهي وإن اتفقت في هذا القدر مع تأويليَّة جادامر فإنَّها بعد ذلك تبتعد أيَّما بُعد في نقدها الجذري لميتافيزيقيا الحقيقة عمَّا يؤصِّله جادامر في تأويليَّته.
   وينبغي أن ندرك أنَّ جادامر لم يكن يرمي إلى تعطيل المناهج في العلوم الإنسانيَّة، ولكنَّه يلفت الانتباه بشكل واضح إلى أنَّ هذه النتائج ما هي إلا قراءات ضمن قراءات أخرى، وسراب الحقيقة الذي قد توحي به المنهجيَّة ما هو إلا ضبط للمنهج لا النتيجة، أو بمعنى آخر ضبط للوسيلة لا المقصد .