تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
User Image

عبد الله بن محمد الرميحي Abdullah Muhammad Alrumaihi

Lecturer

محاضر بقسم اللغة العربية وآدابها

العلوم اﻹنسانية واﻻجتماعية
الآداب مبنى 16، الدور 2، مكتب أ178
مدونة

ضد التأويل

(مقالات في التأويل، ع/ الرميحي)   
 
   كتبت سوزان سونتاغ (1933- 2004) في فترة حرجة يعدُّها البعضُ مرحلة انتقاليَّة إلى مابعد الحداثة مقالةً هامَّة ضمَّنتها فيما بعد في كتابها الشهير ضد التأويل، وكانت هذه المقالة تركِّز على العمل النَّقدي والتأويلي الذي يجريه النقَّاد والمؤوِّلون للأعمال والنصوص بمختلف أنواعها، وقد رأت أنَّ التأويل انغرس كثقافة في الحقبة الكلاسيكيَّة بعد أن تحطَّمت سُلطة الأسطورة في عصور التنوير، ليكون التأويل في نهاية الأمر "خُطَّة جذريَّة للاحتفاظ بنصٍّ قديم من خلال ترقيعه"، وتضرب مثالاً على ذلك ما قام به التأويل الحاخامي لسفر نشيد الأنشاد ذي النزعة الإيروتيكيَّة الظاهرة، في محاولة لمواءمته مع النصوص الأخرى والرؤية الدينيَّة، وترى إلى جوار ذلك أنَّ مشروع التأويل في هذا العصر "رجعيٌّ إلى حدٍّ بعيد، ويساهم فرط إهراق التأويلات الفنيَّة اليوم على النيل من رهافة أحاسيسنا... فالتأويل ما هو إلا انتقام الفكر من الفنِّ، حين يجعله قابلاً للإرادة والانصياع"، وتظهر هذه الغلواء التأويليَّة كأشدِّ ما تظهر في رأي سونتاغ في تأويل الأدب، الذي يمارسه النقَّاد فيستعملون النصوص ويرضخونها لمطالبهم، وما ظهور الرديكاليَّة الفنِّية الحديثة كما في الاتجاه السريالي إلا هروب من التأويل، فـ "نحن لسنا بحاجة لهرمينوطيقا فنيَّة، بل إلى إيروتيكيا فنية".
   إنَّ موقف سونتاغ من التأويل في هذا المقال هو في حقيقته موقف من الفهم بشكلٍ عام، وهو موقفٌ فلسفيٌّ رأت فيه أن محاولة الفهم ما هي إلا سيطرة وتدجين من ناحية، وتبليد للأحاسيس من ناحية أخرى، لكنَّ السؤال الذي يُطرح عند مناقشة هذا الرأي هل تقف سونتاغ هذا الموقف من كل أنواع الهرمينوطيقا؟ لعلَّ الجواب يكون بالنفي؛ لأنَّ ما تراه سونتاغ في هذا الموقف طرحه فلاسفة التأويل المتأخرين، إذ لم يعُد التأويل سيطرة كما في حدَّة وشموليَّة التأويل الفرويدي والماركسي مثلاً، بل هو قراءة من قراءاتٍ متعدِّدة تتيحها الموضوعات المدروسة لا أكثر، وهذا ما يؤكِّده فلاسفة التأويل لا سيَّما المتأخرين منهم مثل هانز جادامر وبول ريكور، بل إنَّ نظريَّات ما بعد التأويل كما في التفكيكيَّة قد جعلت من كل قراءة إساءة قراءة، في رؤية تجعل من التأويل عملية لا متناهية، ويبدو أنَّ سونتاغ لا تقف من التأويل الإبداعي بهذه الصَّورة موقفها من التأويل المضموني.