تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
User Image

د. عبد الله بن محمد الرميحي

Assistant Professor

عضو هيئة تدريس

العلوم اﻹنسانية واﻻجتماعية
قسم اللغة العربية وآدابها أ 48
مدونة

صراع التأويلات

(مقالات في التأويل، ع/ الرميحي)

   الاستعارة في هذا العنوان تحيل على ما يؤكِّد أنَّ توجُّه الهرمينوطيقا الحديثة -بخلاف الهرمينوطيقا الرومانسية كما عند شلاير ماخر وفلهام ديلثاي- كان إلى القول بتعدُّد التأويلات وانفتاحها، وإن كانت بعض هذه القراءات والتأويلات تدَّعي الوثوقيَّة في نتائجها، إلا أنَّ مجرَّد جعلها إلى جوار قراءات وتأويلات أخرى -بحدِّ ذاته- يقطع الطريق عليها في سبيل ادعاء هذه هذه الوثوقيَّة، وكان قد خصَّص بول ريكور كتابه صراع التأويلات لنقاش هذه القضيَّة بشكلٍ مستفيض، حين طرح عدَّة مداخل تأويليَّة وناقشها في تأويلاتها وتصارعها، وذلك في سياقٍ فلسفي رأى فيه أنَّ الاتجاه الحديث إلى ما بعد التوجيه الديكارتي الواثق بحدس الإنسان في الوصول للمعنى والفهم إلى المناهج والإجراءات كما في التأويل الفرويدي والتأويل الماركسي والديني لبعض الموضوعات، ودخل في تناصٍّ مع هذه المناهج في إطار فهم لتأويلها عبر التأويل، وهو ما يجعل ريكور مقرًّا بأنَّ التأويل ضرورة لابدَّ منها، وإن ظهر كفلسفة مؤخرًا في حركة انتقاليَّة من النصوص الدينيَّة إلى النصوص الدنيويّة،  وإنَّ تعدُّد المعنى حتميَّة واقعية وقبل ذلك فلسفيَّة.
   ويأتي في صميم دراسة الصراع التأويلي كتاب بول آرمسترونغ القراءات المتصارعة، وهو كتاب هامٌّ في الحقل التأويلي لاسيما تأويل النصوص الأدبيَّة، وقد انطلق آرمسترونغ في كتابه من فكرةٍ مؤدَّاها أنَّ كلاً من الأحادية التأويليَّة والنسبية المتطرفة في التأويل مرفوض، وأنَّ التأويل يحتاج دائمًا إلى نشاط تخميني، لا يعِدُ بأنَّ الافترضات المستنتجة نهائيَّة، كما أنَّه لاوجود لنظريَّة تأويل قادرة على ضمان الوصول إلى نتائج مقنعة مؤثِّرة، وهو ما يؤدِّي بالتالي إلى حتميَّة التنوع والتعدُّد الذي لا يُفضي -في موقف محافظ- بأرمسترونغ إلى لا نهائيَّة التأويل، وقد جعلته هذه الرؤية يسعى إلى ما يسميه (اختبار الشرعيَّة) في محاولة لإيجاد حدٍّ فاصل بين القراءات المشروعة وغير المشروعة، دون أن يكون لهذا الاختبار حقَّ الحكم على تأويل من التأويلات بأنَّه هو التأويل الصحيح، وتصل أقصى هذه الروح الإنجليزيَّة المحافظة عند حديثه عن النقد والتأويل الأدبي حين يقول: "النَّقد الأدبي تعدُّدي من حيث الجوهر، لكنَّه برغم ذلك مشروع عقلاني كما أسماه ستيفان أولمان، يحمل قواعده وحدوده الكامنة في مجرياته، وليس حقلاً مفتوحًا للعب الفوضوي الحرِّ، حيث كل شيء مقبول".
   وقد وضع آرمسترونغ اختباراتٍ مهمَّة في سبيل الوصول للتأويلات الشرعيَّة، هي اختبار الشموليَّة حيث النظر إلى أجزاء النصِّ كاملة، واختبار تشارك الذَّوات بمعنى استخدام الحجاج والإقناع باستحقاق التأويل المطروح للثقَّة، واختبار الفعاليَّة وهو الإضافة التي يوجدها التأويل ويثري بها النص".